أشعل الإعلامي الأميركي البارز تاكر كارلسون موجة واسعة من الجدل في الولايات المتحدة وإسرائيل، بعدما وجّه انتقادات غير مسبوقة للاحتلال الإسرائيلي، قائلاً في حلقته الأخيرة: ": لا يوجد ما يسمى بشعب الله المختار… هذه هرطقة. إن الله لا يختار شعباً يقتل النساء والأطفال"وأضاف متسائلاً: "كل ما تقوم به إسرائيل يتعارض مع الإنجيل وتعاليم المسيح، فكيف يمكن القبول بذلك؟".
هذه التصريحات جاءت صادمة بالنظر إلى سجل كارلسون الطويل في تبني خطاب مؤيد لإسرائيل ومعادٍ للمسلمين والمهاجرين، وهو ما مثّل تحولاً لافتاً في خطابه الإعلامي. وقد تباينت المواقف حيال تصريحاته بين من رأى أنها تعكس تنامي الأصوات الرافضة للدعم الأميركي غير المشروط لتل أبيب، وبين وسائل إعلام إسرائيلية وصفتها بأنها "خيانة"لمواقفه السابقة، معتبرة أنها ستُستغل في حملات تستهدف صورة إسرائيل.
ويرى مراقبون أن هذا التحول في خطاب كارلسون، أحد أبرز الأصوات المحافظة وأكثرها تأثيراً، قد يعمّق الانقسام داخل المجتمع الأميركي، خاصة مع تصاعد السجال الشعبي حول الحرب على غزة وما تخلفه من مآسٍ إنسانية. ويُذكر أن Tucker Carlson، المولود عام 1969، كان قد اشتهر ببرنامجه الحواري “Tucker Carlson Tonight”على شبكة Fox Newsحتى مغادرته عام 2023، قبل أن يؤسس منصته الخاصة علىXويطلق برامج مستقلة. وقد عُرف بخطابه الشعبوي ومواقفه المثيرة للجدل، لكن انتقاله مؤخراً من موقع المؤيد لإسرائيل إلى انتقادها علناً وبحدة يُعد تطوراً يعكس تغيراً أوسع في المزاج السياسي والإعلامي الأميركي تجاه السياسات الإسرائيلية.
يأتي هذا أيضا بعد التغير الكبير في موقف بيرز مورغان (Piers Morgan) الصحفي والمذيع البريطاني المعروف، والمشهور بأسلوبه الجدلي والمثير، وله برامج تلفزيونية وإذاعية ومشاركات إعلامية عديدة تتناول قضايا سياسية واجتماعية. حيث تحول موقفة ب180 درجة لصالح فلسطين وضد حرب الإبادة في غزة من قبل الصهيونية. فبعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، كان مورغان كان يدافع بقوة عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وهذا كان الموقف السائد لدى كثير من الإعلام الغربي في البداية. وقد شرح سبب تغيير موقفه قائلا: "لست وحدي، معظم من دافعوا عن إسرائيل يؤكدون أنها تمادت في ذلك"، مشيرًا إلى أن ما يحدث هو إبادة وتطهير عرقي أمام العالم بأسره.
ويمثل تغيير موقف بيرس من الحرب على غزة خطوة بارزة تُضاف إلى سلسلة مواقف عدد من الشخصيات الأجنبية البارزة تجاه ما يجري في غزة. فبيرس شخصية مؤثرة على الصعيد العالمي، معروف بآرائه الجريئة وقوة شخصيته، التي دفعته إلى الدخول في مواجهات مع أبرز الشخصيات، من بينهم الأمير هاري وميغان ماركل، وغيرهم.
