إنها محاولة فاشلة

حضارات

مؤسسة حضارات

عندما تقع حرب بلا أهداف فهذا يعني أنها حرب عقابية، وعندما تتواصل وهي بلا أهداف فهذا يعني أنها حرب متواصلة عقابية، وعندما يمرّ عليها عام وهي بلا أهداف فهذا يعني أنها حرب طويلة عقابية، وهذا هو حال الحرب على غزة، فبعد أن مضى عليها عام كامل، وبعد أن فشل “نتنياهو” في تحقيق أي هدف من أهدافه التي جعلها دافعًا لهذه الحرب، ومع ذلك لا يزال يواصل هذه الحرب، فهذا يعني أنها حرب عقابية، فكم من مرة صرح “نتنياهو” أنه يهدف من وراء هذه الحرب على غزة إلى إعادة الرهائن الإسرائيليين، وإلى الإجهاز على القوى الفلسطينية بغزة، وإلى فرض واقع جديد بديل “لحماس” بغزة، ولكنه وبعد مرور عام على هذه الحرب لم ينجح “نتنياهو” بتحقيق هدف من هذه الأهداف ومع ذلك لا تزال هذه الحرب مما يؤكد أنها حرب عقابية!!

ومما يؤكد أنها حرب عقابية إعلان حكومة “نتنياهو” عن قطع العلاقة مع “الأونروا” وعن إغلاق مكاتبها وعن مصادرة الأراضي التابعة لها سواء كانت بغزة أو بالقدس المباركة أو بالضفة الغربية إلى جانب عدم تورع الطائرات الحربية الإسرائيلية عن قصف مدارس ومكاتب تابعة لهذه المؤسسة الإغاثية الإنسانية العالمية “الأونروا”!!

فماذا يعني هذا الحصار الرسمي الإسرائيلي لهذه المؤسسة؟!، إنه يعني إلغاء دور هذه المؤسسة الإغاثي الإنساني لشعبنا الفلسطيني، مما يعني فرض عقوبات على شعبنا الفلسطيني من خلال هذا الحصار الرسمي الإسرائيلي لهذه المؤسسة!!، وكيف يُمكن أن نفهم سياق هذه العقوبات على شعب كامل لا يزال يخضع للحصار منذ عقود طويلة؟!، أليس هو عقابًا جماعيًا لهذا الشعب؟!، أليس هو العقاب الجماعي لأطفال هذا الشعب ونسائه وشيوخه وعجائزه ومرضاه وسائر ضعفائه؟!

ثم ماذا يعني منع إدخال الغذاء إلى غزة بعامة وإلى شمالها بخاصة، وهي التي أنهكها الجوع أصلًا منذ عام؟!، وماذا يعني منع الماء عن غزة بعامة وعن شمالها بخاصة، وهي التي أضناها العطش أصلًا منذ عام؟!، مما دفع أهلها أن يشربوا من ماء البحر إن نجحوا أن يصلوا إليه، أو أن يشربوا من الماء المُلوث الممزوج بالمياه العادمة!!، وماذا يعني حرمان غزة بعامة من الدواء وحرمان شمالها بخاصة من هذا الدواء، وهي التي لا يزال مرضاها يُعانون من ندرة الدواء، وقد بات بعضهم يموت بسبب ندرة الدواء!!، وماذا يعني قصف مدارس غزة وجامعاتها؟!، وماذا يعني قصف مستشفياتها ومساجدها وكنائسها؟!، وماذا يعني قصف عماراتها السكنية؟!، هل لهذه المُمارسات من أهداف إلا العقاب الجماعي؟!

وإلا ما هو الربح في ميزان الحروب من وراء هذا القصف لكل مبنى قائم بغزة سواء كان سكنيًا أو صحيًا أو تعليميًا أو دينيًا أو إغاثيًا؟!، وهل هناك ربح إلا العقاب!!، وهل كان العقاب ربحًا في ميزان كل عاقل في كل الأرض؟!، وما معنى أن يقع القصف بكل ألوانه على شمال غزة منذ عام، حيث استشهد من استشهد جراء هذا القصف وتشرد من تشرد وغادر شمال غزة، وبقي من بقي من أهل شمال غزة في بيوتهم ولم يغادروها، فلماذا يُعاد قصفهم في هذه الأيام؟!، ولماذا يُعاد حصارهم وقطع الغذاء والدواء والماء عنهم في هذه الأيام؟!، هل هو عقابهم لأنهم ظلوا أحياء ولم يُقتلوا جراء القصف الذي نزل عليهم كالمطر قبل عام؟!، أم هو عقابهم لأنهم أصروا على البقاء في بيوتهم رغم ما عاشوه من مآسي وفواجع وكرب شديد على مدار عام مضى؟!، أم لأنهم تجرّؤوا خلال العام الماضي وظهر رجالهم ونساؤهم وأطفالهم من على شاشة قناة “الجزيرة” وغيرها وهم يُصرحون أنهم لن يرحلوا عن أرضهم وبيوتهم رغم ما حل عليهم من كوارث إنسانية!!

