200 ألف إسرائيلي غادروا البلاد منذ تشكيل الحكومة.. ما الذي يزعجهم هنا؟

هآرتس ذي كاركر

سامي برتس

ترجمة حضارات

خلال بقاء الإخفاقات الأمنية بلا فحص، وتصاعد الهجمات على مؤسسات إنفاذ القانون، يواصل عدد الإسرائيليين الذين يفضّلون مغادرة الدولة بالارتفاع، لكن الحكومة، التي لا ترى في ذلك تهديدًا بل ربما ميزة ديموغرافية، تستمر في حرف جدول الأعمال بعيدًا عن الإخفاقات التي أدّت إلى 7 أكتوبر، وتعمّق الاتجاهات التي تُبعِد بالذات من يتحمّل العبء.

قال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع، أمرًا يناقض تمامًا نهجه ونهج حكومته: "سنقيم لجنة تحقيق تكون مقبولة على الشعب كله"، قال في نقاش جرى مطلع الأسبوع في الكنيست، وشرح فيه لماذا يعارض إقامة لجنة تحقيق رسمية في أحداث 7 أكتوبر، حتى بمعايير نتنياهو، يبدو هذا واحدًا من أكثر التصريحات سخرية التي سمعناها من سياسي.

حكومته الحالية انطلقت وهي تحتقر كل ما هو "مقبول على الشعب كله"، الانقلاب القضائي الذي تحاول حكومته دفعه يجري خلافًا لما هو مقبول على الشعب كله، كذلك خطوات إغلاق وسائل إعلام، والترويج لقانون إعفاء الحريديم من التجنيد، وطبعًا هروبه من الحاجة لفحص الإخفاق الرهيب.

لم تزعجه عشرات التحقيقات التي أجراها الجيش حول الإخفاق، ولا فحص مراقب الدولة لبعض مواطن الخلل، هناك لم يشترط أن يكون مقبولًا على الشعب كله، وفوق ذلك، هو يعرف أنه لا يوجد موضوع يمكن الوصول فيه إلى إجماع يكون مقبولًا على الشعب كله، اختصاص نتنياهو هو الاستقطاب والانقسام، لا التوحيد أو الإجماع الوطني (إلا إذا كان الإجماع على أنه يبقى رئيسًا للحكومة إلى الأبد)، وهو يعرف أنه لا فرصة لأن ينجح في تشكيل لجنة تكون مقبولة على الشعب كله.

لا يمكنك تشويه وإضعاف مؤسسات الدولة ونصف الجمهور الإسرائيلي، وعدم تحمّل المسؤولية عن أي إخفاق، واتهام الآخرين به، ثم تتوقع من الجميع أن يوافقوك بأنه لا حاجة إلى لجنة تحقيق مستقلة ومهنية وغير تابعة، ولجنة لا يعيّن نتنياهو أعضاءها. لكنه يحاول، تمامًا كما يحاول الحصول على عفو من رئيس الدولة دون أن يطلبه بنفسه، بل يستخدم رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب كوسيط عنه.

إن حقيقة أن حكومة مدمّرة كهذه تنجو رغم الإخفاق الرهيب، وفشلها في كل مجال ممكن تقود الكثيرين إلى الإحباط واليأس، بعضهم قرر ببساطة أن يحزم حقيبته ويغادر. لكن الحكومة غير قلقة، لم تعقد نقاش طارئ حول ذلك ولم تحاول منع أحد، ربما هذا يخدمها.

الضغط الذي يمارسه نتنياهو ووزراؤه، كلٌ في مجاله، يدلّ على أن أي درس لم يُستفد منه مما حدث خلال ولاية هذه الحكومة، بالعكس بدلًا من الانحناء، قبول المسؤولية، الاعتراف بالأخطاء، تزيد الحكومة الضغط على مؤسسات الدولة من المستشارة القضائية والمحكمة العليا، مرورًا بقيادة الشرطة ووصولًا إلى الإعلام، هجوم شامل، منظّم، مصمّم، هدفه ردع منتقدي الحكومة، شلّ حرّاسها، وإشغال المعارضة وكل من يعارض الحكومة بالدفاع بدلًا من الاحتجاج والمقاومة.

هكذا يضمن نتنياهو ووزراؤه ألّا تقوم لجنة تحقيق، وألّا يتجند الحريديم، وأن ينتقل جدول الأعمال من تهديد الإعلام إلى تهديد الجهاز القضائي، والعكس، بدلًا من التطرق للإخفاقات التي قادت إلى كارثة 7 أكتوبر وإلى أطول وأغلى حرب في تاريخ إسرائيل.

