استهداف المسيحيين داخل الكنائس: إسرائيل تفقد المحافظين في أمريكا وتستثمر ملايين في التأثير

هآرتس

عومر بن يعقوب

ترجمة حضارات


تكشف وثائق عن حملة إسرائيلية تستهدف الكنائس، تشمل عرضًا «تجربة 7 أكتوبر»، ومؤثرين، وشبكة بوتات، وأداة للتلاعب بنتائج ChatGPT.

أبرمت حكومة إسرائيل في الأشهر الأخيرة اتفاقات بقيمة ملايين الدولارات لإصلاح مكانتها في الرأي العام الأمريكي، في ظل الهبوط في التأييد لها داخل اليمين المحافظ، الشركات المتعاقدة تخطط لحملات متقدمة تعتمد على رصد واستهداف رقمي لملايين المسيحيين رواد الكنائس، وأنظمة بوتات لترديد الرسائل على الشبكات، والتأثير على نتائج البحث في ChatGPT، ومن بين الخبراء المجندين مدير حملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية سابقًا.

يتعين على الشركات الأمريكية التي تمثل حكومات أو هيئات أجنبية، التسجيل لدى وزارة العدل بموجب قانون تسجيل العملاء الأجانب (FARA).

تكشف وثائق قُدمت في الشهرين الماضيين أن حكومة إسرائيل ووزارة الخارجية ووزارة السياحة —عبر مصلحة الإعلان الحكومية (לפ"מ)— تعاقدت مع عدة شركات في الولايات المتحدة لتعزيز مصالح إسرائيل.

تُحوَّل المدفوعات عبر شركة Havas Media الألمانية التابعة لتكتل الإعلانات والعلاقات العامة الدولي Havas، فعليًا تعمل Havas كوسيط وهي التي تُبرم التعاقدات مع الشركات الأمريكية.

تُظهر وثائق أنه منذ 2018 دُفع للشركة ما لا يقل عن 100 مليون دولار لتمويل حملات في الولايات المتحدة لتشجيع السياحة إلى إسرائيل.

أكبر عقد وُقّع في أغسطس مع شركة Clock Tower X المملوكة لبراد بارسكال، الذي أدار الحملة الرقمية لترامب في 2016 وفي 2020 حتى استُبدل، قيمة العقد 6 ملايين دولار لأربعة أشهر عمل، وُقّع مع Havas Media الألمانية لصالح حكومة إسرائيل، مقابل «خدمات استشارة استراتيجية وتخطيط واتصال لتطوير وإخراج حملة واسعة في الولايات المتحدة لمكافحة معاداة السامية».

بحسب تفاصيل العقد المرفقة بالأوراق المقدمة لوزارة العدل، ستنتج شركة بارسكال «ما لا يقل عن مئة قطعة محتوى أساسية شهريًا» من فيديو وصوت وبودكاست وتصميمات ونصوص، و«5,000 نسخة مشتقة شهريًا»، للوصول إلى 50 مليون انطباع كل شهر. سيُوجَّه 80% من المحتوى إلى شباب الولايات المتحدة على تيك توك وإنستغرام ويوتيوب.

ستُدمج رسائل الحملة، وفق العقد، في قنوات Salem Media Network، وهو تكتل إعلامي مسيحي محافظ يملك أكثر من مئتي محطة راديو ومواقع، وقد عُيّن بارسكال هذا العام لإدارة استراتيجية شبكة البث المسيحية.

تلوين المسيحيين

يبدو التركيز على الجمهور المسيحي مفاجئًا، إذ تاريخيًا عُدّوا، وخصوصًا الإنجيليين، الأكثر تأييدًا لإسرائيل في الولايات المتحدة، لكن استطلاعات Pew في 2022–2025 تشير إلى هبوط غير مسبوق في التأييد لإسرائيل زمن الحرب في غزة، حتى بين المحافظين، 42% من الجمهور الأمريكي حملوا رأيًا سلبيًا تجاه إسرائيل في 2022؛ هذا العام قفز الرقم إلى 53%، والانهيار في التأييد ليس حكرًا على الديمقراطيين—نصف الجمهوريين الشباب (دون الخمسين) باتوا يحملون رأيًا سلبيًا تجاه إسرائيل، بزيادة 15% خلال ثلاث سنوات.

