في موقع سري في الولايات المتحدة يُحفَظ كل ما نُشر في إسرائيل تحسّبًا لاحتمال ألّا تبقى الدولة

ميراف موران — كيمبردج

هآرتس

ترجمة حضارات

في موقع سري في الولايات المتحدة يُحتفَظ بكل ما نُشر في إسرائيل تحسبًا لاحتمال ألا تبقى الدولة، الثقافة الإسرائيلية كلها محفوظة ومفهرسة في قاعات ضخمة في جامعة هارفارد.

عام 1988، زارت مديرة أرشيف حركة سياسية وأرشيف حزب يساري مكتبة وايدنر في جامعة هارفارد، كتبت في يومياتها أنها فوجئت بأن الكتالوج موجود على الكمبيوتر، وأنه يحوي مواد من عشرينيات القرن الماضي في أرض إسرائيل، ونسخًا من نصوص احتفالية تعود لعام 1937، اكتشفت أنهم مستعدون لاستقبال كل ما يُرسل إليهم، بما في ذلك البريد الدعائي.

بعد سنوات، نشر كاتب إسرائيلي رواية يظهر فيها أمين مكتبة نشيط وبارع، نجح في جمع مجموعة مذهلة عن إسرائيل في إحدى أهم الجامعات، مجموعة لا تقل عن المكتبة الوطنية في القدس.

الإلهام جاء من مؤتمر في هارفارد في أواخر التسعينيات، حيث اصطحب المنظمون الكاتب إلى قاعة تحت الأرض مليئة بالمواد المطبوعة: نشرات كنس، نشرات كيبوتسات، كتيبات تذكارية للقتلى، أعلام احتفالات دينية، ملصقات إعلانية ومواد دعاية سياسية، كلها تُعامل كمصادر مهمة لتحليل حياة المجتمعات.

أمين الأرشيف استقبل الزائر بالعبرية، عندما سأله: ما الذي تفعله هذه المواد هنا؟ رد: "هل أنتم متأكدون تمامًا أنكم ستبقون؟"، الزائر قال إنه اقشعرّ من الجواب، إذ هناك من يبني جهازًا كاملًا ليوم قد تمّحي فيه كل معرفة عن إسرائيل.

وفق البيانات الرسمية، أكثر من خمسة بالمئة من مواد مكتبات هارفارد مرتبطة باليهود أو أرض إسرائيل أو الدولة، نائبة عميد المكتبات تقول إن الرقم قد يصل إلى سبعة بالمئة، مكتبات هارفارد تُعد من أكبر المكتبات الجامعية في العالم.

كتب عبرية ظهرت في الكتالوج منذ أوائل القرن الثامن عشر، لأن العبرية كانت مادة إلزامية للطلاب لقراءة النصوص الدينية، وفي نهاية القرن التاسع عشر بدأت تصل كتب الأدب العبري واللغة اليديشية.

أستاذ دراسات اليهودية يشرح أن تمثيل إسرائيل الكبير يعود إلى جهد أمين الأرشيف تشارلز برلين، الذي جمع مواد من كل قطاعات المجتمع، ويضيف أن الشعب اليهودي أنتج خلال القرن الأخير كميات ضخمة من المواد المكتوبة، خاصة مع قيام دولة إسرائيل.

القصة الكبرى بدأت بعد قيام الدولة. في الستينيات كان تشارلز برلين يكمل الدكتوراه، وعُرض عليه منصب أمين قسم جديد لتوثيق الثقافة اليهودية، هدفه كان التوسع، لكنه تبنى رؤية أكبر: جمع كل ما نُشر في إسرائيل.

برلين رأى في الأمر درسًا من الحرب العالمية الثانية، حيث اختفت أرشيفات كاملة، لذلك يجب أن تحفظ المواد اليهودية في أكثر من مكان، وهكذا بدأ يجمع ليس فقط الكتب، بل أيضًا الصحافة الشعبية والنشرات المحلية والمواد التنظيمية والملصقات والخرائط والتقارير والبيانات الحكومية ومواد الحملات الانتخابية، وحتى المغناطيسات، الألعاب، البروشورات، وكل ورقة مطبوعة.

يحتوي أرشيفه اليوم على نحو مليون سجل، كل سجل قد يحتوي عشرات أو مئات الوثائق، إضافة إلى آلاف الساعات من الصوت والفيديو وستة ملايين صورة.

بنى برلين شبكة "وكلاء" لجمع المواد داخل إسرائيل: موظفين، باحثين، فنانين، مصممين، نشطاء، بلديات، كيبوتسات. بعضهم كان يجمع منشورات المظاهرات، بطاقات، نشرات، ومواد تُرمى عادة.

شخصيات كثيرة تعاونت معه، منها مصمم معروف كان يرسل صناديق من الوثائق، مدير أرشيف الدولة السابق قال إنه كان يرسل نسخًا من منشورات الوزارات والمؤسسات الرسمية إلى برلين ما دامت الأصول محفوظة.

برلين طوّر جمعًا سريعًا "بالوقت الحقيقي": جمع الملصقات والنشرات والبروشورات قبل أن تختفي، هكذا جمع آلاف المنشورات الدينية وغيرها.

أرملة مخرج معروف باعت له أرشيفًا كبيرًا من الأفلام والمواد التي كادت تُرمى، مقابل مبلغ مالي.

مشروع الأرشيف الصهيوني أيضًا رقّم ملايين الوثائق ونسخها وسلم نسخة لهارفارد، كذلك مشروع كبير مع متحف معروف جمع شهادات وصورًا ووثائق عن الرواد والمحاربين الأوائل.

هارفارد موّلت كل ذلك، برلين أقنع المتبرعين بأن يموّلوا الحفظ الرقمي بدل بناء مبانٍ. وبهذا نشأت شبكة تمويل ضخمة تدعم الأرشيف سنويًا.

برلين لم يشترِ مخطوطات نادرة، معتبرًا أن الكتب يمكن إيجادها إلكترونيًا، أما المواد اليومية فلا يمكن تعويضها.

في السنوات الأخيرة توسع التعاون مع المكتبة الوطنية في إسرائيل: رقمنة كتابات أدبية كبرى، ومشاريع توثيق فنية ومعمارية، فأصبح هناك مصدر رقمي ضخم لتاريخ الثقافة في إسرائيل.

لكن هناك انتقادات. بعض الباحثين يقولون إن نقل مواد حساسة، خطط بنى تحتية، خرائط مياه، مراسلات رسمية، قد يشكل خطرًا أمنيًا، وآخرون يرون أن إسرائيل فقدت السيطرة على أرشيفات وطنية مهمة.

مديرة أرشيف حيفا تقول إن هناك فضلًا كبيرًا لهارفارد في حفظ المواد، لكن وجودها تحت تحكم جامعة أجنبية أمر مقلق.

مدير أرشيف العمارة يقول إن بعض الوثائق تتضمن معلومات حساسة، عن أنظمة المياه والكهرباء ومواقع الأطفال في الكيبوتسات، وأن نشرها بلا رقابة قد يكون خطرًا.

مع ذلك يرى كثيرون أن المشروع أنقذ مواد كانت ستُفقد للأبد لو لم تُجمع.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025