يوسي ميلمان
هآرتس
مثل القوزاقي المسلوب خرقت الحكومة الاتفاق مع حماس، الذي تم التوقيع عليه في الدوحة في 17 كانون الثاني الماضي وتمت المصادقة عليه في الحكومة في اليوم التالي، والآن تلعب دور الضحية وتتهم المنظمة الإرهابية بخرقه. الاتفاق تم التوصل اليه وصادقت عليه ثلاث دول وساطة: الولايات المتحدة، مصر وقطر. في منتصف منتهى السبت الماضي انتهت مدة الـ 24 يوم، المرحلة الأولى في صفقة المخطوفين. إسرائيل تعهدت بالبدء في اجراء مفاوضات خلال المرحلة الأولى، لكنها رفضت ذلك. وبدلا من ذلك اقترحت في منتهى السبت الماضي، في نقاشات امنية برئاسة نتنياهو وعدد من الوزراء وقادة جهاز الامن، تمديد وقف اطلاق النار في شهر رمضان الذي بدأ في يوم السبت حتى عيد الفصح في 12 نيسان، والسماح باستمرار ادخال المساعدات الإنسانية الى القطاع.
في المقابل، نتنياهو يطالب بأن تطلق حماس على الفور سراح نصف المخطوفين الاحياء والقتلى، وفي نهاية فترة التمديد يتم اطلاق سراح الباقين، حسب تقدير جهاز الاستخبارات يوجد في غزة 21 – 22 مخطوف أحياء، حتى يوم الأربعاء الماضي التقدير كان 24، و37 – 38 جثمان.
خرق الاتفاقات أو التصعيد والاستفزازات اثناء المواجهات تميز سلوك إسرائيل منذ عشرات السنين. وهاكم عدة امثلة. في الخمسينيات اتبعت حكومة دافيد بن غوريون سياسة التصعيد ردا على عمليات الفدائيين من غزة، الأردن وسوريا. الهدف الاستراتيجي كان احداث ردود متسلسلة تؤدي الى حرب. وهكذا أدت هذه الى حرب سينار في 1956. في حرب يوم الغفران خرقت الحكومة برئاسة غولدا مئير، ووزير الدفاع موشيه ديان، اتفاق وقف اطلاق النار مع مصر في سيناء من اجل تحسين المواقع وتحقيق إنجازات. في اعقاب هذه العملية قتل 80 جندي وأصيب 120. في حرب لبنان الثانية في 2006 أمر رئيس الحكومة وزير الدفاع عمير بيرتس ورئيس الأركان دان حلوتس بمواصلة القتال في منطقة وادي السلكون، رغم أنه تم اتخاذ قرار في مجلس الامن، القرار رقم 1701، الذي دعا الى وقف اطلاق النار. الهدف كان تحقيق “صورة انتصار” وتحسين مواقع الجيش الاسرائيلي. 12 جندي قتلوا في المعركة وأصيب العشرات.
حسب اتفاق الدوحة مع حماس على إسرائيل الانسحاب من رفح بعد أسبوع. نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس اوضحا سابقا بأن إسرائيل لن تنسحب من هناك. ومن اجل استخدام الضغط على حماس قررت الحكومة اليوم وقف ادخال المساعدات الإنسانية الى القطاع، هذا خرق آخر للاتفاق. وكوسيلة ضغط أخرى امرت الحكومة الجيش بالاستعداد لاحتمالية تجنيد 400 جندي احتياط اذا تقرر استئناف الحرب.
جميع الخدع والتلاعب والاستفزاز والتهديد والبلاغة اللفظية تدل على أن مصير المخطوفين لا يعني نتنياهو، رغم أنه يدفع ضريبة كلامية على أنه هو والحكومة “ملتزمون بإعادة جميع المخطوفين”. نتنياهو يحركه أمر واحد وهو البقاء في الحكم. لذلك فانه يحاول إرضاء قاعدته، لا سيما أنه يتعهد ويعزز اللبنة الضعيفة في الائتلاف، الصهيونية الدينية برئاسة سموتريتش.
الجيش الإسرائيلي يوجد في نقطة حضيض متدنية. التحقيقات في 7 أكتوبر غير شاملة ولا تأتي إلا بالقليل جدا من الجديد وتحلق فوق هذه التحقيقات سحابة الجيش الذي يحقق مع نفسه ويقوم بترقية الضباط الذين فشلوا، التحقيقات تكشف مرة أخرى صورة قديمة: الجيش والاستخبارات لا يفكران إلا بالناحية التكتيكية والعملياتية، ونادرا ما ينظران الى الناحية السياسية والاستراتيجية. ومشكوك فيه أن يتغير هذا التوجه في الفترة التي تفصل بين استقالة رئيس الأركان هرتسي هليفي وتسلم رئيس الأركان الجديد ايال زمير لمنصبه.
نتنياهو والحكومة يسمحون لانفسهم بالتصرف هكذا لأنهم يدركون أن صراخ عائلات المخطوفين لا يؤثر في الرأي العام. الجمهور في إسرائيل لا يخرج الى الشوارع بجموعه، ويكتفي باظهار الصدمة من الشهادات بشأن العذاب الذي مر على المخطوفين ومن الأفلام الفظيعة لحماس. نتنياهو أيضا يحظى بدعم الرئيس الأمريكي ترامب. في البيانات التي يحاول فيها تبرير خرقه للاتفاق، عاد نتنياهو وتسلق على الشجرة العالية لستيف ويتكون، المستشار السري لترامب ومبعوثه للشرق الأوسط. نتنياهو يذكر بأن خطواته، أي خروقات إسرائيل، هي حسب “خطة ويتكوف”. وهو أيضا يستغل حقيقة أن اهتمام ترامب وويتكوف، وفي الواقع اهتمام كل العالم، موجه للسيناريو الجاري في أوكرانيا في اعقاب العرض المخيف في المكتب البيضوي في البيت الأبيض في يوم الجمعة الماضي.
حماس هي منظمة إرهابية وحشية، ومحظور أن تسيطر في غزة. ولكن الاتفاقات – حتى مع اكثر الأعداء فظاعة – يجب تنفيذها. أيضا توجد على كفة الميزان حياة إسرائيليين، الذين تم اهمالهم مرة تلو الأخرى على يد حكومة ترفض أن تتحمل المسؤولية عن الإخفاقات والاعتراف بذنبها.