وفي هذه الأثناء، طريقتهم تعمل جيدًا. لم يشبعوا بعد، لكن الحكومة تبقى، الحريديم لا يتجندون ويستمرون في التنسيق مع الحكومة، الضغط المتزايد على منظومة إنفاذ القانون يحقق نجاحًا في تورّط المدعية العسكرية العامة جنائيًا (أحد لحظات السعادة لوزير العدل ياريف ليفين)، ومحاكمة نتنياهو تتقدم ببطء، ويوم بعد يوم وأسبوع بعد أسبوع يمر، وها هو ترامب ورئيس الدولة يتسارعان في حوار حول العفو عن نتنياهو.

حقيقة أن حكومة مدمّرة كهذه تنجو رغم إخفاقها الرهيب وفشلها في كل مجال (غلاء المعيشة، المواصلات، التعليم)، تدفع كثيرين نحو اليأس، بعضهم قرر ببساطة أن يحزم حقيبته ويغادر.

منذ قيام الحكومة الحالية يغادر إسرائيل 6,016 إسرائيليًّا شهريًا، ارتفاع يقارب الضعف مقارنة بالوتيرة الشهرية في السنوات الأربع التي سبقت تشكيل هذه الحكومة، كذلك ميزان الهجرة الصافي (المغادرون ناقص العائدون) كبير جدًا ويصل إلى 3,910 شهريًا، مقابل 1,146 شهريًا في السنوات الأربع السابقة.

كيفما نظرت، هناك اتجاه واضح ومتواصل: نزيف مغادرة إسرائيل، ومعظم المغادرين هم شباب ومتعلمون، وبشكل خاص من تل أبيب، حسب معطيات مكتب الإحصاء المركزي المنشورة هذا الأسبوع، معدل المغادرين من تل أبيب في 2024 هو 14%، مقابل 9.6% عام 2010، بينما في القدس الصورة معاكسة: 6.5% من المغادرين عام 2024، مقابل 11.8% عام 2010، المعطيات تشير إلى الاتجاه: مغادرة أكثر من "دولة تل أبيب" مقارنة بـ"دولة القدس"، يمكن تسميتها إسرائيل مقابل يهودا، إسرائيل الأولى مقابل الثانية، ليبراليون مقابل محافظين، الاتجاه واضح.

تحليل مكتب الإحصاء هذا الأسبوع لم يقدم معلومات عن أسباب مغادرة 198,551 شخصًا منذ قيام الحكومة الحالية، ولا أسباب عودة 69,504 في نفس الفترة، يمكن فقط تخمين الأسباب: ربما تلقى المغادرون عروض عمل حلمية في الخارج، أو سئموا الحياة هنا، الخدمة الاحتياطية وتقسيم العبء غير العادل الذي تصر عليه الحكومة، غلاء المعيشة، الاستقطاب، الهجوم المستمر على المحكمة العليا والمستشارة وموظفي الدولة والإعلام؛ رفض رئيس الحكومة الاعتراف بمسؤوليته عن الإخفاق والأكبر كارثة في تاريخ الدولة؛ والشعور بأن الاحتجاجات والصراخ العام لا توقف خطوات الحكومة الهدامة. الأسباب كثيرة.

وماذا أعاد العائدين؟ العائلة، الحنين، شعور أقل راحة بكونهم إسرائيليين في الخارج وربما إعجاب بخطوات الحكومة، من يعرف، ربما هناك من يريد لأطفاله تعليمًا بنكهة يوآف كيش، وسوق إعلام على طراز شلومو كرعي، وخدمة عسكرية وتقسيم عبء على طريقة أريه درعي وموشيه غافني.

الحكومة هذه غير قلقة من مغادرة نحو 200 ألف إسرائيلي منذ تشكيلها، لم تعقد نقاشًا، لم تعلن طوارئ، لم تحاول منع أحد. موشيه كوبل، رئيس "منتدى كوهِلت"، أحد مهندسي الانقلاب القضائي، قال في نيسان 2023 إنه غير قلق من المعارضة: "الديموغرافيا واضحة اليمين يزداد قوة، المتدينون، وهم جزء من الائتلاف، ينجبون أطفالًا أكثر. من الناحية الديموغرافية يبدو أن اليمين سيقوى فقط، وإذا لم تمرّ الإصلاحات الآن، فستمر بعد سنتين أو خمس، لا أعرف كم ضرر سيحصل حتى ذلك الحين، لكنه سيحصل".

نعرف كم ضرر حصل حتى الآن بسبب تركيز الحكومة على هذا الانقلاب وتجاهلها التحذيرات من الحرب، هجرة الإسرائيليين للخارج هي ضرر آخر تسببت به سنوات هذه الحكومة، ولن يكون مبالغة القول إن هذا قد يشجع الحكومة، فهو ينسجم مع الديموغرافيا التي ترغب بها.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025