أولاً: الموقف:
الإعلان عن وقف إطلاق النار، أو ما اصطلح على تسميته بوقف الحرب، بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، والعدو الإسرائيلي، بوساطة أمريكية وعربية إسلامية (قطر، مصر، تركيا)، في 10. 10. 2025. الأمر الذي أدى إلى انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي مما يقارب 43% من مساحة قطاع غزة، وبقائها مسيطرة على ما يساوي 57% من أراضيه، فيما بات يعرف بمناطق شرق وغرب الخط الأصفر.
وفي ذات السياق؛ فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تأسيس مركزاً للإشراف على، ومتابعة وقف النار، تحت مسمى " مركز التنسيق المدني العسكري"، مقره في منطقة "عراق المنشية / كريات جات" في جنوب فلسطين المحتلة عام 1949. هذا وقد أعلن عن نشر 200 جندي أمريكي لإدارة هذا المقر وتشغيله. كما أعلن عن تعيين السفير المريكي السابق في اليمن "ستيفن فاجن" لتولى مسؤوليات القيادة المدنية لهذا المركز، والجنرال الأمريكي ذي الثلاث نجوم (لواء أول) "باتريك فرانك" قائد الفرقة الثالثة في القيادة الوسطى الأمريكية CENTCOM قائداً للجهود الأمنية والعسكرية.
كما أعلن عن استعداد مجموعة من الدول للمشاركة في القوة الدولية (1000 جندي) المنوي نشرها في منطقة العمليات منها: أندونيسيا، وأذربيجان، ومصر، وتركيا؛ التي يرفض العدو الإسرائيلي مشاركة أي قوات منها في عديد هذه القوة. كما لم تتأكد مشاركة كل من قطر والإمارات العربية في تشكيل هذه القوات.
وفي ذات السياق؛ شوهد عند افتتاح المركز في 21 10 2025 بحضور وزير الخارجية الأمريكية "ماركو ربيو" وقائد المنطقة الوسطى الأمريكية الأدميرال " براد كوبر"، والمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط " ستيف وتكوف" وصهر الرئيس ترامب "جارد كوشنير"، شوهدت أعلام كل من: الأردن، ألمانيا، الدنمارك، كندا، بريطانيا، مضافاً للعَلم الأمريكي طبعاً.
وفي السياق ذاته؛ أعلن في الأيام الماضية أن القوات الأمريكية قد بدأت بتسيير طائرات مسيرة فوق سماء قطاع غزة، بهدف جمع المعلومات، ومتابعة النشاطات المدنية والعسكرية التي تجري في منطقة العمليات، حيث قسمت القوات الأمريكية مسرح العمليات إلى منطقتين: منطقة حمراء؛ وهي كامل المساحة غرب الخط الأصفر، بحيث تحكم هذه المنطقة قواعد اشتباك وعمل تناسب هذا التوصيف. ومنطقة خضراء، وهي كامل المساحة شرق الخط الأصفر، والتي يحتلها العدو الإسرائيلي، ويمارس فيها نشاطات تعبوية، كما يسيطر -العدو الإسرائيلي- منها بالنار والنظر على كامل المنطقة غرب الخط الأصفر.
ثانياً: تحليل الموقف:
إن هذا الموقف يعيدنا بالزمن إلى عام 2003 بعد أن احتل العدو الأمريكي العراق، حيث قام بإنشاء ما عرف في حينه بــ (مكتب إعادة إعمار العراق) تحت مسؤولية الجنرال " جاي غارنر/ 1938 ــــ"، والذي استبدل فيما بعد بالسفير "بول بريمر"، حيث كان يتبع هذا المكتب لوزير الدفاع الأمريكي " دونلد رامسفلد" (1932ـــ 2021)، قيل في حينه أن الهدف منه قيادة الجهود (الإنسانية) وإعادة إعمار العراق!. هذا وقد أشار الأخير -رامسفلد- في مذكراته المنشورة تحت اسم "المعلن والمخفي/ الجزء الثاني" أن أحد أهم أهداف هذا المركز هو: تقديم نموذج لكيفية إدارة وتنمية وإعادة إعمار المناطق التي تقع تحت سيطرة القوات الأمريكية، ولا تشارك في العمليات العسكرية التي بدأت تشنها المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال الأمريكي، الأمر الذي تطور فيما بعد إلى تشكيل مجاميع مسلحة محلية تحت اسم "الصحوات"، تعمل بالتسنيق مع قوات الجيش والأمن الأمريكية المنتشرة في مسرح عمليات العراق، وهي -الصحوات- كانت من بنات أفكار الجنرال قائد الفرقة المجوقلة 101 " ديفيد بترايوس" الذي أصبح فيما بعد قائداً للمنطقة الوسطى الامريكية، ومديراً لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA. حيث لعبت هذه القوات دوراً مهماً في التصدي لفصائل المقاومة العراقية ومحاربتها وقمعها.
إن مركز التنسيق المدني العسكري الذي أنشأته أمريكا في فلسطين المحتلة، يشبه في الشكل، والهدف، ولاحقاً في طرق العمل، ما أُنشئ في العراق بعد احتلاله عام 2003. وبمراجعة ما قيل عن أهداف هذا المركز، وطبيعة القدرات الإدارية والتشغيلية، المدنية منها والعسكرية، وما بدء يرشح عن مشروع القرار الذي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تمريره في الأمم المتحدة تحت مسمى " السلطة الإنتقالية الدولية في غزة (GITA)"، وما يُستخدم من مصطلحات تعبوية -مناطق خضراء، ومناطق حمراء- وما شرع هذا المركز من تشغيله من قدرات سطع جوي، كلها تشير إلى أن هذه الجهود سوف تحمل في طياتها كثيراً من التهديدات الأمنية والعسكرية والمجتمعية؛ سوف تترك أثراً سلبياً يعتد به على جهود المقاومة في محاولة ترميم ذاتها وقدراتها. كما ستسبب جهود وإجراءات هذا المركز آثاراً سلبية لا يستهان بها على النسيج الاجتماعي لسكان القطاع وأهله، ومن أهم هذه المخاطر والتهديدات ما يأتي:
* تشكيل هيئات (حكم) وإدارة مدنية محلية مرتبطة بالاحتلال -هذا ما قام به "بترايوس" في نينوى/ الموصل، العراقية-.
