قناة 14
العقيد أمير نوي
ترجمة حضارات
في الأيام الأخيرة يبدو أن دولة "إسرائيل" كلها تعمل تحت ضغط دائم من أزمات داخلية: قضية سديه-تيمان، تسريبات من وحدات حساسة، مواجهات بين مسؤولين كبار في المنظومة الأمنية، والآن أيضًا عاصفة حول المدعية العسكرية العامة، الجمهور، كعادته، يسارع للمطالبة بمذنبين، كل حدث يُترجم فورًا إلى نداء قتال: «إقالة!»، «تقديم للمحاكمة!».
لكن هذا النهج، مهما كان عاطفيًا، خطير. إنه يهدم الثقة العامة، يضعف مؤسسات الأمن، ويطمس الفارق بين نقد بنّاء وبين تدمير ذاتي. بدل الضرب، حان وقت النظر. فهم ما حدث، كيف نصلح، وكيف نمنع الأزمة التالية.
المنظومة الأمنية ليست هدفًا لسهام النقد، بل هي المرآة لنا، الجيش، جهاز الأمن العام، والنيابة العسكرية ليست فقط أجهزة دولة، بل انعكاس للمجتمع الإسرائيلي نفسه، مجتمع يسارع للإدانة والغضب والحكم السريع هو مجتمع فقد القدرة على الإصلاح.
في دول غربية أخرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، أزمات مؤسساتية خطيرة أدت لعمليات عميقة: مراجعات طويلة، بناء آليات رقابة جديدة، وتقارير عامة أعادت الثقة. ليس إقالات جماعية، بل إصلاح جذري.
أيضًا في إسرائيل، بعد 7 أكتوبر والإخفاقات التي ظهرت بعده، مطلوب نهج مشابه: عواطف أقل ومسؤولية أكثر. غضب أقل وإصلاح أكثر.
ثلاث خطوات لإصلاح حقيقي:
1. تحقيق مستقل ومفتوح للجمهور: يجب تعيين لجنة مهنية مستقلة تفحص بعمق الإخفاقا، من القيادة العليا حتى آليات الرقابة، وتنشر تقريرًا شفافًا، الجمهور يفضّل الحقيقة، مهما كانت صعبة، على مشاهد الإعدام الإعلامي. كان من المناسب، بحجم حدث مثل 7 أكتوبر، إنشاء لجنتين منفصلتين ومقارنة الاستنتاجات.
2. بناء أنظمة رقابة داخلية: يجب تقوية آليات الرقابة على المعلومات، وعلى علاقة مستويات القيادة، وعلى نقاء الخدمة العامة. الرقابة الداخلية يجب أن تكون مهنية لا انتقامية، بعد النقد واستخلاص الدروس يجب إنشاء جهاز متابعة وتحسين مستمر.
3. تربية وطنية على القيم والصبر المؤسسي: نظام التعليم المدني والعسكري يجب أن يعيد لمركز النقاش قيم المسؤولية والثقة، مجتمع يفهم أن الإصلاح يتطلب وقتًا هو مجتمع قادر على البقاء.
كيف يستوعب الجمهور الأزمة؟ لا تتسرعوا في الحكم، الحقيقة المهنية تحتاج وقتًا، فرّقوا بين نقد وهدم، النقد البنّاء ضروري؛ الهدم المتواصل مُدمّر. شجعوا نقاشًا موضوعيًا لا إشاعات. صدّقوا بالمسار، الثقة ليست عمى بل إدراك أن ما لا يُفحَص لا يُبنَى.
إلى أين من هنا؟ أمن، دولة وتربية على الصمود الوطني. الأزمات الأخيرة ليست أحداثًا منفصلة، بل تعبير عن أزمة ثقة عميقة: بين الدولة ومواطنيها، بين الجيش والمجتمع، وبين الجيل الأكبر والأصغر. السؤال ليس من مذنب، بل كيف نتقدم وكيف نضمن ألا تبقى المؤسسة الأمنية والدولة أسيرة شعور دائم بالفشل.
في المؤسسة الأمنية، إصلاح ثقافي لا فقط مهني: الجيش وأجهزة الأمن يجب أن يفهموا أن الأزمة ليست فقط استخبارية أو قيادية بل قيمية وثقافية، الجيل الجديد من القادة مطالب بشجاعة فكرية: طرح أسئلة صعبة، عدم الخوف من النقد العام، وعدم الخضوع له. يجب بناء آليات رقابة داخلية شجاعة وغير خاضعة للسياسة أو الإعلام.
يجب إعادة مبدأ المسؤولية القيادية الهادئة، قادة يصلحون ولا يردون بعصبية؛ يقودون من مسؤولية لا من خوف، هكذا فقط يمكن استعادة الثقة بين القيادة والجمهور وإعادة الفخر الوطني بالجيش كجسم موحّد لا ساحة معارك.
في المنظومة السياسية، تقليل التسييس وزيادة الدولة: العبرة المركزية هي أن مؤسسات الأمن يجب ألا تتحول لأداة صراع سياسي، يجب إنشاء آلية عابرة للأحزاب تضمن أن التعيينات والقرارات العملياتية ونشر المعلومات تتم على أساس مهني فقط.
القيادة السياسية يجب أن تفهم أن الأمن القومي ليس ساحة لنقاش حزبي بل قلب السيادة، ولذلك، إلى جانب المسؤولية العامة، يجب الحفاظ على علاقة ثقة مع القيادة العسكرية وعدم ترك الضباط الكبار لضغوط سياسية أو إعلامية.
في التعليم، إعادة تعليم المسؤولية والتضامن والنضج المدني: الدرس الاجتماعي الأول هو الحاجة لإعادة التربية على ديمقراطية مسؤولة، التعليم يجب أن يعيد للواجهة المسؤولية العامة والثقة بالمؤسسات. بدل التركيز فقط على الإنجازات الفردية، إعادة قيم الخدمة والمشاركة وتحمل المسؤولية.
المجال التربوي يجب أن يعلّم أن الديمقراطية الحية تقوم على نقد مسؤول لا نقد بلا حدود؛ وأن حرية التعبير ليست رخصة لإهانة من يخدمون؛ وأن الشجاعة المدنية تعني أيضًا الصبر المؤسسي وانتظار إصلاح حقيقي لا المطالبة بـ"دم فوري".
التحدي الحقيقي لإسرائيل ليس فقط تحقيق نصر عسكري، بل إعادة الثقة بين المواطن والنظام، الخيار بأيدينا: الاستمرار في دائرة الاتهامات والإحباط، أو تحويل الأزمة إلى رافعة لإصلاح عميق. إذا تعلّمنا كيف نُصلح دون أن نهدم، وكيف نستمع قبل أن نحكم، قد نخرج من هذه الأزمة مجتمعًا أقوى وأنضج وأكثر مسؤولية.