تدويل الصراع: فرصة وخطر تعدد الوسطاء

حضارات

مؤسسة حضارات

مائير سويسة

ترجمة حضارات 

ظاهريًا، يُفترض أن يُعزز تعدد الوسطاء فرص التهدئة. لكن في الواقع، يُنشئ هذا تعددًا في المصالح المتضاربة: قطر تسعى للسلام مقابل النفوذ، وتركيا تسعى لتوسيع موطئ قدمها في الساحة العربية والإسلامية، ومصر تدافع عن نفسها، وإيران تستغل الضغط الدبلوماسي لمواصلة تسليح وكلائها. هذا يخلق وضعًا لا ترغب فيه أي دولة بالحرب، بل تستفيد منه جميع الدول.

تدويل الصراع: هذه هي المرحلة التي لم يعد فيها الصراع حكرًا على الأطراف المتحاربة. فما كان في السابق نزاعًا محليًا أصبح ساحة لعب للعديد من اللاعبين الدوليين، لكل منهم مصالحه الخاصة. يكشف الصراع في الشرق الأوسط حول غزة عن ساحة اللعب: القومية العربية بقيادة مصر والسعودية، والقومية الإسلامية بقيادة قطر والإمبريالية العثمانية بقيادة سلطان إسطنبول، وفي الوسط إسرائيل بفكرة الصهيونية والدولة اليهودية.

صحيحٌ أن تدويل النزاعات يُنظر إليه أحيانًا على أنه حلٌّ سحري. فبمجرد أن تتدخل دول العالم، يبدو أن "الكبار المسؤولين" سيفرضون النظام، ويوقفون العنف، ويعيدون الأطراف إلى رشدهم.

لكن التاريخ والواقع يُظهران خلاف ذلك: ففي أغلب الحالات، يُصبح النزاع مُستعصيًا على الحل بسبب كثرة الوسطاء. فمع كثرة الوسطاء، لا يُمكن التوصل إلى اتفاق.

في خضم هذه الفوضى، تكمن الفرص. فعندما يدخل اللاعبون الإقليميون المشهد، ليس فقط كوسطاء تكتيكيين، بل كشركاء في مصلحة أوسع نطاقًا تتمثل في الاستقرار الإقليمي، والاستثمار، وتجارة الكهرباء والغاز، تُتاح فرصة لتغيير جذري.

كان هذا هو الحال في سوريا، عندما حوّل تدخّل روسيا وإيران والولايات المتحدة الصراعات الداخلية على السيطرة إلى حرب عالمية بالوكالة. وكان هذا هو الحال في ليبيا، عندما موّلت دول أجنبية ميليشيات متنافسة، وقضت على أي أمل في الاستقرار. وفي لبنان أيضًا، ساهمت الوساطة الدولية في التوصل إلى وقف إطلاق نار مؤقت، لكنها تركت الحكومة مشلولة، وحزب الله متربعًا على عرش السلطة. اتضح أن التدويل ليس حلاً سحريًا؛ بل غالبًا ما حفّز استمرار الجمود، بل وحتى التصعيد.

الآن، يقف الصراع في غزة عند هذا المفترق تحديدًا. منذ سيطرة حماس على القطاع، أصبح غزة ساحةً تتنافس فيها قطر وتركيا ومصر والولايات المتحدة وإيران، وحتى الأمم المتحدة نفسها. قطر تُقدّم الأموال وتُؤدّي دور الوسيط، وتركيا تتحدث باسم الفلسطينيين وتسعى لاستعادة مكانتها الإقليمية، ومصر، اللاعب المخضرم، تُحاول الحفاظ على حدودها ومكانتها كوسيطٍ تقليدي.

ظاهريًا، يُفترض أن يُعزز تعدد الوسطاء فرص التهدئة. لكن في الواقع، يُنشئ هذا تضاربًا في المصالح: قطر تسعى للسلام مقابل النفوذ، وتركيا تسعى لتوسيع نفوذها في الساحة العربية والإسلامية، ومصر تدافع عن نفسها، وإيران تستغل الضغط الدبلوماسي لمواصلة تسليح وكلائها. هذا يخلق وضعًا لا ترغب فيه أي دولة بالحرب، بل تستفيد منه جميع الدول.

ومع ذلك، تكمن في خضم هذه الفوضى فرصة. فعندما يدخل اللاعبون الإقليميون المشهد، ليس فقط كوسطاء تكتيكيين، بل كشركاء في مصلحة أوسع نطاقًا تتمثل في الاستقرار الإقليمي والاستثمار وتجارة الكهرباء والغاز، تُتاح فرصة لتغيير جذري. فإذا اختارت قطر وتركيا أن تكونا جسرين لحماس بدلًا من رعاتها السياسيين، وإذا تلقت مصر دعمًا من الغرب، وإذا عرفت إسرائيل كيف تغتنم الفرصة للجمع بين النفوذين السياسي والاقتصادي، فقد يتوقف التدويل عن كونه نقمةً ويُصبح أداةً للتسوية.

المشكلة هي أن هذه العملية تتطلب القيادة والصبر والثقة - وهي ثلاثة موارد نادرة في الشرق الأوسط. فبدونها، سيظل الصراع في غزة ساحةً للدول، بينما يدفع سكان الجنوب وغزة الثمن.

التدويل إذن ليس نهاية المطاف، بل هو اختبار. المسألة ليست في عدد الدول التي ستدخل المشهد، بل في أي اتجاه ستقود دفة التعاون أم ستقود صدامًا جديدًا، هذه المرة بقوة لم نشهدها من قبل في المنطقة.

مائير سويسا هو مدير تنفيذي في مجال الإعلان واستراتيجي سياسي.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025