في مثل هذا اليوم من العام 1917، صدر الوعد المشؤوم، وعد بلفور، الذي منح حقاً مزعوماً لمن لا يملك في أرضٍ ليست له. هذا الوعد الغاشم كان الخطوة الأولى في مسيرة طويلة من القهر والعدوان، فتحت الأبواب أمام استعمارٍ قائم على استباحة الأرض، وإبادة الشعب الفلسطيني. لقد فتحت بريطانيا بهذا الوعد أبواب الظلم التاريخي المستمر، وكانت أحد المسبّبين الرئيسيين لمعاناة الشعب الفلسطيني، عبر دعمها تأسيس الكيان الصهيوني، وتوفير الغطاء السياسي له ليمارس القهر والتطهير العرقي على مدى عقود. وإلى اليوم، تتحمل بريطانيا مسؤولية أخلاقية وسياسية وقانونية تجاه ما يعيشه شعبنا الفلسطيني من قهر وتشريد. إن أثر وعد بلفور المشؤوم لم ولن يُمحَى من ذاكرتنا، بل يتعمق مع كل جريمة يرتكبها الاحتلال.
اليوم، بعد أكثر من مئة عام على هذه الجريمة، يواجه شعبنا واقعاً أشد قسوة؛ حيث يخوض الاحتلال حرب إبادة ضد أهلنا في قطاع غزة، في محاولةٍ لتدمير إرادة الشعب الفلسطيني وسلبه أرضه وحرمانه من حريته، واقتلاعه من وطنه.
إنّ المجازر المتواصلة التي يرتكبها الاحتلال ضد الأطفال والنساء والشيوخ في قطاع غزة، وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، وحصار أكثر من مليوني فلسطيني، لم تعد خافية على العالم بأسره. ومع ذلك، ورغم حجم الجرائم الواضحة، يستمر الصمت الدولي المخزي، ما يُعطي للاحتلال الضوء الأخضر للتمادي في مخططاته العدوانية. إن ما يقوم به الاحتلال في غزة ولبنان ليس مجرد عملية عسكرية، بل هي حرب إبادة ممنهجة، وزرع للفوضى، هدفها تفريغ الأرض من شعبها وتحقيق مخطط تهجير واقتلاع لم يتوقف منذ النكبة.
ويزيد من حجم هذه المأساة الدعم المتواصل الذي توفره بعض القوى الغربية، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، التي تمد الكيان الصهيوني بالسلاح وتؤمن له الحماية السياسية في المحافل الدولية، بل وتضمن إفلاته الدائم من العقاب والمساءلة. هذا الدعم غير المحدود يمكّن الاحتلال من مواصلة عدوانه ومجازره بحق الفلسطينيين، ويوجه رسالة واضحة بأن حياة وحقوق الشعب الفلسطيني، وشعوب المنطقة كافة، لا مكان لها في الحسابات السياسية لهذه الدول. إن هذا التحالف المخزي بين الاحتلال وداعميه هو المصدر الأساسي لمعاناة شعوب أمتنا وتدفع ثمنه من دماء أبنائنا ومستقبلنا.
يأتي هذا في ظل تحدٍ صارخ من قبل الاحتلال للمؤسسات الدولية؛ إذ يشن حرباً مفتوحة ضد جميع المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها وكالة الأونروا، التي قرر منع وجودها في أرضنا، في خطوة تهدف إلى شطب حق اللاجئين الفلسطينيين. إن تهجم الاحتلال على المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها الأمين العام للأمم المتحدة، وإطلاقه النار على قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، كل ذلك يثبت أن كل حديث عن مواجهة هذا الكيان بغير لغة المقاومة هو حديث لا يمت للواقع بصلة.
إننا نؤكد، بهذه المناسبة، أن شعبنا الفلسطيني متجذر في أرضه، ومتمسك بكل حبة تراب من وطننا فلسطين، كاملة من نهرها إلى بحرها، مهما اشتد القمع والتنكيل. ولن تزيدنا كل محاولات التهجير والاستيلاء على الأرض إلا إصراراً على مقاومة هذا الاحتلال ودحره.
وفي هذا السياق، نؤكد أن المقاومة الفلسطينية تقف ثابتة على شروطها لوقف العدوان على قطاع غزة، وفي مقدمتها الوقف الشامل لإطلاق النار، والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة، وبخاصة من محوري نتساريم وصلاح الدين ومعبر رفح، وعودة سكان شمال القطاع إلى بيوتهم ومزارعهم، وإدخال المساعدات الإنسانية والمواد اللازمة لتلبية احتياجات أهلنا في القطاع، وصولاً إلى صفقة تبادل الأسرى وإعادة إعمار ما دمره الكيان المجرم.
في ذكرى وعد بلفور، نوجه نداءنا للعالم، أن يدرك حجم الظلم التاريخي الواقع على شعبنا، وأن يتحمل مسؤولياته في وقف هذا الاحتلال الغاشم. إن الشعب الفلسطيني، بحقه الثابت في أرضه وتاريخه، سيظل صامداً ومقاوماً حتى التحرير وعودة الأرض إلى أصحابها. ندعو كل الأحرار في العالم إلى اتخاذ موقف حاسم ضد هذا الظلم المتواصل، والوقوف إلى جانب شعبنا الفلسطيني الأعزل. لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية في كل مراحل النضال أنها لن تتنازل ولن تتراجع أمام أي محاولةٍ لطمس حقوقها، وأن الشعب الفلسطيني سيبقى شامخاً وصامداً في أرضه حتى تتحقق العدالة وتعود الأرض لأصحابها.