مأزق إسرائيل في غزة.. تسونامي أمريكي في غزة

يديعوت

مايكل ملستين

ترجمة حضارات

في ظل الواقع الجديد في قطاع غزة، تُحدد الولايات المتحدة موقفها، وترغب في استمرار وقف إطلاق النار مهما كلف الأمر، لا بد من اتخاذ خيارين: إما وضع خطوط حمراء لترامب ودفع الثمن، أو العمل معًا والحفاظ على حرية التصرف.

بعد مرور أكثر من شهر على توقيع اتفاق إنهاء الحرب في غزة (9 أكتوبر)، تتضح معالم الماضي والحاضر والمستقبل. أولًا، تتكشف إجابة السؤال حول كيفية إنهاء إسرائيل للقتال بشكل جليّ. تصريحات كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية، وعلى رأسهم الرئيس ترامب، والمقابلات معهم لا تدع مجالًا للشك: اضطرت إسرائيل إلى وقف القتال عقب الهجوم الفاشل على قطر، الذي أثار شكوكًا جدية في واشنطن بشأن خروج عن التوازن الاستراتيجي، لم تنتهِ الحرب بفضل الضغط العسكري، بل لأن ترامب قرر أن حملةً دون جدول زمني وتخطيط محدد ستضر بإسرائيل، بل بواشنطن أيضًا.

منذ التاسع من أكتوبر/تشرين الأول، تجلّى الواقع الجديد في قطاع غزة، فخلف التفاخر الإسرائيلي بعدم الانسحاب من قطاع غزة بأكمله، يكمن جوهر الأمر في أن الأمريكيين هم من يُحدد مجريات الأمور في المنطقة، وأنهم يُقوّضون تدريجيًا سيطرة إسرائيل على مختلف مجالات النشاط، ومن المفترض أن يكون المقر الرئيسي المُنشأ في كريات غات (مركز التنسيق العسكري الإسرائيلي)، جبهةً لتدخل واشنطن غير المسبوق في الصراع، ووفقًا لتقارير مُختلفة، من المُفترض أن تُضاف إليه قاعدة ضخمة على حدود غزة.

لقد ثبتت الهيمنة الأميركية في غزة عدة مرات: موافقة ترامب على قبول رد حماس على خطته المكونة من عشرين نقطة على الرغم من أنها لم تتضمن استعدادا لنزع السلاح؛ والمطالبة بمواصلة العملية على الرغم من الانتهاكات الصارخة من جانب حماس (وخاصة الحوادث التي قتل فيها ثلاثة جنود من الجيش الإسرائيلي في منطقة رفح والتأخير في إعادة المختطفين)؛ والمطالبة بالموافقة على كل خطوة مدنية وعسكرية في غزة.

في إسرائيل، لا يزال صناع القرار يُصرّحون بإمكانية العودة إلى القتال في أي لحظة، واحتلال أجزاء من قطاع غزة، أو حتى كامل القطاع، وصولًا إلى القضاء على حماس، وهذا يعكس اتساع الفجوة مع الموقف الأمريكي تجاه غزة، علاوة على ذلك، يبدو أن كل خطوة يُروّج لها الأمريكيون تهدف إلى ترسيخ واقع جديد على الأرض، يُقيّد حرية إسرائيل في التصرف، ويُصعّب عليها العودة إلى القتال.

من المتوقع أن يشهد التسونامي الأمريكي ارتفاعات جديدة الأسبوع المقبل، عندما يصوت مجلس الأمن على خطة ترامب لليوم التالي في غزة، والتي تركز على نشر قوات أجنبية في المنطقة، الموافقة على التصويت غير مضمونة (نظرًا لتحفظات روسيا والصين)، ولكن يبدو أن المسودات التي يجري الترويج لها تكشف بالفعل عن تحديات معقدة: دمج موظفي السلطة الفلسطينية في إدارة غزة، والتطرق إلى إمكانية إقامة دولة فلسطينية.

