ألوف بن
هآرتس
تستعرض تحقيقات شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" والشاباك تحضيرات "حماس" للحرب وعمى الجانب الإسرائيلي ولا مبالاته، وهي تلقي نظرة نادرة على سير العمل في مجتمع الاستخبارات، كما تكشف الخلاف الداخلي بشأن مسألة كيفية مواجهة "حماس": كانت الاستخبارات العسكرية أكثر اطمئناناً وثقةً بالنفس من الشاباك الذي حذّر من تعاظُم قوة "حماس"، واقترح اغتيال كبار المسؤولين في الحركة في عملية استباقية.
لكن على الرغم من الفارق بينهما، فإن منظومتَي الاستخبارات ارتكبتا الخطأ عينه: لقد غفلتا عن قرار "حماس" بشأن مهاجمة إسرائيل من قطاع غزة وحدها، من دون انتظار شركائها في "محور المقاومة"، وفي طليعتهم حزب الله. هذه هي النقطة الحاسمة التي اتخذها زعيم "حماس" يحيى السنوار، وهو في طريقه إلى الحرب، والتي غابت تماماً عن أعين "أمان" والشاباك اللذين فشلا في جمع المعلومات عمّا يجري لدى قيادة العدو. كذلك، فشلا في أبحاثهما، ولم ينجحا في تخيُّل هجوم على طول الحدود مع القطاع بصورة مفاجئة تماماً، ولم يسألا عمّا إذا كان الهدوء النسبي على طول الحدود خدعة استراتيجية تقوم بها "حماس"، بهدف تهدئة إسرائيل.
رئيس الحكومة نتنياهو، ومن حلّ محله لوقت قصير، نفتالي بينت ويائير لبيد، كلهم قبِلوا تقديرات الاستخبارات التي تقول إن الوضع محتمل، ولم يشكك أحد فيها. أتباع نتنياهو الحمقى يصورونه كعبقري استراتيجي فريد في نوعه، وأن حذره الشديد هو بمثابة بوليصة تأمين وطنية. وعلى ما يبدو، هذا هو الأساس الذي تستند إليه حجج الدفاع عن نتنياهو، الذي لو أيقظوه قبل ليلة من هجوم "حماس"، لكان أرسل الجيش كله إلى الميدان، ومنع " المذبحة" في مستوطنات غلاف غزة، وفي قواعد الجيش الإسرائيلي. هذه القصة ليست مُقنعة لأنه خلال الفترة التي سبقت الحرب، وحتى في الوقت الذي كان نتنياهو يقظاً جداً، فإنه لم يطلب من الاستخبارات إعادة فحص تقديراتها، ولم يسألها: ماذا لو كنتم على خطأ، وكان السنوار الماكر يضللنا بتهدئة الميدان، بينما كان في الحقيقة يستعد لتحقيق ميثاق "حماس" وشنّ حرب إبادة ضد إسرائيل؟
حتى الآن، لم يقدم نتنياهو روايته أمام الجمهور، بل اكتفى بالتنصل من المسؤولية عن الكارثة، وتوجيه التهمة إلى التابعين له. لكن من السهل فهم سبب عدم مناقشته التقديرات الاستخباراتية التي سبقت الحرب، والتي قللت من خطورة التهديد من غزة: لأن تلك التقديرات دعمت سياسته التي اعتبرت "حماس" حليفاً. بالنسبة إلى نتنياهو، كان التهديد الأساسي لإسرائيل ولا يزال، أن يفرض المجتمع الدولي إقامة دولة فلسطينية في المناطق. لقد أعرب عن استيائه من دعم المجتمع الدولي للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس. وكان نتنياهو يعتبر سيطرة "حماس"، العدو اللدود لعباس، على قطاع غزة، جداراً دبلوماسياً واقياً في مواجهة تقسيم أرض إسرائيل، في مقابل ثمن مقبول لتبادُل الضربات، من وقت إلى آخر، وتوظيفات كبيرة في الدفاع.
لقد تجاهل نتنياهو تحذيرات الشاباك ووزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان من سوء استخدام "حماس" لحقائب المال من أجل بناء قوتها العسكرية. كما رفض نتنياهو رفضاً قاطعاً اقتراحات ضربة إسرائيلية استباقية للقطاع، واعتبرها مخاطرةً مبالغاً فيها. وتلاعب بالرأي العام الإسرائيلي الذي أحب التهدئة والهدوء، وتعامل مع الفلسطينيين بحسب قول بينت، مثل "الشظية في المؤخرة"، و"جيران غير لطفاء، مزعجون أحياناً، لكنهم لا يؤثرون فعلاً في احتفالات الهاي - تك والعقارات في تل أبيب، وفي الانقلاب الدستوري لليمين".
بهذه الطريقة، أحاطت إسرائيل نفسها طوال سنوات، قبل 7 أكتوبر، بأربعة أسوار واقية انهارت في لحظة الاختبار. الاستخبارات الموثوق بها التي اعتمدت على جدار تكنولوجي واقٍ مع وسائل متطورة لجمع المعلومات التي تؤمّن الإنذار؛ الجيش الذي اعتمد على جدار واقٍ من منظومة المراقبة وإطلاق النار من أجل ترهيب العدو وإحباط أيّ محاولة تسلُّل على الحدود؛ ونتنياهو الذي اعتمد على أن المال القطري سيؤمّن الهدوء؛ وفي أساس هذا كله، هناك الجدار الواقي البسيكولوجي: لم يتخيل الإسرائيليون قط أن الفلسطينيين قادرون على تنفيذ هجوم معقّد كهذا. وحده السنوار وشركاؤه، فكوا رموز اللامبالاة الإسرائيلية، ونجحوا في اختراق الأسوار الأربعة من دون إنذار استخباراتي.