مصيدة غزة

د. ناصر ناصر

كاتب وباحث سياسي

يبدو أن إسرائيل منشغلة هذه الأيام وبشكل بارز فيما سماه كبير صحفيي يديعوتأحرنوت ناحوم برنيع: معضلة الجنوب، أو مصيدة غزة على حد وصف ضابط كبير في مكتب منسق أعمال المناطق، وخاصة بعدما أطلق الجنرال ايزنكوت رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية ما يمكن تسميته بخارطة طريق للتعامل مع غزة، حيث اعتبر أن الطريق لحل مشكلة غزة تمر بمحطات رئيسية ثلاثة على التوالي:

حل المشكلة الإنسانية بشكل عاجل، ثم حل مشكلة الأسرى والجنود والمفقودين في غزة، ثم بعد ذلك الحديث عن سبل إعمار القطاع.

من الملاحظ أن الدافع الرئيسي والمباشر لهذه النقاشات هو التحذيرات المتزايدة من المستوى الأمني والتي وصلت حد إعلام الجنرال ايزنكوت للحكومة الإسرائيلية 4-2 بأن احتمالات الحرب في 2018 قد ارتفعت وأن الوضع في غزة يوشك على الانهيار، ما لم يتم التخفيف عن قطاع غزة.

لقد كان آخر هذه التحذيرات ما أعلنه العقيد في مكتب منسق أعمال الجيش الإسرائيلي في المناطق لراديو إسرائيل 5-2 بأن مشكلة غزة تتكون من أربعة أمور وهي: المياه والطاقة والمجاري والوضع الاقتصادي، وبأنه وحتى العام 2020 لن يكون في غزة قطرة مياه صالحة للشرب، معتبرا أن سبب حرب 2014 كان يتعلق برغبة حماس بحل مشكلة غزة الاقتصادية، متجاهلا السبب الرئيسي وهو استمرار الاحتلال الغاشم بكل صوره.

لقد ارتبك بعض المحللين الإسرائيليين لكيفية وآلية التخفيف عن غزة، حيث أكد دوري غولد أن إسرائيل ليست مسؤولة عن غزة ولكنها تتأثر بما يحدث فيها،بينما اعتبر العقيد السالف الذكر بأن الأمر يجب أن يتم من خلال السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن، ومن الجدير ذكره أن أوساط متزايدة من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن يتم ذلك حتى وإن اضطرت إسرائيل للتعاون بشكل مباشر مع عناصر غزاوية مقربة من حماس.

قد تكون غزة معضلة للاحتلال فهو يريد من جهة خنقها وحصارها ومن جهة أخرى عدم تحمل نتائج ذلك، أو قد تكون مصيدة له حيث انسحب جزئيا منها، لكنه يضطر وبسوء تقديراته؛ لاستمرار الحصار والكر والفر فيها، ولكنها وفي نظر الغالبية الساحقة من الرأي العام الفلسطيني والعربي والاسلامي مصدر فخر واعتزاز وشعلة للأمل في النجاح في مقاومة المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية وعلى رأسها خطة ترامب الأخيرة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023