هل لكل ذلك لا يزالون يتعرضون لعقاب متواصل بلا توقف منذ عام؟!، وماذا يعني استباحة قصف كل المباني بغزة حتى الآن ومنذ عام بادّعاء أنها تؤوي قوى فلسطينية بغزة؟!، حتى أن المدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد والكنائس لم تسلم من هذا الادّعاء؟!، وكم حصد هذا الادعاء من ضحايا من أهل غزة حتى الآن؟!، وهو الادّعاء نفسه الذي يجري استنادًا إليه قصف لبنان بعاصمتها وسائر مدنها وضيعاتها ومخيماتها حيث بات الخطاب الإسرائيلي يقول إنه يقصف ما يقصف من مباني لبنان لأنها تؤوي قوى لبنانية!!

وكأن غزة ضاقت، وكأن لبنان ضاقت، مما اضطر هذه للجوء إلى المدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد والكنائس بغزة ولبنان؟!، فماذا يعني استباحة ترداد هذا الادّعاء ما بين غزة ولبنان؟!، وماذا يعني استباحة قصف كل أصناف المباني ما بين غزة ولبنان استنادًا إلى هذا الادّعاء؟!، أليس هو مواصلة العقاب للشعب الفلسطيني والشعب اللبناني؟!، أليس هو الإصرار على إعادة غزة ولبنان إلى العصر الحجري؟!، كما هدد بذلك بعض المسؤولين الرسميين؟!، أليس هو إنزال الدمار المهول على غزة وكأنه ألقي عليها قنبلة ذرية كما هدد بذلك مسؤول رسمي إسرائيلي؟!، أليس هو إجهاض فرص الحياة بغزة حتى لا يستطيع الحياة فيها إنسان ولا حيوان ولا طير ولا زاحفة ولا شجرة ولا نبتة؟!  فإذا كانت هذه الفواجع التي فرضتها هذه الحرب على غزة هي أهداف هذه الحرب، فهذا يؤكد أنها حرب عقابية، وإذا لم تكن هذه الفواجع هي أهداف هذه الحرب فما هي أهداف هذه الحرب؟!، سيما وقد فشل “نتنياهو” بتحقيق كل هدف من الأهداف التي وضعها لنفسه في هذه الحرب؟!، ومتى ستتوقف هذه الحرب العقابية سيما وقد بات بعض المسؤولين الرسميين يُصرح أن إمكانية الاتفاق على صفقة تبادل باتت بعيدة!!

إذن لماذا تستمر هذه الحرب؟!، هل هي حرب لأجل الحرب؟!، وهل هي قصف لأجل القصف؟!، وهل هي حصار لأجل الحصار؟!، وهل هي منع لإدخال الغذاء والماء والدواء لأجل المنع؟!، ومما يُشير إلى احتمال استمرار هذه الحرب العقابية إلى أجل غير مُسمى أن الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة باتت تستخدم الأجهزة الآلية لتدمير العمارات بغزة ؟!، وهي أجهزة صماء لا حس فيها ولا شعور، ولا تملك إلا القدرة على العقاب بتوجيه مُبرمج من سيدها الإسرائيلي!!، فلماذا هذه الأجهزة الآن؟!، وهل هذا يعني أن هناك نية لدى الحكومة الإسرائيلية لتفجير غزة عمارة عمارة حتى لا يبقى بغزة ولو عمارة سكنية واحدة؟!، وإلا ما معنى تفجير العمارات المهجورة بغزة التي لا إنس فيها ولا جن؟!، وهل يكشف ذلك عن نية مُبيتة لهدم كل عمارات غزة بدون استثناء حتى تبدو غزة كأنها سلسلة تلال من حجارة تحتاج إلى عشرات السنوات لإعادة بنائها، وتحتاج إلى قرن على الأقل لإعادة بناء مؤسساتها التعليمية والصحية والدينية والمجتمعية وإلى إعادة بناء اقتصادها واستصلاح أرضها للزراعة وتنقية مياهها من الملوثات وتطهيرها من بقايا الصواريخ التي لم تنفجر!!

وهل المقصود من وراء ذلك هو فرض أحد خيارين على أهل غزة!!، إما الإصرار على البقاء بغزة المدمرة ومنزوعة القابلية للحياة فيها، وهذا ما سيفرض على أهلها تكريس كل وقتهم وجهدهم وما سيتيسر لهم من مساعدات إنسانية لإعادة بناء غزة، وقد تتعاقب أجيال على هذه المهمة الشاقة، وإما أن يختار أهل غزة مضطرين الرحيل عنها، وهذا ما سيرفضه أهل غزة حتى الطفل منهم سيرفض ذلك، مما يجعلني أختم وأقول: إنها محاولة فاشلة لمعاقبة غزة. .

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023