* تشكيل شبكات عملاء ومصادر بشرية منتشرة في طول القطاع وعرضه.
* تأسيس هيئات خدمة محلية ــ صحة، تعليم، اقتصاد، أمن عام،... ــ مرتبطة بالعدو وجدول أعماله.
* القيام بعمليات عسكري مستقلة في المنطقة الحمراء، تحت ذريعة المحافظة على وقف إطلاق النار، وإدمة وقف الحرب.
* التضييق على الإجراءات والنشاطات السياسية والإجتماعية لفصائل العمل الوطني في غزة.
* التضيق على، وملاحقة منتسبي وكوادر المقاومة المعنيون بترميم قدرات المقاومة العسكرية.
* منح ذيول المحتل، وعملائه ـــ ياسر أبو الشباب، رامي حلس، أشرف المنسي، حسام الأسطل ــ هامش عمل، وحرية مناورة، تؤذي المقاومة وبيئتها الحاضنة.
إن توصيف منطقة العمليات، بمناطق حمراء، وأخرى صفراء يعني أن:
* المناطق الحمراء: مناطق عمليات خطرة، تنتشر فيها قوات معادية، تحكمها قواعد اشتباك وقتال خاصة، التدبير القيادي الرئيسي فيها الهدف منه: الحفاظ على الذات والدفاع عن النفس، مما يعني تشغيل ما تحت الإمرة من قدرات دون الرجوع إلى سلسلة القيادة والسيطرة المعمول بها روتينياً.
* المنطقة الخضراء: مناطق عمليات آمنة، تنتشر فيها قوات صديقة، يمكن اللجوء لها، وأخذ المعونة منها، ومشاركتها الموارد، والمعلومات والمعطيات المتوفرة، كما يمكن أن تُستخدم هذه المنطقة كمنطقة حشد، ونقاط إنطلاق تعبوية.
* إن وقوع مسؤولية هذا المركز الرئيسية تحت الإمرة الأمريكية وسلطتها، يعني أن التصادم معها، والتصدي لها، يعني صداماً مع الدولة الأمريكية ابتداءً، فضلاً عن الاشتباك مع باقي الدول العاملة، والمنضوية تحت مسؤولية هذا المركز، الأمر يحمل في طياته أكلافاً وتبعات مادية، ومعنوية، وسياسية كبيرة جداً.
ثالثاً: التقدير والتوصيات:
نعتقد أن مركز التنسيق سوف يبدأ عمله، وانتشاره في منطقة العمليات، وفقاً للجداول الزمنية (+،-) المحددة له. كما سيحاول تطبيق قواعد اشتباك قتالية، وسلوك سياسي عالية المستوى، محققاً سوابق، ومقراً لحقائق، فما يُسكت ويتغاضى عنه من قبل فصائل العمل الوطني، والبيئة الاجتماعية؛ سوف يصبح حقيقة ثابتة، لا يمكن تجاوزها أو تخطيها، وما تتم مواجهته، و/ أو محاولة تقليصه عند الإجراء؛ سوف يحاول العدو الأمريصهيوني تكييف نفسه معه. كما سيحاول العدو الدفع بالقوات العربية والإسلامية ( في حال مشاركتها ونشرها) لتكون في مواجهة مع المقاومة وبيئتها، لتضيق هامش عملها -عمل المقاومة والبيئة- وخفض مستوى رد فعلها. وفي ذات السياق، سوف يحاول العدو، ممثلاً بمركز التنسيق، (خلق) مراكز ثقل إجتماعية وأمنية محلية، ممثلة ببعض العوائل والحمائل والعشائر، وما تركه خلفه من مجاميع عملاء، ليصبحوا عنواناً يُرجع له، ويُخطب وده، في جهد الهدف منه فك عرى التماسك الداخلي، والتعاضد المجتمعي، ليحقق ما يريد من أهداف، وما يصبو له من غايات، الأمر الذي نوصى معه بالآتي:
* إدامة التماس المعلوماتي على كل ما يتعلق بهذا المركز، وما يقوم به من إجراءات، أو صلات واتصالات في منطقة المسؤولية و العمليات.
* محاولة الوقوف على ما خفي من أهداف وطرق عمل وسياسيات تحكم عمل هذا المركز، عبر ما هو متوفر من علاقات سياسية مع بعض الدول المشاركة فيه، والمنضوي تحته.
* رسم خطوط حمر، ومناطق حرام -حقيقية وحقوقية- لا يجب التهاون في تجاوزها، أو التعدي عليها.
* إلقاء (الحُرم) السياسي والإجتماعي على كل الظواهر والحالات الأمنية والمجتمعية المتواصلة والعاملة مع هذا المركز، خارج التوافق والمصلحة الوطنية.
* التوافق الوطني على عناوين أمنية، واجتماعية، تمثل جهات خطاب واتصال رسمي مع هذا المركز.
* وضع مجموعة من السياسات والضوابط، الأمنية والعسكرية والإجتماعية، والتوافق عليها وطنياً، تمثل (مدونة) سلوك مع هذا المركز، تجب رعايتها.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
27 10 2025