بقلم/ عبد الله أمين
أولاً: الموقف:
منذ ألقت الحرب أوزراها في جبهات القتال السبعة التي قال العدو أنه يقاتل عليها لبنان، غزة، اليمن، إيران، سوريا، الضفة الغربية، الجبهة الداخلية، لم ينفك العدو من الاشتباك والاحتكاك مع بعضها غزة، لبنان، سوريا، الأمر الذي جعل موضوع وقف الحرب، أو إطلاق النار، أو الأعمال العدائية، جعله يبدو (مزحة) أكثر منه أمراً جدّيا يمكن الرهان عليه، أو العمل بمقتضاه.
وفي هذا الموقف الوقف النظري للحرب يرى العدو أنه ليس ملزماً بما اتفق عليه مع أي من أعدائه في جبهاته السبع تلك، وأن ما يهمه فقط هو: موافقة وتفهم الطرف الأمريكي لما يقوم به من إجراءات، وما يشنه من اعتداءات، وما يخرقه من اتفاقات، لذلك فهو بعد كل عدوان يردد لازمة أنه " نسق أو أطلع أو شاور الأمريكي، قبل أو أثناء أو بعد الفعل"، معتقداً أن هذا التفهم، وتلك الموافقة تجعله في حلّ من أي اتفاق أو توافق مع أي طرف آخر، إن العدو ومن خلال سلوكه العدواني هذا يهدف إلى تحقيق مجموعة من الغايات، على رأسها:
1. عدم ترك أي تهديد ينمو ويتعاظم، فضلاً عن خروجه إلى حيز التشغيل، وهو أهم درس استخلصه من حربه الأخيرة مع قوى المقاومة وفصائلها؛ الفلسطينية والعربية، فضلاً عن الدول التي تشكل له تهديداً وجودياً، وعلى أرسها الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
2. تحييد التهديد، والمخاطر الناتجة عنه، عبر القضاء عليه بشكل حقيقي عبر الاستهداف والتدمير والقتل، أو تقييد حركته، وتقييد هامش مناورته بشكل فعلي، كنتيجة لما ستقوم به فصائل المقاومة ودولها، من إجراءات أمنية ووقائية، لمواجهة العدو وعدوانه.
3. إبقاء قوى المقاومة الشعبية والرسمية في مربع رد الفعل، ودائرة الأزمات، وإشعارهم أنهم واقعون في دائرة التهديد، وأن سيفاً (سيف ديموقليس) معلقاً فوق رؤوسهم، ويوشك أن يقع عليهم؛ فيقطع الرقاب، ويذهب الألباب، فلا ينهضون من كبوتهم، ولا يرممون قدراتهم، ولا يعيدون بناء ما تهدم من مدنهم وقراهم، فكيف يفعلون، والعدو سوف يعيد جز (عشبها) وما نما منها!
4. فرض العدو إرداته على أعداءه، والوصول معهم إلى تفاهمات، أو اتفاقات ومعاهدات، وفقاً لشروطه، وما يحقق له مصالحه في أعلى مستوياتها.
5. إفشال أي تجربة مقاومة للعدو، ثبتت نجاعتها؛ حتى لا تُقلد، ولا يحذى حذوها، الأمر الذي يعني وضع العدو وحلافائه ومشاريعيهم؛ في المنطقة وللمنطقة، في مهب ريح المقاومة التي لن تبقي منهم من الأعداء ولن تذر.