تقرير لمركز دراسات الولايات المتحدة (CSUS) في جامعة تل أبيب لعام 2024 يُظهر اتجاهًا مشابهًا بين الشباب الإنجيليين، الذين باتوا أكثر نقدًا لإسرائيل ولم يعودوا يدعمونها تلقائيًا مقارنة بآبائهم، الذين عُدّوا سابقًا قاعدة الدعم الأوفى لإسرائيل في أمريكا، فشل منظومات الدعوة في مواجهة صور غزة والخشية من فقدان اليمين الأمريكي قد يفسران الاستثمار الإسرائيلي الحالي في الجمهور المسيحي.

حملة أخرى، بتكليف من وزارة الخارجية الإسرائيلية، طُلِبت من شركة Show Faith by Works المملوكة للمستشار الجمهوري تشاد شنايتغر، وهو ناشط إنجيلي مرتبط باليمين المسيحي في الحزب.

تكشف وثائق قُدمت في سبتمبر لوزارة العدل أن ميزانية الحملة تتجاوز 3 ملايين دولار، ودُفع عُشرها بالفعل عبر Havas، تكشف مسودات الحملة تركيزًا خاصًا «على الكنائس والمنظمات المسيحية في غرب الولايات المتحدة» لمواجهة «انخفاض التأييد لإسرائيل بين المسيحيين الإنجيليين»، ولـ«إثارة الوعي بصلات الفلسطينيين بحماس ودعمهم للإرهاب».

ستُحقق هذه الأهداف، وفق وثائق الحملة، باستخدام «حجج كتابية تؤكد أهمية إسرائيل واليهود للمسيحيين»، وإدخال رسائل مفادها أن «الفلسطينيين اختاروا حماس… وأنهم يقتلون عمال إغاثة مسيحيين… وأنهم احتفلوا بمجزرة 7 أكتوبر ويوفرون ملاذًا للمهاجمين… وأن للفلسطينيين وإيران نوايا إبادة جماعية تجاه إسرائيل»، وما إلى ذلك.

بحسب المقترح الذي قدمته الشركة، ستُوجَّه رسائل الحملة بدقة إلى جمهور الهدف أيضًا عبر «أكبر حملة تحديد جغرافي Geofencing في تاريخ الولايات المتحدة، تُعلّم حدود المواقع المادية لكل كنيسة كبيرة وكلية مسيحية في كاليفورنيا وأريزونا ونيفادا وكولورادو وقت الصلاة؛ تُعرّف المشاركين، تتابعهم وتواصل استهدافهم بإعلانات ملائمة»، تُقدِّر الوثائق جمهور الهدف بنحو ثمانية ملايين من رواد الكنائس، وأربعة ملايين من الطلاب المسيحيين.

كشفت تحقيقات سابقة عن كيفية تطوير شركات «استخبارات الإعلانات» أدوات تتيح «تسييج» منطقة جغرافية محددة، وامتصاص المعرفات الخاصة بمن تواجد فيها، ثم مواصلة استهدافهم بمحتوى إعلاني على الشبكة، هذه ممارسة تنطوي على مساس بالغ بالحق في الخصوصية، اقترحت مسودة الحملة الحالية استخدام تلك الأدوات لتحديد جمهور مسيحي محتمل و«تلوينه» وتقديم رسائل وزارة الخارجية الإسرائيلية له، قالت الوزارة إن هذا الجانب لن يُنفّذ، وإن الادعاءات بأن إسرائيل تدفع لمؤثرين أو تنفذ حملات بهذه الطريقة «كاذبة» وهي جزء من «دعاية ومعلومات مضللة».

تتضمن المسودة أسماء مشاهير محتملين للمشاركة، منهم نجم «حراس المجرة» كريس برات، والممثل جون فويت، واسم لاعب كرة القدم الأمريكية تيم تيبو ونجم الـNBA ستيفن كوري؛ ولم يُعرف بعد إن كان قد جرى التواصل معهم. تشمل الحملة أيضًا «مواد تعليمية للقساوسة»، مقاطع مؤيدة لإسرائيل تُعرض في الكنائس، وعرضًا متنقلًا يجوب الكنائس والكليات، «تجربة 7 أكتوبر» صمّمها «بنّاءو ديكورات من هوليوود»، فيها شاشات وواقع معزز يتيح للزوار «اختبار فظائع هجوم حماس ومجزرة حفلة نوفا».

