إسرائيل هي عاصمة السايبر العالمية لكن الخطر الكبير يترصّد بعد الزاوية

إسرائيل اليوم

شلومو معوز

ترجمة حضارات

قطاع الهايتيك يمسك بالاقتصاد، لكن إسرائيل تفوّت ثورة الذكاء الاصطناعي، الإصلاح في الضرائب مجرد لصقة صغيرة في طريق فجوة تزداد سوءًا.

1. الاقتصاد الإسرائيلي استفاد لسنوات من ثمار الاستثمار في مجال السايبر الدفاعي والهجومي، النجاح هائل إلى درجة أن نحو 40% من مجمل الاستثمارات العالمية في السايبر في السنوات الأخيرة مصدرها إسرائيل، بعد الولايات المتحدة مباشرة، المتصدرة عالميًا، واحدة من كل ثلاث شركات تتجاوز قيمتها مليار دولار، وتُسمّى "يونيكورن"، هي شركة إسرائيلية.

إجمالي صادرات الشركات في هذا المجال بلغ في السنة الأخيرة 11 مليار دولار، شركات السايبر الإسرائيلية هي محرّك نمو ضخم للاقتصاد الإسرائيلي، الذي تعتمد علاقته بالمنظومة الاقتصادية العالمية اعتمادًا حرجًا لكوننا اقتصادًا صغيرًا، "جزيرة قارية" مع كل مساوئ التبعية للعالم.

وإذا وسّعنا النظرة إلى مجمل الهايتيك، نجد أن عدد العاملين في الهايتيك في إسرائيل، بحسب مصلحة الإحصاء المركزية، يشكل نحو 10% من مجموع العاملين في الاقتصاد في السنوات الأخيرة، حتى في فترة الحرب.

عدد العاملين في الهايتيك، وهم 16% من الأُجراء في القطاع التجاري، ارتفع في السنة الأخيرة حتى أغسطس بنسبة 0.8% ليصل إلى 400,900 عامل، وكان متوسط عدد العاملين في فروع الهايتيك عام 2023 هو 397,300، وفي عام 2024 بلغ 397,400.

الأجر في صناعة الهايتيك ارتفع في السنة الأخيرة حتى أغسطس بنسبة 6.7% إلى 29,650 شيكل شهريًا، وفي خدمات الهايتيك ارتفع الأجر بنسبة 7.3% إلى 33,242 شيكل شهريًا، صادرات خدمات الهايتيك في السنة الأخيرة حتى أغسطس، وفق معطيات منقّاة من العوامل الموسمية، بلغت 59.9 مليار دولار، مقابل 55.1 مليار دولار في السنة السابقة، و49 مليار دولار قبل سنتين، أي إن صادرات خدمات الهايتيك ارتفعت خلال سنتين، حتى في ظل الحرب اللعينة، بنسبة 22.2%، إنجاز هائل.

صادرات خدمات الهايتيك هي جزء من مجمل صادرات الخدمات التجارية، التي تعتمد بطبيعتها هي أيضًا على المجال الرقمي، مجمل صادرات الخدمات التجارية، بما فيها الهايتيك، ارتفع في السنتين المذكورتين بنسبة 19.2% ليصل إلى مستوى 75 مليار دولار في السنة المنتهية في أغسطس، مجمل إيرادات فروع الهايتيك، صناعة وخدمات معًا، للسوق المحلي وللتصدير، ارتفع في السنتين الأخيرتين حتى أغسطس بنسبة حقيقية منقّاة موسميًا قدرها 9.8%. إنجاز لا يُصدَّق.

2. قطاع الهايتيك يشكل نحو 18% من الناتج المحلي لإسرائيل، والضرائب التي يدفعها العاملون فيه تشكل ثلث إيرادات الدولة من عمل الأُجراء، بحسب معالجة هيئة الابتكار هذا العام، فإن حصة صادرات الهايتيك من مجمل الصادرات ستصل إلى 57.2% مقابل 52.9% عام 2023، هذا المعطى لا يشمل صادرات شركات ستارت–أب ولا صادرات الألماس، نحو 40% من نمو الناتج في القطاع التجاري في السنوات الأخيرة يُنسَب لقطاع الهايتيك، بحسب بنك إسرائيل.

اعتماد إسرائيل على تصدير الخدمات، وفي هذه الحالة الهايتيك، هو بمثابة تطعيم ضد ضربة الرسوم الجمركية التي يزعزع بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم، فصادرات الخدمات لا تُفرض عليها رسوم، ومعظمها غير مرئي، خلافًا للسلع، بحسب هيئة الابتكار، فقط 7% من صادرات الهايتيك الإسرائيلية موجودة في دائرة الخطر بسبب رسوم الرئيس ترامب.

