مركز سيتا التركي
إن إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات الاقتصادية التركية مع دول الخليج، وتوسيع التنوع القطاعي، والتركيز على مجالات الاستثمار الاستراتيجية، من شأنه أن يعزز مكانتها في الاقتصاد العالمي.
اكتسبت العلاقات الاقتصادية التركية مع دول الخليج، التي ظلت محدودة حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، زخمًا ملحوظًا مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. وقد ساهم في هذا التطور انفتاح الاقتصاد التركي على العالم الخارجي، وتغيرات التوازنات الدبلوماسية الإقليمية. ولا يعكس هذا النمو في حجم التجارة التوسع الاقتصادي فحسب، بل يعكس أيضًا النفوذ السياسي والدبلوماسي المتنامي لتركيا في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج.
تُعدّ زيارات الرئيس رجب طيب أردوغان رفيعة المستوى إلى دول الخليج في السنوات الأخيرة مثالاً ملموساً على هذه العملية. وقد سلّطت زياراته العام الماضي إلى قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وزياراته هذا العام إلى قطر والكويت وسلطنة عُمان، الضوء على القضايا الاقتصادية والدفاعية، ووقّعت العديد من الاتفاقيات لتعزيز التعاون الاستراتيجي. وتُعد زيارة عُمان جديرة بالاهتمام بشكل خاص لأنها تُمثّل أول اتصال رفيع المستوى منذ سنوات عديدة.
شهدت العلاقات الاقتصادية، التي كانت محدودة للغاية قبل عام 2000، نموًا سريعًا منذ ذلك الحين. وبحلول عام 2024، بلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية بين تركيا ودول الخليج حوالي 27 مليار دولار أمريكي. وتمثل الصادرات ما بين 12 و13 مليار دولار أمريكي من هذا الحجم، بينما تشكل الواردات النسبة المتبقية. ورغم أن هيكل التجارة المتوازن نسبيًا يُعدّ مؤشرًا إيجابيًا، إلا أن تحليلًا لكل دولة على حدة يكشف أن تركيا لا تزال بعيدة عن أن تكون من بين أكبر عشرة شركاء تجاريين لمعظم دول الخليج. وهذا يُظهر أن العلاقات لا تزال في مراحلها الأولى، ولكنه يُشير أيضًا إلى إمكانات مستقبلية واعدة.
العلاقات الاقتصادية التركية مع دول الخليج
يكشف تحليل بيانات التصدير مع دول المنطقة أن العلاقات التجارية مع الكويت وعُمان مستقرة، وإن كانت محدودة الحجم. في المقابل، شهد حجم التجارة مع الإمارات العربية المتحدة زيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة، بينما انخفضت الصادرات إلى قطر. وقد أدى تطبيع العلاقات السياسية بعد عام ٢٠٢٠ إلى تنشيط التجارة مع كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
شهدت واردات تركيا من دول المنطقة اتجاهًا أكثر استقرارًا. وبينما انعكست زيادة التجارة مع الإمارات العربية المتحدة على الواردات، حافظت التجارة مع الدول الأخرى على استقرار نسبي. وانخفضت زيادة الواردات مع عُمان، المسجلة في عامي 2021 و2022، في عامي 2023 و2024. وكان للتقلبات في واردات الأسمدة تأثيرٌ خاصٌّ في هذا التغيير.
شكّلت زيارة الرئيس أردوغان إلى عُمان نقطة تحوّل استراتيجية في العلاقات بين البلدين. وُقّعت خلال الزيارة ست عشرة اتفاقية، ركّز معظمها على الشؤون الاقتصادية. ويُعدّ إنشاء هيئة الاستثمار العُمانية صندوقًا استثماريًا بقيمة 500 مليون دولار أمريكي لتوسيع ميناء إسكندرونة في تركيا وإنشاء محطة حاويات جديدة، أمرًا بالغ الأهمية للاستثمار الأجنبي المباشر. علاوة على ذلك، يتماشى التعاون في مجالات تكنولوجيا المعلومات والأغذية والزراعة والتعدين مع سياسات تركيا في مجال صناعة الدفاع والتكنولوجيا.
لطالما بُنيت العلاقات التركية القطرية على أسس اقتصادية وسياسية. وقد انخفض حجم التجارة، الذي بلغ حوالي 3 مليارات دولار بين عامي 2020 و2021، إلى 1.1 مليار دولار بحلول عام 2024. ويتطلب هذا الانخفاض من المستثمرين الأتراك إعادة تقييم استراتيجياتهم في المنطقة. وتُعدّ قطاعات الدفاع والبناء والطاقة والخدمات مجالات بارزة للتعاون الاقتصادي بين البلدين. وتمهد الطاقة الإنتاجية التركية وبنيتها التحتية الصناعية الطريق لتطوير شراكات أكثر تنافسية مع قطر في هذه المجالات.
