لبنان يغيّر وجهه، وعلى إسرائيل أن تسمح بحدوث ذلك

 الدبلوماسي السابق ميخائيل هراري

 معاريف

إن التطورات في لبنان مذهلة، وتحمل احتمالات إيجابية لم يشهد البلد مثلها منذ أعوام طويلة. هذه التطورات هي التي مهّدت الطريق إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة جديدة لا تعتمد على "فيتو" حزب الله، مثلما كانت عليه الحال حتى الآن.

لقد سمعنا في الأيام الأخيرة من رئيس الجمهورية جوزف عون، ومن رئيس الحكومة نواف سلام، رسائل لم نسمع مثلها. أوضح سلام في خطابه أمام مجلس النواب: "إننا نريد دولة تملك قرار الحرب والسلم، ولا تحكمها عقلية هجومية، بل الحق في الدفاع عن النفس"، وأضاف: "سنعمل من أجل تحقيق الانسحاب الإسرائيلي إلى الحدود الدولية المحددة في اتفاقات الهدنة العائدة إلى سنة 1949".

قبل ذلك بعدة أيام، جرى تشييع حسن نصر الله، بعد مرور خمسة أشهر على اغتياله. ويمكن أن نرى في ذلك نهاية فصل تاريخي من تاريخ الحزب... بالنسبة إلى إسرائيل، المقصود بداية مسار كانت ترغب فيه منذ أعوام كثيرة. انسحبت قوات الجيش الإسرائيلي من لبنان بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، باستثناء خمس نقاط بالقرب من الحدود. ويمكن فهم الحذر في القدس والتساؤلات بشأن قدرة الحكومة اللبنانية على تطبيق القرار 1701 كاملاً ونزع سلاح حزب الله.

صحيح أن حزب الله ضعف كثيراً، لكنه لم يختفِ من الساحة اللبنانية. ومع ذلك، فإن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يدركان الفرصة، ولا يخفيان رغبتهما في استغلالها ونقل السيطرة إليهما. فهما يحظيان بتأييد كبير من لاعبين خارجيين، مثل الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، ومن جانب الجمهور اللبناني الواسع الذي أنهكته الأزمة الاقتصادية الخطِرة، وتورُّط لبنان في حروب الآخرين.

يجب أن تتّسم السياسة الإسرائيلية المطلوبة بالنضج والصبر ودراسة المخاطر المحسوبة، بحيث لا تؤذي المساعي اللبنانية من أجل تحقيق الاستقرار في هذا البلد. صحيح أن ولاية هذه الحكومة قصيرة، سنة تقريباً، حتى موعد الانتخابات البرلمانية في سنة 2026، لكن ولاية رئيس الجمهورية ستستمر 6 سنوات.

إن الظروف الداخلية اللبنانية تقدم هامشاً من المناورة والعمل للحكم اللبناني، على الرغم من كونه محدوداً. الصعوبات كثيرة، لكن المقصود فرصة نادرة يجب على إسرائيل السماح بتحقيقها. ومن الأفضل أن تمتنع من القيام بخطوات تُحرج الحكم الجديد والجمهور اللبناني، على سبيل المثال، لم يكن تحليق الطيران الإسرائيلي خلال تشييع نصر الله ضرورياً، للتذكير بالتفوق العسكري الإسرائيلي. لقد خلق الإنجاز العسكري فرصة لتحقيق إنجاز سياسي، وحرام علينا تضييعها.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023