في عام 2024 كانت صادرات سلع الهايتيك 28% من مجمل صادرات الهايتيك، مقابل 60% عام 2013، أي إن الجزء "غير المرئي" ازداد والسلع الملموسة تقلّصت. نفقات البحث والتطوير في إسرائيل نسبةً إلى الناتج تتصدر منذ سنوات العالم بنسبة 6.4% ارتفاعا حاد مقارنة بـ 4.2% عام 2014، كوريا الجنوبية خلفنا بنسبة 5%، والولايات المتحدة 3.5%، دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 2.7%، والاتحاد الأوروبي نحو 2.2%.

3. كل هذا جميل وحسن، لكن وراء الزاوية يتربص الخطر الكبير، ثورة الذكاء الاصطناعي، التي تتخلف فيها إسرائيل فعلًا عن الولايات المتحدة والصين، الذكاء الاصطناعي يتطلب مراكز بيانات ضخمة، ما يستلزم استثمارًا هائلًا في البنية التحتية للكهرباء في إسرائيل، فوق الزيادة "العادية" في استهلاك الكهرباء بوصفها دالةً للناتج.

الإنفاق الوطني على البحث والتطوير المدني ارتفع بأسعار ثابتة (أسعار حقيقية بأسعار 2015)، من 40 مليار شيكل في 2007–2011 إلى 94 مليار في 2022–2023، زيادة بنحو 135% بحسب مصلحة الإحصاء. قدرة إنتاج الكهرباء في إسرائيل ارتفعت من 63.5 تيرا–وات/ساعة عام 2012 إلى نحو 74 تيرا–وات/ساعة عام 2022، ومن المفترض أن تصل هذا العام إلى 78 تيرا–وات/ساعة – ارتفاع بنسبة 23% بين 2012 و2025.

ما دام إنتاج الكهرباء كان دالة لارتفاع مستوى المعيشة واحتياجات الاقتصاد، بما في ذلك ضخ المياه، الزراعة، الصناعة والبيع للسلطة الفلسطينية التي تستهلك 7% من القدرة، فليكن، الآن يأتي الذكاء الاصطناعي، النَهِم للطاقة، ويتطلب استثمارات هائلة في إنتاج الكهرباء. الفجوة بين قدرة إنتاج الكهرباء وبين الطلب ستتقلص، ولا سيما في ساعات ذروة الاستهلاك، كلما انتشر الذكاء الاصطناعي في الاستخدام اليومي كالنار في الهشيم.

صحيح أنه يمكن استخدام قوة حوسبة في الخارج، لكن هل تكفي كابلات الألياف البحرية والأقمار الصناعية لذلك؟ لاحظوا إعلان شركة عالمية في أستراليا قبل أسبوع فقط، عن بناء وتركيب مركز ذكاء اصطناعي في "جزيرة الكريسماس" جنوب إندونيسيا، باتفاق مع وزارة الدفاع الأسترالية. الموقع يفترض أن يساعد في مواجهة التوسع الصيني في المحيط الهندي وبالقرب من أستراليا.

الشركات العالمية تستثمر الآن أكبر مبالغ لها في التاريخ في البنى التحتية للمعلومات والطاقات المتجددة والابتكار، استثمارات بمليارات الدولارات في مزارع بيانات للذكاء الاصطناعي في الهند وأوروبا وغيرها.

في المقابل، هناك فجوة حادة في وصول الشركات ومؤسسات البحث في إسرائيل إلى بنى تحتية حاسوبية متقدمة، ما يصعّب تطوير وتطبيق حلول، خصوصًا في مجال الذكاء الاصطناعي، الفجوة في البنى التحتية قد تضر بشكل جوهري بقدرة إسرائيل على التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي وفي مجالات تكنولوجية أخرى، رغم نقاط قوتها في البحث والتطوير، استثمار إسرائيل في البنى التحتية الحاسوبية يقف عند 2.4% من الناتج، مقابل 3.7% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

الشركات المتعددة الجنسيات التي تعتمد إسرائيل عليها، بما في ذلك المنظومة الأمنية التي تعتمد على سُحُب الحوسبة الخاصة بشركات كبرى، تبني أنظمة بنى تحتية معلوماتية في إسرائيل، بما في ذلك "مناطق سحابية" محلية. شركات كبرى تستثمر في إسرائيل، والآن تنضم إليها شركات أخرى في مجال الشرائح والمعالجات. السؤال: هل سيكون هناك ما يكفي من القدرة الكهربائية لهذه البنى التحتية؟

على الحكومة أن تضمن دخول شركات إسرائيلية إلى هذا المجال أيضًا، رغم أن الحديث عن استثمارات بعشرات مليارات الدولارات تُرفَق بها أنظمة تبريد ضخمة، لا بد من حل هندسي لمتطلبات التبريد المتزايدة لمراكز البيانات الحديثة التي تحتاج لقدرات عالية.

