ضربات الدوحة تبرز تصادم الرؤى حول مستقبل الشرق الأوسط
ترجمة حضارات

مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن.

ترجمة حضارات 

بقلم لمونا يعقوبيان



 تُظهر المشاهد المتزامنة للضربات الإسرائيلية على الدوحة، التي استهدفت قادة حماس خلال مناقشات هدنة بوساطة قطرية، التباين الواضح في النهج الإقليمي لتشكيل النظام الناشئ في الشرق الأوسط.
فدول الخليج – مركز الثقل الإقليمي – تُعطي الأولوية لخفض التصعيد وحل النزاعات بالوساطة، بينما تسعى إسرائيل – القوة العسكرية المهيمنة في المنطقة – إلى "تغيير وجه الشرق الأوسط" من خلال تدخلات عسكرية صارمة. وبغياب قيادة أميركية قوية تحدد مسارًا مشتركًا، تشير هذه الرؤى المتضاربة إلى مستقبل فوضوي للمنطقة مع تداعيات عالمية.

شكل هجوم 9 سبتمبر محطة فارقة للمنطقة: المرة الأولى التي تشن فيها إسرائيل ضربات جوية على عاصمة خليجية، ما أسفر عن مقتل ضابط أمني قطري وخمسة من أعضاء حماس. وقد أثارت الضربات الإسرائيلية غضبًا عالميًا وإقليميًا، دفع قادة الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إلى عقد قمة طارئة في الدوحة. وأدان البيان الختامي الهجوم على "مكان محايد للوساطة"، مسلطًا الضوء على دور قطر في الوساطة وانتهاك مبادئ تحقيق السلام الدولية. وجاء ذلك بعد ساعات فقط من لقاء مسؤولين قطريين أحد أسرى الرهائن الإسرائيليين، في محاولة عاجلة لإعادة أحبائهم إلى منازلهم.

الشرق الأوسط يعيش "لحظة مفصلية"، وقد وقعت ضربات الدوحة في ظل تحول زلزالي في المنطقة، حيث يختفي النظام السائد الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة لعقود. ومع تزايد النظر إلى واشنطن باعتبارها مشتتة وغير موثوقة، يتنافس اللاعبون الإقليميون على تشكيل ملامح شرق أوسط جديد، مستفيدين من أدواتهم المتنوعة – العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية – لبناء نظام يخدم مصالحهم.

سعت قطر إلى التأثير على مسار المنطقة من خلال براعتها الدبلوماسية المدعومة بثروتها الهائلة. وباعتبار الوساطة جزءًا دستوريًا من سياستها الخارجية، لعبت دورًا رئيسيًا في عدة صراعات، بما في ذلك غزة، حيث توسطت بين إسرائيل وحماس خلال جولات متعددة من المفاوضات. وكانت جهودها محورية في صفقات الإفراج عن الرهائن واتفاقيات الهدنة السابقة في نوفمبر 2023 ومرة أخرى في يناير 2025.

وعلى نطاق أوسع، تسعى دول الخليج، بما في ذلك قطر والسعودية وعُمان، إلى ترسيخ نفسها كـ"قوى وسطى" للوساطة، مهدئة النزاعات من إيران وأفغانستان والسودان وما وراءها. فهدفها تشكيل نظام إقليمي ناشئ يحل محل عقود من الصراع بالاستقرار والنمو الاقتصادي. وترتكز أولويتها على الوساطة باعتبارها ضرورة لخلق بيئة مستقرة تمكّنها من تنويع اقتصاداتها والاستعداد لعصر ما بعد النفط.

في المقابل، ونتيجة صدمة هجوم 7 أكتوبر الذي شهد أكبر عدد من اليهود الذين قتلوا في يوم واحد منذ الهولوكوست، انتهجت إسرائيل سياسة عسكرية عدوانية لضمان عدم تكرار هجوم مماثل. وشملت الإجراءات الإسرائيلية منذ ذلك التاريخ ضربات على خمس دول على الأقل في المنطقة، وإنشاء مناطق عازلة فعليًا في سوريا ولبنان، وتعهدات بضرب عناصر حماس "أينما كانوا". وقد أحرزت بعض التدخلات الإسرائيلية مكاسب مهمة صامتة أثنى عليها بعض الفاعلين الإقليميين. ومن هذا المنظور، ساهمت الضربات ضد حزب الله في انهيار نظام الأسد في سوريا، ما أضعف إيران بدرجة كبيرة، وبالتالي خفف التهديد المستمر لاستقرار المنطقة من جانب إيران ووكلائها.

لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو استغل التركيز العسكري لإسرائيل للقيام بهجمات أكثر جرأة مثل ضربات الدوحة، في أحيان كثيرة على حساب موقف قياداته الدفاعية والاستخباراتية. ومع تعزيز إسرائيل لعرض قوتها العسكرية، روّج مؤخرًا لرؤية مثيرة للجدل تصوّر إسرائيل كـ"سوبر سبارتا". ومع ذلك، لم تتمكن إسرائيل من تحويل مكاسبها العسكرية إلى انتصارات استراتيجية دائمة عبر التحول نحو الدبلوماسية، بل أدى توسع العمليات العسكرية إلى تزايد الانتقادات التي اتهمتها بالتصرف دون مساءلة وتجاهل القانون الدولي.

ويؤدي سلوك إسرائيل الاستفزازي إلى تعزيز التقارب بين القوى العربية والإسلامية، التي تتحد تدريجيًا في عدائها المشترك تجاه إسرائيل. وقد اقتربت دول مجلس التعاون الخليجي، التي كانت منقسمة في وقت سابق، من بعضها البعض، مع اتفاق على تعزيز التدابير الأمنية المشتركة. ويبرز المشهد في القمة الطارئة، التي ضمت القيادة الافتراضية للسعودية وشيوخ الخليج والرئيس الإيراني إلى جانب قادة تركيا ومصر وباكستان وغيرهم، تحولًا ملحوظًا في الديناميات الإقليمية خلال السنوات الخمس الماضية. أصبحت إسرائيل الآن تهديدًا رئيسيًا يُنظر إليه على أنه الأكبر في المنطقة بدلًا من إيران. وللتأكيد على ذلك، أعلنت السعودية وباكستان، العضوان الوحيدان ذوا الأغلبية المسلمة في القوى النووية، بعد يومين عن اتفاقية دفاع متبادل.

على المسار الحالي، تتجه المنطقة نحو مزيد من عدم الاستقرار، إذ لا يمكن لإسرائيل ولا الخليج تحويل رؤيتهما إلى حالة نهائية قابلة للحياة. وستظل جهود الخليج لخفض التصعيد وتنويع الاقتصاد محدودة بفعل العمليات العسكرية المستمرة لإسرائيل، بينما من غير المرجح أن تؤدي الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية إلى ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية بلا منازع. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن تغرق المنطقة أكثر في الفوضى – شرق أوسط "هوبسي" بلا ضوابط، ما يهدد المصالح العالمية ويقوض السلام والأمن الدوليين.

ومع ذلك، هناك خيار آخر. تظل الولايات المتحدة لاعبًا لا غنى عنه في دراما الشرق الأوسط المتصاعدة، إذ لا يملك أي فاعل آخر القوة والنفوذ الكافيين على الأطراف الرئيسية لدفعهم نحو السلام والاستقرار. في بداية ولاية ترامب الثانية، لعب المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، دورًا محوريًا في التوصل إلى هدنة يناير 2025، مما يعكس تأثير ترامب على نتنياهو.

وفي أماكن أخرى من المنطقة، مارست الإدارة الأميركية تأثيرًا مهمًا على الحكومة اللبنانية، التي اتخذت قرارًا غير مسبوق بتسليم سلاح حزب الله. ورغم أن نزع سلاح الحزب لم يكتمل بعد، لعب المبعوث الخاص لترامب، توم باراك، دورًا أساسيًا في دفع الاتفاق قدمًا عبر دبلوماسية التنقل بين إسرائيل ولبنان. كما كان له دور مهم في التفاوض بين إسرائيل وسوريا، مع إمكانية التوصل إلى اتفاق أمني بين البلدين.

مع تنافس القوى الإقليمية على تحديد نظام جديد في الشرق الأوسط، تبقى المنطقة بين خطر التصعيد العميق وآفاق السلام البعيدة. وتؤكد الدبلوماسية الأميركية مع لبنان وسوريا على قدرتها على لعب دور محوري في خفض التوترات الإقليمية والمساعدة في دفع المنطقة نحو عهد من السلام والاستقرار. بعد خمس سنوات من اتفاقيات إبراهيم – التي تُعد من أبرز إنجازات ترامب – يمكن للإدارة الأميركية مرة أخرى استخدام الدبلوماسية لدفع التحول الإقليمي. ويمكنها توظيف نفوذها الكبير على إسرائيل لمطالبتها بالامتناع عن المزيد من التصعيد العسكري، والتحرك نحو هدنة دائمة في غزة، مع حث شركاء الخليج على تكثيف الجهود الدبلوماسية لتحقيق شرق أوسط أكثر استقرارًا وازدهارًا. ومعًا، يمكن لهذه الخطوات أن تضمن أن تؤدي "اللحظة المفصلية" في المنطقة إلى السلام.



رابط المقال: https://www.csis.org/analysis/doha-strikes-highlight-clashing-visions-middle-east

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025