حماس هزمت إسرائيل قبل الحرب

معاريف

ترجمة حضارات 

آفي أشكنازي

حماس هزمت (إسرائيل) قبل وقت طويل من وقوع "المذبحة" - التاريخ الدقيق لحدوثها 

بعد عامين من السابع من أكتوبر، تُكتب الدروس بالدم والوعي. تعلمت (إسرائيل) من المفاجأة المؤلمة، لكنها اكتشفت في داخلها قوةً ومسؤوليةً وصمودًا لم يتخيله أحد، وروحًا لا تُقهر.

ماذا يُكتب عن الحرب أكثر مما كُتب عنها خلال العامين الماضيين؟ الحرب التي بدأت بأسوأ هزيمة عسكرية مُني بها جيش دولة (إسرائيل) منذ تأسيسها. حربٌ مستمرةٌ دون أن ترى نهايتها. حتى اليوم، وبعد عامين، يتذكر كل إسرائيلي أين كان بالضبط يوم السبت – عيد "العرش" – الساعة 6:29 صباحًا. يتذكر كل إسرائيلي اللحظة الأولى بكل تفاصيلها، وعدم فهمه لما حدث هنا: من يطلق النار؟ ولماذا يطلقون النار؟

يتذكر كل إسرائيلي صورة سيارة "التويوتا" المحمّلة بالمسلحين المدججين بالرشاشات في شوارع سديروت، والطائرات الشراعية وهي تخترق مستوطنات الغلاف وتهبط فيها. صرخات الاستغاثة من المدنيين والجنود من المواقع التي انهارت، ومن المستوطنات، ومن جماعة النقب التي قُتلت لساعات.

بدأت الحرب بمفاجأة مُحرجة ومهينة. منظمة "إرهابية" لا تُعتبر في (إسرائيل) والعالم منظمةً كبيرةً أو قويةً حقًا، لكنها امتلكت القدرة التكتيكية على تغيير الواقع الاستراتيجي، بل على تهديد وجود دولة ؟(إسرائيل) أو جزءٍ منها. فحتى بعد 7 أكتوبر 2023، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قدرات حماس بأنها لا تتجاوز "بضعة عرب يرتدون شباشب ويحملون بندقية كلاشينكوف".

لكن عمليًا، نجحت حماس في سحق فرقة غزة، القوة العسكرية التي حشدتها (إسرائيل") ضدها. سيطرت على مساحة واسعة وهددت بالتوغل في عمق (إسرائيل). ولو نُفذت خطتها بالكامل في موعدها، لكنا أمام واقع مختلف تمامًا.

الآن، بعد عامين، حان الوقت لوضع التضليل الإعلامي والتصريحات التحريضية جانبًا، والغوص في تفاصيل ما حدث فعلًا. لفهم كيف، بعد خمسين عامًا بالضبط من حرب يوم الغفران، فوجئت (إسرائيل) وتكبدت هزيمة عسكرية على الأقل في المراحل الأولى من القتال.

هذه الحرب التي انتصرت فيها حماس في الدقيقة الأولى من بدء العملية، لم تبدأ في 7 أكتوبر 2023، بل قبل ذلك بكثير. واليوم بات التاريخ واضحًا: اليوم والساعة. لقد وقعت في 26 أغسطس 2014، يوم سريان وقف إطلاق النار في عملية "الجرف الصامد".

اعتقدت القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل، التي ظنت أنها على دراية بكل شيء، أنها نجحت في توجيه ضربة قاصمة لحماس. ظنّت أنها روّضت النمر، وأن الحركة قد رُدعت. لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا.

لقد روت (إسرائيل) لنفسها قصة – وصدقتها.

خرج رجال حماس من الأنفاق بعد الحرب، نفضوا الغبار عن أنفسهم، وشاهدوا الدمار في غزة ومعاناة سكانها، لكنهم لم يتأثروا. أدركوا أن نجاتهم من الغزو الإسرائيلي كانت في حد ذاتها انتصارًا. ومنذ تلك اللحظة، غيّرت حماس عقيدتها العملياتية ضد إسرائيل، بما يتوافق تمامًا مع ما فعله حزب الله في لبنان بعد حرب 2006.

أدركت المنظمتان – حزب الله في لبنان وحماس في غزة – أنهما كبيرتان وقويتان بما يكفي ليس فقط للدفاع، بل لتحدي إسرائيل وإنشاء تشكيل هجومي ينقل الحرب إلى داخل أراضيها. كانت لدى يحيى السنوار ومحمد الضيف ورجال القيادة رؤية واضحة، تُرجمت إلى استراتيجية، وفي نهايتها كانت خطوة تكتيكية لغزو واسع النطاق داخل إسرائيل.

بدأت حماس ببناء قوات النخبة، التي حوّلتها من حركة مقاومة إلى ما يشبه جيشًا نظاميًا. أنشأت هيكل قيادة وسيطرة يضم ألوية وكتائب وسرايا وفصائل، وبنت جهازًا استخباراتيًا متطورًا، ودرست جيش الدفاع الإسرائيلي بعمق. كما أحكمت سيطرتها المطلقة على سكان غزة.

خداع الذات الإسرائيلية

في( إسرائيل)، روينا لأنفسنا قصة، والأسوأ أننا صدقناها دون تشكيك، لا في الجيش ولا في الأوساط السياسية أو الأمنية.

