لم يكن طوفان الأقصى حادثةً عابرة في سجلّ الصراع، ولا مجرّد مواجهة متكرّرة تعيد إنتاج مشاهد الألم فحسب؛ بل كان لحظةً كاشفة أعادت ترتيب خرائط القوة، وأظهرت ما خفي من طبائع الأمم، وفضحت ما تراكم من زيف الحضارات الحديثة في امتحان الأخلاق والعدالة. لقد بدا الطوفان، منذ ساعاته الأولى، كأنه قدرٌ يريد الله به أن يوقظ أمة، ويعيد إليها روحًا شارفت على الذبول، ويمنحها فرصةً جديدة كي ترى نفسها في مرآة الصبر والدم والرجاء. وبدت غزة - وهي تقف على تخوم الفناء - أكبر من جغرافيتها، وأوسع من حصارها، وأقدر على أن تحمل نيابةً عن الأمة عبء التذكير بأنّ الكرامة لا تُشترى، وأنّ الأرض لا تُستردّ بلا وجع، وأنّ الشعوب قد تُجَوَّع وتُقصف وتُهجّر، لكنها لا تموت إذا بقي في قلبها قنديلٌ من نور اليقين.
ولأن هذا الحدث العاصف قد أحاطته الأسئلة، وتنوعت بشأنه القراءات، وتنازعت حوله العواطف والمواقف، فقد كان لا بدّ من ميزانٍ ثابت نزن به الوقائع، ونضع به الأمور في مواضعها الصحيحة؛ ميزان المقاصد الشرعية الذي يميّز بين المصلحة الحقيقية والوهم المتزيّي بلباسها، ويكشف الفارق بين المفسدة العارضة والمفسدة القاضية على هوية الأمة ومصيرها. ومن هنا جاء هذا التحليل ليتتبع الطوفان في آثاره الكبرى: العسكرية والاجتماعية والروحية والحضارية، وليبيّن كيف تُولد تحت الركام أمة جديدة، وكيف يعلو من بين دماء الشهداء صوتٌ يُذكّر العالم بأنّ هذا الحقّ لا يموت، وأنّ هذه الأرض لا تُسلَّم، وأنّ هذا الشعب لا يُهزم.
من أجل هذا رأيت أن يكون الحديث عن: "طوفان الأقصى بين المصالح والمفاسد"، وأن يتجسد في عشرة محاور، بعد التمهيد وقبل الخاتمة الجامعة، على النحو الآتي:
لمتابعة القراءة، المرجو الضغط على الرابط