رد وزارة الخارجية: «الادعاءات بشأن تعاقد دولة إسرائيل مع Show Faith فيما يخص الـGeofencing، وبشأن دفع الأموال لمؤثرين، كاذبة، لم يكن هناك تعاقد لمثل هذه الخدمات، هذه الادعاءات مثال على حملة فايك واسعة منظّمة وكاذبة تُدار ضد إسرائيل في العامين الأخيرين، هدفها المسّ بشرعية وجود دولة إسرائيل، تُنفَّذ هذه الدعاية، ضمن أمور أخرى، عبر نشر التضليل والخداع المتعمد.

«كجزء من نشاط دولة "إسرائيل" ضد حملة الفايك، تُقام عروض ومعارض عديدة، مادية ورقمية، حول العالم، تعرض من بينها فظائع مجزرة 7 أكتوبر، ومضامين أخرى لمكافحة محيط التضليل، هذه هي أنواع الأنشطة التي نفذتها حتى الآن شركة Show Faith».

العمل على «كلود»

مكوّن مركزي في الحملة الإسرائيلية الحالية، هو محاولة التأثير على روبوتات الدردشة التي صارت شديدة الشعبية في السنتين الأخيرتين، يكشف أحد بنود العقد مع Clock Tower X عن «عملية بحث ولغة» تهدف إلى دعم الحملة عبر غوغل ومحركات البحث، وأيضًا «إنتاج نتائج على مستوى التأطير في محادثات GPT وأنظمة الحوار المعتمدة على الذكاء الاصطناعي»، قد يكون هذا أول مثال علني لدولة تحاول تشكيل الخطاب ليس فقط عبر الترويج الممول الكلاسيكي، بل أيضًا بواسطة ChatGPT وClaude ونظرائهما، والتأثير على كيفية تأطير هذه الأنظمة للموضوعات المتعلقة بإسرائيل عمومًا.

على أي حال، لم تتخل إسرائيل عن الترويج على المنصات المعروفة: كشف طلب إعفاء من مناقصة أن الدولة أنفقت في النصف الثاني من 2025، أكثر من 45 مليون دولار على الإعلان في غوغل ويوتيوب وإكس وOutbrain.

«مشروع إستير»

حملة تأثير أخرى كُشفت في وثائق FARA وُقّعت مع شركة Bridges Partners وهي شركة استشارات في واشنطن يملكها يائير ليفي وأوري شتاينبرغ، ممثل وزارة السياحة السابق في أميركا الشمالية. قيمة العقد نحو مليون دولار، وُقّع مع Havas باسم وزارة الخارجية و«לפ"מ»، ويهدف للدفع إلى مؤثري شبكات يروجون لإسرائيل

بحسب الوثائق المقدمة في سبتمبر لوزارة العدل، هدف الحملة «تعزيز تبادل ثقافي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، عبر تطوير محتوى قائم على المؤثرين وأنشطة مرافقة»، تتضمن الحملة تجنيد وإدارة حتى 20 مؤثرًا ينشرون نحو 30 منشورًا شهريًا على إنستغرام ويوتيوب وتيك توك وإكس.

يتسارع التركيز على مؤثري الشبكات مؤخرًا: أُفيد في يوليو أن وزارة الخارجية ستحول مئات آلاف الشواقل، بإعفاء من مناقصة، إلى جمعية تجلب مؤثري شبكات من اليمين الأمريكي، وهو الجمهور الذي تدهور تأييده لإسرائيل بصورة ملحوظة، في أغسطس هبطوا في إسرائيل وزاروا ضمن أمور أخرى المستوطنات والجولان، ضمن جولة وصفتها الوزارة بأنها ذات قيمة إعلامية ودعوية وسياسية.

خلال زيارته لنيويورك في سبتمبر، التقى رئيس الوزراء نتنياهو مؤثري شبكات في الولايات المتحدة ودعاهم لاستخدام «السلاح الأهم، الشبكات الاجتماعية… لضمان قاعدتنا في الولايات المتحدة».