كل طفل تقريبًا في رياض الأطفال يعرف قصة "ملابس الإمبراطور الجديدة"، التي كتبها الكاتب الدنماركي هانز كريستيان أندرسن عام 1837، كرمزٍ للوهم الجماعي وخداع الذات. في الحالة الإسرائيلية، كان الثمن باهظًا: 1954 قتيلًا ومفقودًا، و255 مختطفًا، منهم 48 ما زالوا في أسر حماس بعد عامين، إلى جانب آلاف الجرحى.

الفشل الإسرائيلي في الحملة ضد حماس لا يقتصر على الجانب العسكري أو الاستخباراتي أو القيادي، بل هو فشلٌ شامل في مفهوم إدارة الدولة والمجتمع والعلاقة بين الحكومة والمواطنين.

لقد أثبتت هذه الحرب أن حماس، حتى لو اختفت من على وجه الأرض، قد انتصرت. لأنها أثبتت أن إسرائيل قابلة للتحدي، وأنها نجت لعامين من حرب طاحنة لم تشهد مثلها منذ تأسيسها قبل 77 عامًا، وحشدت الرأي العام العالمي إلى جانبها.

هذا الأسبوع في أوروبا، يمكن رؤية الانحياز الشعبي لصالح حماس: أعلام فلسطين في كل زاوية، ومظاهرات في كل ساحة، وتصريحات متزايدة في الأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطينية، وعزلة متصاعدة لإسرائيل في العالم.

فشل المفهوم – لا السلاح

نعم، هذه هي قصة الفشل في الإدراك والفهم. يمكن (لإسرائيل) أن تصنع أدق الصواريخ، وأفضل أنظمة الاعتراض، وأقوى الدبابات والطائرات، وتُدرّب جنودها بأعلى كفاءة، لكن هذا لا يكفي.

المسألة أعمق من ذلك. على إسرائيل أن تتوقف لحظة لتعيد مواءمة أنظمتها، وتفهم أن القوة لا تُبنى فقط على السلاح. لا يمكنك استثمار كل مدخراتك في سهم واحد. إنه رهان محفوف بالمخاطر.

يجب على إسرائيل أن تبني لنفسها سلسلة من نقاط القوة، وأن تُنشئ مؤسسات حكومية قوية ومهنية، تمامًا كما هو الحال مع سلاح الجو الإسرائيلي، مع قدرة على مراجعة الذات، دون أن تسمح للتحالفات السياسية بإدارة البلاد.

اليوم، النظام السياسي الإسرائيلي – ائتلافيًا ومعارضًا – يعاني من السطحية والفساد حتى النخاع. حكومة تُصوّر نفسها كنظام ملكي، تضم بين أعضائها مجرمين ومتهمين سابقين، وبعض الوزراء أصحاب شخصيات خيالية أو غريبة الأطوار.

أما المعارضة، فهي مجموعة من السياسيين الكسالى، عديمي الرؤية، الذين يفشلون في تحدي الحكومة أو تقديم بديل حقيقي. هذه الطبقة السياسية غير الكفؤة تؤثر مباشرة على الأمن القومي وقدرة (إسرائيل) على البقاء في المدى الطويل.

قضية لجنة التحقيق الحكومية ليست في إجراءات التعيين، فذلك موجود بالفعل في القانون والممارسة، بل في انعدام الثقة بالمؤسسات. هذا الانعدام ليس سوى نتيجة مباشرة لدعاية رخيصة يطلقها سياسيون تافهون لا يتعاملون مع جوهر المشكلة.

من داخل الفشل إلى الإدراك

هذا ما حدث قبل 7 أكتوبر، وهذا ما يحدث الآن. هنا يكمن جوهر الفحص المطلوب: كيف فككت دولة إسرائيل مؤسساتها، وإيمان مجتمعها، وثقته بالهياكل التي يفترض أن تكون عمودها الفقري؟

لقد فهمت حماس هذا أولًا. حدث ذلك منذ زمنٍ طويل، وترجمته إلى هجوم خططت له وبنت له لسنوات.

في هذا العصر لا يوجد نصر مطلق

دعونا لا نخلط الأمور: لقد غيّرت حرب "السيوف الحديدية" وجه التاريخ من بدايته إلى نهايته. ما أنقذ إسرائيل هو روح وبطولة الجنود في المواقع المطوقة، والمدنيين في المستوطنات الذين خرجوا للدفاع بالسلاح القليل المتاح لهم، وبسالة الطيارين والقادة الميدانيين الذين اندفعوا نحو الحدود.

بينما كان المستوى السياسي مشلولًا وجامدًا في الساعات والأيام الأولى، كانت القيادة العليا عمياء وفشلت في اتخاذ القرارات الصائبة.

صحيح أن (إسرائيل) هُزمت على معظم الجبهات – أمام حماس تكتيكيًا، وأمام حزب الله في لبنان – لكنها أعادت بناء مؤسساتها العسكرية، وأضعفت المحور الإيراني بشدة. ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن (إسرائيل )لم تنتصر انتصارًا كاملًا، ولن تفعل، لأن النصر المطلق لم يعد موجودًا في هذا العصر.

على جيش الدفاع الإسرائيلي أن يُهيئ نفسه لأي مفاجأة من أي جبهة – شمالًا أو شرقًا أو جنوبًا، وحتى من الداخل. وعلى المجتمع الإسرائيلي أن يُعيد بناء نفسه ليطالب، ويسأل، لا أن يظل تابعًا لقيادة جوفاء فارغة.

إن لم تُدرك (إسرائيل) ذاتها، فستستقبل 7 أكتوبر آخر، واقعًا ستتضح فيه حقيقة تهزّ صباح 7 أكتوبر 2023 كما أطاحت حرب 1973 بوهْم القوة الإسرائيلية قبل نصف قرن.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025