وهنا لا بد أن نتذكر تشارلي كيرك (Charlie Kirk)الذي اغتيل برصاصة قناص خلال إلقائه كلمة أمام جمهور في جامعة في ولاية يوتا، كان من أبرز الداعمين الشباب للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وعرف بتأييده المطلق لإسرائيل وانتقاده الشديد للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ، وكان يصف كيرك دعمه لإسرائيل بأنه مبني على “حب عميق” لها، وكان يرفض مزاعم بأن إسرائيل تسببت في تجويع أهل غزة، معتبرًا أن بعض المقطوعات التي تُنشَر في الإعلام تُعدّ “حربًا بصرية” (visual warfare)، وأن الخطر الأكبر هو التلاعب بالمعلومات والتضليل، وليس وجود سياسة ممنهجة للجوع من الجانب الإسرائيلي. لكن تم إغتياله فجأة!.
لكن الغريب أنه وقبل وفاته، غير المذيع الأميركي تشارلي كيرك موقفه من إسرائيل، فانتقل من التأييد المطلق إلى موقف أكثر حذراً ونقداً جزئياً. وحذّر نتنياهو من تراجع الدعم داخل الأوساط المحافظة الأميركية، ودعا لتوضيح العمليات العسكرية التي أسفرت عن سقوط مدنيين في غزة، مثل قصف كنيسة القديس بورفيريوس. وأقرّ بأن الجيل الجديد من المحافظين لم يعد يتبنى الموقف التقليدي الداعم لإسرائيل، مما يطرح تحديات للرواية الإسرائيلية في الولايات المتحدة.و في احد اللقاءات قبل شهر من مقتله، قال كيرك: "نحن مواطنو هذه الأمة، نحن أمريكيون أولا، وإسرائيل؟ لقد قمنا بتمويلها ودعمناها. لكن الطريقة التي تعاملني بها مقززة للغاية، لدي رسائل نصية تصفني بمعاد للسامية والآن يتم التشكيك في أخلاقي!".
وقد أشارالمذيع الأمريكي، هاريسون سميث في أحد فيديوهاته إلى إحتمال تصفية كيرك من قبل إسرائيل حيث قال: "لدينا هذا الرجل المؤيد للصهيونية، -تشارلي كيرك- بهذه المنصة القوية التي يمتلكها بفضلهم. فإذا كان سيأخذ ما قدّموه له ويستخدمه ضدهم، هذا قد يدمر إسرائيل حرفيا. يقتـ ـلونه إذن قبل أن ينقلب عليهم، وهكذا يصبح شهـ ـيدا صـ ـهيـ ـونيا. وربما تُلصق التهمة بفلسطيني."
فهل ثمة خوف حقيقي على حياة مورجان وتاكر كارلسون وغيرهم؟ على الأرجح، لا يمكن للصهيونية أن تصفي كل من ينتقدها أو يغير موقفه منها. غير أن الواقع يشير إلى تغيّر ملموس في مواقف النخب والجماهير في أوروبا وأمريكا، نتيجة تصاعد مظاهر الإبادة الجماعية وسياسة التجويع التي تمارسها دولة الاحتلال في غزة. فقد سارعت أوروبا، بعد عملية "طوفان الأقصى"، إلى تقديم غطاء سياسي صريح لإسرائيل، مستندة إلى حقها المعلن في الدفاع عن نفسها. ومع ذلك، ومع اتساع دائرة المجازر وتصاعد الانتهاكات التي أخذت أشكال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وسياسة التجويع، بدأ هذا الغطاء السياسي يتراجع تدريجياً، خصوصاً في ظل تصاعد الغضب الشعبي في أوروبا وحول العالم ضد هذه الانتهاكات.
الآن، يبرز التساؤل حول كيفية الاستفادة من التحول الملحوظ في المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية، سواء على مستوى الشعوب أو النخب، وحتى الحكومات التي يجد بعضها نفسه مضطراً لتبني مواقف معينة. كيف يمكن استثمار هذا التحول وتحويله إلى نتائج سياسية ملموسة على الأرض، بما يعزز من موقف القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ويحقق أهدافهم الاستراتيجية في التحرر والإستقلال؟