الإسرائيلي عنات ساراغوستي
هآرتس
تكشف تحقيقات الجيش والشاباك في أحداث 7 أكتوبر حقيقة مذهلة. فبعد أن اطّلعنا على صورة كل كيبوتس وكل بلدة وقاعدة عسكرية على حدة، كان الأمر الصادم بصورة خاصة هو الصورة الكبيرة التي يمكن من خلالها رؤية انهيار سلسلة طويلة من النظريات، أكبر وأعمق من النظرية المنسوبة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والتي انتهجها رؤساء المنظومة الأمنية، والقائلة إن "حماس" مرتدعة، وليس من مصلحتها الدخول في مواجهة، وكذلك نظرية أن المال يقلّص دوافع مقاومة إسرائيل.
لقد انهارت نظرية أن في الإمكان إدارة الصراع وتأجيل حلّ المشكلات الملتهبة، وعدم اتخاذ قرار، وانتظار الفرصة التي لم تأتِ، ولن تأتي على الإطلاق، وحتى نهاية الأيام.
لقد تبددت في 7 أكتوبر أيضاً نظرية أن لا مجال للحل السياسي، وأن القوة العسكرية وحدها تكفي، وأن أوسلو انهار،. كذلك تبددت نظرية أننا نسيطر على المجال ونعرف، بواسطة الفرقة 8200 التي تستهلك كثيراً من الموارد، وبواسطة الشاباك، كلّ ما يجري في غزة وكلّ حديث يُسجَّل وكلّ اجتماع يُصوَّر، وأننا نعرف كلّ عملية في زمنها الحقيقي. نحن نعرف، لكننا لم نفسّر معلوماتنا بصورة صحيحة. والمعرفة بحد ذاتها ليست كافية.
هناك نظريات أُخرى انهارت: نظرية أن الجيش الإسرائيلي جيش قوي، متطور، وقادر على الرد على كلّ تهديد من كلّ الساحات؛ وأن الشاباك جهاز يملك قدرات استباقية عالية ومهارة كبيرة في التقدير؛ وأن سياسة "فرّق تسُد" مفيدة، وإذا قوّينا "حماس"، فنستطيع إضعاف منظمة التحرير، ومنع قيام دولة فلسطينية، وبذلك نكون أكثر أمناً.
هذه النظرية لم نستفِد منها في لبنان، لقد أيّدنا المسيحيين، وحصلنا على صبرا وشاتيلا؛ وهي لم تنفعنا في مواجهة حركة أمل التي ظهر مكانها حزب الله، التنظيم الأكثر قوةً وخطورةً وتطرفاً؛ أيضاً تبددت النظرية القائلة إن "حماس" ليست تنظيماً منظماً فعلاً، وقادراً على التخطيط لتحرّك استراتيجي واسع النطاق.
ولا يبدو أن سياسة الاغتيالات ناجعة. لقد اغتلنا محمد الضيف، ويحيى عياش، وصالح شحادة، وعبد العزيز الرنتيسي، ومحمود المدبوح، وأحمد الجعبري، وإسماعيل هنية، وعشرات آخرين، وذلك انطلاقاً من الافتراض القائل إنه إذا اغتلنا رأس "الثعبان"، فإن التنظيم سينهار. هذا لم يحدث، ولن يحدث. وهذه النظرية هي، جزئياً، وراء المواجهة بين نتنياهو والشاباك الذي يبدو أنه كان ضد اغتيال يحيى السنوار. إن قتل زعيم التنظيم لا يؤدي في الحقيقة إلى القضاء على التنظيم. ربما هو يبطّىء مسار الأمور، لا أكثر.
كما انهارت نظرية إمكان الفصل بين غزة والضفة الغربية، والنجاح في إدارة الساحتين. الآن، غزة في حالة من الفوضى، ولم يتم القضاء على "حماس" في الضفة الغربية، ولا يوجد هدوء، ولا سلام، و"حماس" تعزّز قبضتها هناك أيضاً. وطبعاً، انهارت نظرية الانتصار على "الإرهاب".
وفي النهاية، انهارت نظرية أن الاحتلال غير موجود، وأن في استطاعة إسرائيل الاستمرار بهذه الطريقة، والازدهار، وليس هناك حاجة إلى صوغ استراتيجيا لحلّ النزاع، ولا حاجة إلى بذل أيّ جهد، ويمكننا التفاوض بشأن مستقبل المناطق [المحتلة] بيننا وبين أنفسنا، بين اليمين واليسار، وبين أنصار "أرض إسرائيل الكاملة" والذين يرفضونها، وبين المتدينين والعلمانيين، وبين إسرائيل والولايات المتحدة، بينما الفلسطينيون ليسوا طرفاً في هذا الموضوع على الإطلاق.
لقد انهارت هذه النظريات جميعها. وإذا كنا نحب الحياة، فيجب علينا البدء بالتفكير خارج جميع هذه النظريات.