تعكس قضية المقاومين العالقين في أنفاق رفح أيضًا اتساع الفجوة بين القدس وواشنطن، ففي إسرائيل، ترتفع أصوات كثيرة، أغلبها من سياسيين ومعلقين، تطالب بإبادة الإرهابيين أو على الأقل اعتقالهم، على عكس الولايات المتحدة التي تطالبهم بإلقاء أسلحتهم والسماح لهم بالعودة إلى الأراضي التي تسيطر عليها حماس أو نفيهم إلى الخارج، مما يُظهر، بطبيعة الحال، عدم رغبتهم في تقويض وقف إطلاق النار.

كلما أصرت إسرائيل على التمسك بالأوهام الضارة كما حدث خلال الأشهر الستة من 18 مارس/آذار حتى نهاية الحرب، فإنها ستفقد المزيد من أهميتها، وخاصة قدرتها على استخدام حق النقض في القضايا المهمة.

كلما أصرت إسرائيل على التمسك بالأوهام الضارة كما في الأشهر الستة منذ 18 مارس/آذار وحتى نهاية الحرب، فإنها ستفقد المزيد من أهميتها، وخاصة قدرتها على الاعتراض على قضايا مهمة: حكومة مستقبلية في قطاع غزة تضم شخصيات مرتبطة بحماس، أو قوات دولية على حدود إسرائيل من دول معادية (تركيا في المقام الأول).

إن حرص ترامب على المضي قدمًا في الحفاظ على الاتفاق قد يدفع واشنطن إلى قبول تنازلات، حتى على حساب إسرائيل، على سبيل المثال، اتفاق يقضي بنزع سلاح حماس، دون إلزامها بإعلان نزع سلاحها بالكامل، ونظرًا لقرب اكتمال المرحلة الأولى من الاتفاق (إعادة المدنيين المختطفين)، فقد يزداد الضغط الأمريكي على إسرائيل لتعميق انسحابها من الخط الأصفر.

تقف إسرائيل عند مفترق طرق استراتيجي، وعليها أن تدرك أن أمامها حاليًا خيارين فقط: مواجهة ترامب ووضع خطوط حمراء له (وهو سيناريو ممكن، لكن من المتوقع أن يكون له ثمن باهظ)، أو الاعتراف بالواقع المتغير ومحاولة الحفاظ على أقصى قدر من حرية التصرف (ولا سيما الحق في توجيه ضربات مستمرة للتهديدات الناشئة، كما في لبنان)، بالإضافة إلى حق النقض (الفيتو) على القرارات التي تتعارض بشدة مع المصالح الإسرائيلية، في المستقبل البعيد، قد تلوح في الأفق إمكانية العودة إلى القتال، إذا تراجع ترامب أمام إصرار حماس وسمح بذلك لإسرائيل.

إن انتهاء القتال العنيف في غزة يتيح لإسرائيل رؤية استراتيجية واضحة لساحات الصراع الأخرى، وهذا يؤكد أنه على الرغم من الإنجازات الباهرة في لبنان وإيران، فإن العمل لم ينتهِ بعد.

إن انتهاء القتال العنيف في غزة يُتيح لإسرائيل رؤية استراتيجية واضحة لساحات الصراع الأخرى، وهذا يُبرز حقيقة أنه على الرغم من الإنجازات الباهرة في لبنان وإيران، إلا أن العمل لم يكتمل بعد، ويتطلب جهودًا إضافية لتعميق الضرر الذي يُلحق بالعدو، إن تركيز الاهتمام على غزة والاكتفاء بالقتال الشامل هناك يُضعف القدرة على الانخراط في ساحات أكثر أهمية، ولا يقل أهمية عن ذلك، الشرعية الدولية، وخاصة الشرعية الأمريكية.

إن انتهاء القتال العنيف في غزة يسمح لإسرائيل بالتركيز على لبنان وإيران، حيث لم ينته العمل بعد، على الرغم من الإنجازات المثيرة للإعجاب.

الدكتور مايكل ميلستين هو رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان في جامعة تل أبيب.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025