النكبة الإسرائيلية ...

صحيفة "هآرتس"
 تسفي برئيل 

قال وزير الزراعة آفي ديختر في نوفمبر 2023 إن ما يحدث في غزة هو "نكبة غزة 2023". بعد أن وبّخه نتنياهو ووصف تصريحه بأنه "ضار"، حاول ديختر التراجع قائلاً: "العرب يستخدمون هذا المصطلح، يسمّون ما يحدث هناك نكبة، ولا سبب يمنعنا من استخدام مصطلحاتهم".

ديختر كان على حق. فـ"النكبة" الفلسطينية ليست مصطلحًا لغويًا يحتاج ترجمة، بل مأساة التهجير عام 1948 التي شكّلت جوهر الهوية الفلسطينية وحلم العودة.

في غزة لم تقع نكبة بالمعنى التاريخي الكامل، لأن السكان لم يُطردوا من وطنهم. أكثر من مليوني شخص – معظمهم لاجئو 1948 وأبناؤهم – ظلّوا في القطاع. ورغم الدمار الهائل الذي سبّبته إسرائيل، فإن حلم العودة لم يُسحق، بل زادت قوة فكرة الدولة الفلسطينية ونالت اعترافًا دوليًا أوسع من أي وقت مضى.

لكن نكبة أخرى حدثت بالفعل، هذه المرة داخل إسرائيل. فحملة الانتقام التي بدأت في 7 أكتوبر حوّلت كثيرًا من الإسرائيليين إلى "لاجئين في وطنهم". لا يدور الحديث فقط عن آلاف العائلات التي هُجّرت من مستوطنات الجنوب والشمال، أو الذين غادروا إلى الخارج، أو عن تدمير البيوت، بل عن انهيار البنية الأساسية التي قامت عليها الدولة ذاتها.

خلال السنتين الماضيتين، شهدت إسرائيل تدميرًا متعمّدًا لتلك الأسس، أشد خطرًا من دمار غزة. فبينما فجّر الجيش هناك جامعات ومدارس ومحاكم ومتاحف ومراكز ثقافية، بقيت هذه الأبنية في إسرائيل قائمة من الخارج، لكنها دُمّرت من الداخل:
الحرية الأكاديمية سُحقت تحت وطأة وزير التعليم الأيديولوجي، المحكمة العليا وُصفت بأنها منظمة تخريبية، ورئيسها صار "شخصية غير مرغوبة". الفنون والمسرح والسينما مهددة بخنق مالي إن لم تلتزم بخط الحكومة.

قيم أساسية مثل المساواة والعدالة وحرية التعبير وحقوق الأقليات وتقسيم السلطات، تحطّمت على يد عصابة حاكمة بلا ضوابط. وهي الآن تكتب السرد الوطني الجديد الذي يبرّئ الحكومة ورئيسها من مسؤولية كارثة 7 أكتوبر. هكذا تتشكّل "النكبة الإسرائيلية".

إلا أن هذه النكبة تحدث في ظروف مريحة توهم الناس أن حياتهم الطبيعية مستمرة وأن وطنهم لم يُفقد، بل ينهض من جديد. وهنا يكمن الخداع: فالحكومة تصوغ رواية "النهضة" لتقتلع من وعي المواطنين إحساسهم بفقدان وطنهم القديم، تمامًا كما حاولت إسرائيل إنكار نكبة الفلسطينيين.

الآن تسوّق الحكومة لشعبها ما كانت تسوّقه للعرب من قبل: "الوطن الذي تحلمون به لم يكن موجودًا أصلًا، ولن يكون أبدًا. اندمجوا في الوطن الجديد، وإلا فستظلون لاجئين إلى الأبد".

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025