تقديرات محللين تشير إلى أن إنشاء مركز ذكاء اصطناعي بقدرة واحد جيجا–وات يكلف 15–20 مليار دولار، وهناك من يقدّر أن التكلفة تصل إلى 35 مليار دولار. للشركات الإسرائيلية قدرة محدودة على تحمل أعباء كهذه، لكنها ملزَمة بجمع رؤوس أموال والدخول في شراكات، أو البدء من الأصغر بإنشاء مراكز بيانات وذكاء اصطناعي أقل ضخامة، هذه حيوية ليس فقط للقطاع التجاري، بل أيضًا لاحتياجات الجيش والمنظومة الأمنية، التي ستضطر إلى تعزيز قدراتها في مجالات حروب الصواريخ، الدفاع الجوي وقدرات الهجوم، حرب الأمس تنتمي للماضي.

4. في الواقع، الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد بالكامل تقريبًا على الهايتيك، وسيعتمد أكثر فأكثر على الذكاء الاصطناعي، النجاح مرتبط بتميّز الإسرائيليين، الذين يجب أن يسارعوا إلى التعمق في هذا المجال، من دون هايتيك لا قدرة للاقتصاد الإسرائيلي على البقاء، ومن دون السعي نحو مستقبل الذكاء الاصطناعي سيكون الهايتيك الإسرائيلي في تراجع، وبدونه لا يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي أن يكون قويًا بما يكفي لتحمّل ميزانية أمنية هائلة جرى مضاعفتها.

في وزارة المالية فهموا ذلك جيدًا، الوزارة أعلنت عن إصلاح جديد في سياسة الضرائب، هدفه التخفيف عن النشاط وتعزيز جاذبية قطاع الهايتيك الإسرائيلي، يشمل الإصلاح سلسلة خطوات تشريعية وتغييرات في إجراءات عمل سلطة الضرائب، تزيل عوائق قائمة وتمنح حوافز لنمو شركات هايتيك إسرائيلية في إسرائيل، وتعزيز نشاط شركات هايتيك متعددة الجنسيات في إسرائيل، وتشجيع شراء شركات هايتيك إسرائيلية.

وزارة المالية تسعى لاستغلال موجة معاداة اليهود حول العالم لصالح الاقتصاد الإسرائيلي، بهدف تشجيع عودة سريعة لعاملين في الهايتيك إلى إسرائيل، الحكومة ستشجع الاستثمار في الشركات على طول دورة حياة الهايتيك: من مرحلة التأسيس وجولات التمويل الأولى، مرورًا بمرحلة النمو والجولات المتقدمة، وصولًا لمرحلة الطرح في البورصة أو البيع لشركة متعددة الجنسيات.

الوزارة ستعمل على تنظيم نشاط صناديق الاستثمار في الهايتيك، المحلية والأجنبية، والمستثمرين، النية هي سنّ تشريعات لتعزيز الشفافية واليقين في مجالات الضرائب؛ إزالة عوائق استثمار أمام مؤسسات استثمار وشركات في استثمار مباشر بشركات هايتيك؛ تسهيلات تنظيمية في تغييرات هيكلية لتعزيز نشاط الاندماج والاستحواذ؛ تعزيز اليقين في مجال الضرائب للشركات المتعددة الجنسيات، خصوصًا في مراحل شراء شركات إسرائيلية وإدارة مراكز البحث والتطوير في إسرائيل؛ وخطوات لزيادة الجدوى الضريبية لعودة سريعة إلى إسرائيل للمواهب الإسرائيلية من دول العالم.

لكن في الوثيقة التي نشرتها معًا وزارة المالية وهيئة الابتكار، وهي وثيقة إيجابية ترى بشكل صحيح ما يجب وما يلزم فعله، لا توجد أي إشارة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي أو لموضوع القدرة الكهربائية.

التركيز الأساسي في الوثيقة هو على تسهيلات في الضرائب، الوثيقة، التي أُعدت بعد عمل فرق مشتركة بين الوزارات، وسلطة الضرائب وهيئة الابتكار، لا تتطرق بالتحديد للموضوع الحارق المتعلق بالذكاء الاصطناعي: زيادة الاستثمارات في المجال، وإشراك الجهة المنظمة في وزارة الطاقة لتعزيز إنتاج الكهرباء وتوزيعها في أرجاء إسرائيل، بوتيرة استثمارات متصاعدة، وبطريقة تقلل أيضًا من قابليتها للتضرر من الصواريخ الباليستية.

لا يوجد في الوثيقة أي ذكر للتعاون وتحفيز جهاز التعليم من سن الطفولة المبكرة وحتى الجامعات في مجالات الرياضيات والحاسوب والعلوم، ولا يوجد ذكر لضرورة إشراك وزارة الاتصالات في مدّ كابل بحري إضافي وأطباق اتصال فضائية إضافية من أجل الحفاظ على تدفق لا نهائي للبيانات بين إسرائيل والعالم.

لا يوجد أيضًا ذكر لحقيقة أن معدل انتشار الذكاء الاصطناعي في إسرائيل، ونشر الأبحاث في هذا المجال، أقل بكثير من الدول المتقدمة في العالم، رغم أن أعلى تركّز للمواهب في العالم موجود في إسرائيل، بحسب تقرير AI Index Report 2025.

لن نعيش على السايبر الرائع والناجح وحده، ليس هناك ازدهار أبدي.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025