العرب يصنعون واقعًا جديدًا وإسرائيل عاجزة عن تقديم ردّ

قناة 14

طال براون

ترجمة حضارات


تستغل وسائل الإعلام العربية وشبكات التواصل مؤخرًا الزخم حول الاتهامات الموجّهة ضد قوة 100 لتشكيل رواية جديدة تمحو ما حدث في 7 أكتوبر، تنتشر رواية زائفة عن "جرائم جنسية ارتكبها الجيش الإسرائيلي"، وإسرائيل تجد صعوبة في منع هذا الاستبدال الخطير بين الضحية والجلّاد.

قنوات الأخبار العربية تستغل الاتهام الرائج ضد القوة المذكورة، يبدو أن العرب يحاولون مرة أخرى خلق رواية كاذبة بهدف طمس وإخفاء وتحويل النقاش عن الجرائم الجنسية، التي ارتكبوها هم بحق الإسرائيليين خلال مذبحة 7 أكتوبر، وفيما بعد بحق الأسرى المحتجزين داخل غزة.

الحقيقة التي بُثّت للعالم مباشرة في 7 أكتوبر 2023، والتي ظهر فيها حجم الكارثة، صمدت لفترة قصيرة فقط، بعد ذلك فهم العرب أن نشرهم لصور القتل والخطف والتعذيب والنهب، التي صوّروها بأنفسهم، لا يخدمهم دوليًا، بل يسهم في شرعنة ردّ إسرائيلي قوي ضدهم.في البداية تباهى بعض العرب ليس فقط المنفذون بالمقاطع والشهادات، لكن ذلك تغيّر سريعًا حلّت محل صور المذبحة صور أخرى انتشرت للعالم، ظهر فيها مقاتلون بملابس مدنية وسكان غزة "أبرياء" مصابون أو مقتولون أو مدمّر ممتلكاتهم، نتيجة الهجوم المضاد الإسرائيلي.

الحملة التي قادتها إسرائيل بأن "حماس = داعش" تلاشت خلال وقت قصير، أسلوب القتال الإسرائيلي غير الفعّال، إضافة إلى صبر العالم أمام مشاهد غزة، تلاشى هو الآخر، ثم انقلبت المعادلة: بدل اتهام العرب بمذبحة مخططة، صار يُردَّد حول العالم أن "الإسرائيليين يرتكبون مذبحة" و"إبادة جماعية" بحق العرب.

هذا الخطاب ترسّخ في الوعي العالمي إلى درجة أنّ الغرب نسي سبب اندلاع الحرب، الرواية العربية لدى غزة، والسلطة الفلسطينية، والأردن، ومصر ودول أخرى، جعلت "الشعب الفلسطيني" يبدو كضحية كاملة. منذ أشهر تحاول إسرائيل مواجهة الرواية العربية، لكنها فشلت وتحولت من ضحية لأبشع مذبحة في تاريخها إلى "مجرمة حرب".

مؤخرًا، وبسبب الانشغال بشريط دعائي ضد مقاتلي قوة 100 في سجن شَدِه تيمان، الذي نُشر عالميًا بموافقة مسؤوليْن كبار، يستغل العرب هذا الزخم لإعادة تشكيل الرواية العربية: أن الجيش الإسرائيلي يرتكب جرائم جنسية بحق المعتقلين العرب.

نشرت وسائل إعلام عربية عديدة، مثل "الدستور" و"العربية"، خلال الأسبوع الأخير عناوين عن اغتصاب وتعذيب جنسي، بعضها يستند إلى تقرير من مؤسسة فلسطينية: "شهادات مروعة عن اغتصاب معتقلين فلسطينيين في السجون الإسرائيلية"، "طفل فلسطيني مصاب بالتوحّد يتعرض لاعتداء جنسي"، "أسير شاب يكشف أنه اغتُصب بواسطة كلب مدرّب"، "قضية الأسيرة الفلسطينية تتصاعد، اتحاد النساء يطالب بلجنة تحقيق دولية"، "امرأة فلسطينية تكشف تعذيبًا جنسيًا في السجون الإسرائيلية".

كما انتشرت منشورات على شبكات التواصل عن "اعتداءات جنسية" مزعومة على أسير، مع دعوات للانتقام: "لن نعيش إن لم نثأر".

هذه روايات دم تعتمد على المساس بالشرف، مادة سريعة الانتشار والتصديق في الشرق الأوسط، ومن الصعب التحقق منها. وبعض الأطراف في إسرائيل بسذاجة أو جهل، يساهمون في نشر هذا التشويه.

من قنوات عربية في تلغرام نُشرت رسائل: "لن نعيش إن لم نثأر لأخواتنا وإخواننا الأسرى بعد كشف التعذيب والاغتصاب بحقهم"، وأخرى دعت إلى "رصاصة في صدر كل جندي ومستوطِن".

الانقلاب في الروايات ليس جديدًا. حدث سابقًا في قضية "النكبة"، نتيجة هزيمة جيوش عربية خرجت للحرب عام 1948، فاختلقوا رواية أن الجيش الإسرائيلي ارتكب "مجازر"، كذلك في "دير ياسين" و"طنطورة".

مع مرور السنوات، صنع العرب روايات قلبت العدوان العربي على اليهود إلى لا شيء مقارنة بما يُتهم به اليهود، هكذا أيضًا تحولت حرب 1967 إلى رواية تُظهر إسرائيل "دولة احتلال" بدل تصويرها كدولة صغيرة نجت من حرب إبادة، وشكّلت واقعًا جديدًا في أرض تابعة لها تاريخيًا.

غياب استراتيجية ووعي إسرائيلي مكثّف أدى إلى انقلاب المعادلات دائمًا، إسرائيل تعرف كيف تبدأ هجومًا إعلاميًا، لكنها تخسره سريعًا أمام هجوم عربي منسّق ومدعوم بمعاداة اليهود، ومثلما انقلبت رواية الاعتداءات الجنسية، يتشكل الآن رواية جديدة: المطالبة بإطلاق سراح "الرهائن العرب"، أي المعتقلين الأمنيين في السجون الإسرائيلية.

تنتشر في الغرب ملصقات تُطالب بإطلاق سراح "الأسرى الفلسطينيين"، في لندن ظهرت ملصقات للرأفة بالمعتقلين، تحمل شريطًا أحمر بدل الأصفر.

الخلاصة: محاولة خلق رواية عربية تتهم إسرائيل وجيشها بجرائم خطيرة تكررت مرارًا في الماضي، ووجدت صدى عالميًا بفضل ماكينة دعاية عربية فعالة، مدعومة بمعاداة اليهود وجهل ونفاق في الغرب.

التحدي أمام إسرائيل في تشكيل وعي وطني قوي هو تحدٍّ قديم وفشل مستمر، ومع ذلك، هل من المبالغة مطالبة جهات إسرائيلية أن تكون أكثر مسؤولية، وألّا تقدم أثناء حرب ذخيرة مجانية للخصم؟.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025