في إطار سياسة تركيا تجاه الخليج، اكتسب مشروع الممر الأوسط أهمية خاصة مؤخرًا. هذا المشروع، الذي يهدف إلى نقل التجارة من الشرق الأقصى إلى أوروبا عبر الخليج العربي والعراق وتركيا، يُقدم بديلاً لمبادرة الحزام والطريق الصينية والطرق البديلة القائمة في إسرائيل. سيزيد إنشاء طرق تجارية برية وبحرية جديدة من أهمية تركيا الاستراتيجية في شبكات التجارة العالمية. في هذا السياق، تُعتبر الاتفاقيات الموقعة مع الكويت بشأن الاعتراف المتبادل بالنقل البحري وشهادات البحارة خطوات ملموسة من شأنها تعزيز القدرة اللوجستية لتركيا.
المنافسة الإقليمية ومكانة تركيا
تُعدّ منطقة الخليج حاليًا محورًا للمنافسة التجارية العالمية. ويُعزز ظهور مسارات بديلة، مثل ممر الهند والإمارات وإسرائيل، إلى جانب مبادرة الحزام والطريق الصينية، استراتيجية تركيا في بناء الممر الأوسط. كما يُعزز تعاون تركيا الاقتصادي متعدد الجوانب مع دول الخليج قدرتها على أن تُصبح لاعبًا مؤثرًا في شبكات التجارة العالمية الجديدة هذه.
مع ذلك، لا يزال حجم التجارة الحالي دون إمكاناته. ورغم أن تركيا ليست من بين أكبر عشرة شركاء تجاريين في معظم دول المنطقة، إلا أن هناك إرادة قوية لتعميق التجارة الثنائية. بالإضافة إلى الاتفاقيات على مستوى الدولة، يُعدّ تعزيز حضور الصناعيين والمهنيين الأتراك في المنطقة ذا أهمية استراتيجية. ونظرًا لوجود مهنيين من أصل هندي، لا سيما في المناصب الإدارية، يحتاج الخبراء والشركات التركية إلى تعزيز اندماجها في السوق الخليجية. وهذا سيمكّن تركيا من إحداث تأثير مستدام، ليس فقط على الصعيد الدبلوماسي، بل أيضًا على الصعيد الاقتصادي.
التقييم العام
اكتسبت العلاقات الاقتصادية التركية مع دول الخليج زخمًا ملحوظًا بعد عام 2000، لتصبح عنصرًا أساسيًا في رؤيتها للسياسة الخارجية واستراتيجيتها للتنويع الاقتصادي. وبينما يُظهر حجم التجارة الخارجية الذي يقارب 27 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2024 مستوى هذا التعاون، فإنه يُشير أيضًا إلى أن إمكاناتها الحالية لا تُستغل إلا جزئيًا.
يُظهر إجمالي صادرات تركيا إلى دول الخليج، الذي يتراوح بين 12 و13 مليار دولار أمريكي، وإجمالي وارداتها بنفس المستويات تقريبًا، أن التجارة قد حققت هيكلًا متوازنًا نسبيًا. ومع ذلك، عند تقييم كل دولة على حدة، فإن إخفاق تركيا في الوصول إلى مرتبة بين أكبر عشرة شركاء تجاريين للعديد من دول الخليج يُظهر الحاجة إلى تعميق العلاقات الاقتصادية الثنائية. وتُظهر الزيادة الملحوظة في حجم التجارة، وخاصةً بعد تطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة بعد عام 2020، بوضوح التأثير الحاسم للتقارب السياسي على التفاعل الاقتصادي.
تُعدّ الاتفاقيات الجديدة مع عُمان والكويت وقطر خطواتٍ مهمة اتخذتها تركيا لتعزيز تنويع قطاعاتها في استراتيجيتها الخليجية. ولا يقتصر صندوق الاستثمار، الذي تبلغ قيمته 500 مليون دولار أمريكي، من بين 16 اتفاقية مُوقّعة مع عُمان، على تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين فحسب، بل يُعزز أيضاً إمكانات تركيا كمركز جذب للاستثمار الأجنبي المباشر. كما تتوافق الشراكات التي أُبرمت في مجالات مثل التعدين وتكنولوجيا المعلومات والأغذية والزراعة مع أهداف تركيا في مجال صناعة الدفاع والتكنولوجيا.
في غضون ذلك، يُظهر انخفاض حجم التجارة مع قطر من 3 مليارات دولار إلى 1.1 مليار دولار في السنوات الأخيرة ضرورةَ إنعاش البعد الاقتصادي للتضامن الاستراتيجي الراسخ بين البلدين. وتوفر البنية التحتية الصناعية لتركيا وقدرتها التنافسية في قطاعي الدفاع والخدمات مزايا كبيرة تدعم هذه العملية.