ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مساء أمس جريمة مروّعة في مخيم عين الحلوة، بعد أن استهدف ملعبًا رياضيًا لكرة القدم بالقرب من مسجد خالد بن الوليد، حيث كان مجموعة من الشبان والفتيان يمارسون الرياضة في مساحة لا تحمل سوى الفرح والإقبال على الحياة. وأسفرت الضربة الوحشية عن استشهاد أكثر من 13 شابًا وإصابة العشرات، في مشهد يعكس حجم الإجرام الذي لم يعد يميّز بين مدني وعسكري، ولا بين فتى يمارس الرياضة ومقاتل يحمل سلاحًا.
هذه الجريمة تحمل دلالات عميقة، لأن عين الحلوة ليس مجرد مخيم؛ إنه أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان وأكثرها اكتظاظًا بالسكان، ويُعدّ رمزًا لقضية اللاجئين وحق العودة، وموطنًا لجيل فلسطيني كامل حمل معه ذاكرة الوطن ووجعه. استهداف المخيم بهذا الشكل هو استهداف للهوية الفلسطينية نفسها ومحاولة لخلق ضغط على اللاجئين وتشتيت وجودهم وشرعية حقهم.
كما يضم المخيم نخبًا فلسطينية فاعلة ومؤثرة، وله حضور وطني واسع، وقد شهد زيارات رمزية في السنوات الماضية، أبرزها زيارة الشهيد إسماعيل هنية رحمه الله، الذي حُمل على الأكتاف وقال يومها عبارته الشهيرة: «من عين الحلوة… عين اليقين». فالمخيم يشبه خزانًا بشريًا وطنيًا للمقاومة والهوية، ويمثل امتدادًا طبيعيًا لروح العزيمة التي عرفناها في مخيمات وازقة غزة وفي كل مخيمات لبنان.
إنّ استهداف الملعب وقتل الشباب الذين يمارسون الرياضة هو تحريض مباشر على المخيمات الفلسطينية في لبنان، وتصعيد عدواني يثبت أن الاحتلال يسعى لتغيير قواعد الاشتباك، وأنه لم يعد يكتفي بالاغتيالات، بل يريد أن يرسل رسالة مفادها أن كل فلسطيني هدف، وكل تجمع فلسطيني مستباح. وهذا تطور بالغ الخطورة، خصوصًا في ظل التزام الفصائل الفلسطينية في لبنان بوقف إطلاق النار واحترام كل ما يلتزم به لبنان ومقاومته.
لذلك، نحن أمام لحظة تتطلّب موقفًا لبنانيًا حاسمًا، يبدأ برفع شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، وإدانة هذا العدوان السافر، والمطالبة بحماية اللاجئين الفلسطينيين. فما حدث في عين الحلوة ليس حدثًا عابرًا، بل ناقوس خطر يجب أن يسمعه الجميع: الفلسطيني، واللبناني، والعربي. فنحن بحاجة إلى موقف فلسطيني موحّد وإسناد عربي قوي يضع حدًا لهذا التوحش.
وقد شرّفني الله، خلال زياراتي المتعدّدة إلى لبنان، بأن أطأت أرض عين الحلوة أكثر من مرة، ودخلت أزقته الضيقة التي تحمل أثر الوجع والكرامة معًا. التقيت نخبه وفعالياته ومؤسساته، ولمست قوة هذا المخيم وهيبته وعمقه الوطني. رأيت فيه امتدادًا لروح غزة، وروح كل مخيمات اللجوء التي صنعت إرادة لا تُكسر.
أختم بتقديم أحرّ التعازي لأهالي الشهداء ولأهلنا في مخيم عين الحلوة، وأنا على يقين أن هذا المخيم، رغم الجراح، سيظلّ صوتًا عاليًا في المستقبل القريب، وسيبقى شاهدًا على أن الفلسطيني لا يُهزم، مهما اشتد العدوان.