تفيد قائمة مرفقة بالأوراق القانونية بأن Bridges Partners دفعت ضمن الحملة لأطراف عدة، بينهم نداف شتراوخلر (15 ألف دولار)، وهو مستشار اتصالات عمل سابقًا مع نتنياهو ومع طاقم عائلات المختطفين.

تحمل الحملة عنوان «Esther Project»، ليس واضحًا إن كانت مرتبطة بـ«مشروع إستير» الخاص بمؤسسة التراث المحافظة، التي عرضت خطة لإعادة تشكيل الإدارة الفدرالية في الولاية الثانية لترامب، نشرت المؤسسة وثيقة قدمت «مشروع إستير» كإستراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية وحماية المجتمعات اليهودية في الولايات المتحدة؛ وقال يهود وكثير من التقدميين إن الهدف الحقيقي للخطة تجريم وقمع النشاط المؤيد لفلسطين.

اقترحت الخطة تقييد تأشيرات الإقامة للطلاب وحرمان الجامعات التي تستضيف نشاطًا مؤيدًا لفلسطين من التمويل الفدرالي، وهو ما نُفذ فور دخول ترامب البيت الأبيض مجددًا.

حملة إسرائيلية إضافية كُشفت في وثائق FARA وُقّعت مع شركة SKDKnickerbocker، تمت أيضًا عبر Havas لصالح وزارة الخارجية الإسرائيلية، وقيمتها نحو 2.5 مليون شيكل، بحسب العقد ستجند الشركة حتى خمسة متحدثين يروّجون رسائل إسرائيل في الإعلام الدولي، وستطور منظومة بوتات «تُغرق الشبكات الاجتماعية» بهذه الرسائل، حملة أخرى ستُفعَّل بواسطة Targeted Communications Global لصالح وزارة السياحة، ستشمل استخدام مؤثرين وإنتاج محتوى تجاري وتوزيعه على الشبكات للترويج للسياحة إلى إسرائيل، كلفتها—1.2 مليون دولار.

دعاية بالذكاء الاصطناعي

تكشف الحملات المذكورة أن الخطط الأولية التي نُسجت في إسرائيل لاستخدام الذكاء الاصطناعي، نضجت الآن إلى إستراتيجية دعوية جديدة في الولايات المتحدة، تُظهر وثائق داخلية وصلت إلى «هآرتس» أن الذكاء الاصطناعي حُدد صراحة كأداة مركزية في الترسانة التكنولوجية لـ«أصوات إسرائيل» (سابقًا «كونسرت» و«قِلاه شلومو») وشركائها في وزارة الشتات، أنشئ هذا الكيان بمبادرة الوزارة للشؤون الإستراتيجية كشركة لمصلحة الجمهور، بهدف تنفيذ «أنشطة تشكيل وعي جماهيري» على الشبكات ضمن «مكافحة حملة نزع الشرعية» عن إسرائيل عالميًا.

حدد مستند في بداية الحرب ضرورة إقامة «غرفة حرب تكنولوجية» تعتمد على أدوات متقدمة، منها «أنظمة رصد، ذكاء اصطناعي، أنظمة بيانات ضخمة، قدرات توزيع و"تعطيل"، قدرات تشغيل، إلخ»، تُرجمت الإستراتيجية إلى مبادرة اسمها Project Max، وتلقت تمويلًا من وزارة الشتات.

إلى جانب عنوانها «مكافحة سردية الكراهية على الشبكات عبر المؤثرين والذكاء الاصطناعي»، كانت في الواقع نسخة أولية لمشاريع التأثير الحالية، كشف تحقيق هذا العام أيضًا مبادرة إسرائيلية لتطوير بوت دعائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، عانى البوت من أعطال جعلته يقذف محتوى معاديًا لليهود ومعاديًا لإسرائيل، تكشف الحملات الجديدة إستراتيجية موازية لاستخدام وكلاء من البشر على هيئة مؤثرين، إلى جانب وكلاء قائمين على الذكاء الاصطناعي، لدفع الدعاية الإسرائيلية.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025