ثانياً: المقتضى:
أمام هذا الموقف الذي وصّف، وحتى تخرج قوى المقاومة، الرسمية منها والشعبية، من مربع رد الفعل، والذهاب نحو ترميم ما تضرر، وتعمير ما تدمر، وستر مكامن الضرر، وتقوية نقاط الضعف، وزيادة مصادر القوة ونقاطها، لا بد من أن تلتقي هذه القوى؛ رسميها والشعبي، وتفكر برأس بارد، وبشكل جمعي لا فردي؛ فالأعداء الذين يقاتلون كيد واحدة، وصف واحد، لا يمكن أن يواجهو إلّا بكتلة مجتمعة، وبنيان مرصوص يشد بعضه بعضاً، ويكمل بعضه نقص بعضه، لابد لهذه القوى أن تجتمع لِتَنظُم معادلة تتضمن مجموعة من القرائن والمؤشرات، لتدل، وتؤشر، وتحذر، من الظرف الزماني الذي يقترب فيه تهديد الأعداء، أو يبتعد، إنطلاقاً من فرضية عمل تقول: أن هذا العدو وحلفاؤه، وخلال عامين من حرب "طوفان الأقصى" أثبتوا أنهم لا يأبهون لقواعد القانون الدولي وأعرافه، وأنهم قد يُقدِمون على عدوان في أي لحظة، وبلا مبرر أو سبب، لذلك يجب البقاء على أهبة الاستعداد، وبكامل الجاهزية للتصدي لأي اعتداء مفاجئ. كما لا يفترض أن تبقى هذه القوى في مربع در الفعل والأزمة، وأنها يجب أن تنتبه وتشتغل في مسارات خروجها مما هي فيه، وتجهد، بل وتسابق الوقت، في استخلاص الدروس والعبر، من صفحات مواجهتها مع هذا العدو، فتبني على الشيء مقتضاه، وهذا أمرٌ نحسب أنه لا يمكن أن يتحقق ما لم تُعّرِف هذه القوى، وكما قلنا سابقاً، مجموعة من القرائن والشواهد التي تدل على اقتراب التهديد أو ابتعاده، لتبني أيضاً على الشيء مقتضاه، وإن كان لنا أن نعدد بعضاً من قرائن وشواهد التصعيد أو تبريد الكلية، فيمكن إيراد التالي على سبيل الذكر لا الحصر:
1. حراك تعبوي داخلي عند العدو، متعلق بالتجنيد، واستدعاء الاحتياط، ووقف إيجازات الجنود، وإعادة نشر وموضعة قدراته الهجومية أو الدفاعية.
2. طلب الدول الكبرى، وبشكل مُلزم، من راعاياها مغادرة مناطق التوتر المتوقعة، فضلاً عن مغادرة من ليس لإقامته ضرورة، وبدء تشغيل الجسور الجوية بين هذه الدول، والدول المتوقع شمولها بالحرب أو العدوان.
3. سحب أو إبعاد الأصول البحرية الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية من البحار: المتوسط والأحمر، والخليج العربي.
4. إعادة نشر وتموضع القوات البرية الأمريكية المنتشرة في سوريا والعراق ودول الخليج خصوصاً، وباقي دول المنطقة عموماً، بشكل يزيد من مستوى أمنها، وحرية مناورتها.
5. حراك مالي مفاجئ، وغير مفهوم فنياً، مرتبط برؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية في دول الخليج خاصة، والمنطقة عامة.
6. جسور جوية عسكرية في المنطقة؛ ومنها وإليها، مرتبطة بتعزيز قدرات الاحتياط الاستراتيجي والعملياتي، المطلوب لرفع كفاءة وجاهزية جيوش دول منتشرة في مسرح عمليات غرب آسيا، خاصة الجيش الأمريكي.
7. أزمات حكم وجودية لمنظومات الحكم في الكيان المؤقت، وأمريكا، قد لا يُرى لها حل، أو مخرج، سوى الدخول في حالة طوارئ وطني مرتبطة بحرب، تؤجل أي استحقاق داخلي في هذه الدول إلى حين انتهاء الحرب، أو جولتها.
8. ظهور شواهد وقرائن دالة على التجاوز الناجح لقوى المقاومة ودولها لأزمة مفاجأتها من قبل العدو، وما تكبدته من خسائر وتضحيات، واستفادتها الصحيحة والمجدية من هذه التجربة المرة.
9. ظهور رسائل حقيقية، وضمنية، تقول أن زمن الاستفراد بأي مكون من مكونات قوى المقاومة وداعميها، وحلفائها قد ولى إلى غير رجعة، وأن (اللكش) بأي منها يعني ( اللكش) بعش دبابير مستنفر، جاهز لتحمل الأكلاف، ودفع الضرائب، كما أنه قادر على الإيذاء.
10. ظهور قرائن تشير وتدلل، على أن قوى المقاومة سوف تعمل بمقتضى القاعدة التي تقول: أن صديق عدوي؛ عدوي، وأن من يشارك في (طبخة) سم العدو؛ سوف يتذوقها!! ومن ينفخ في ناره؛ سيعميه دخانها!!
11. ظهور شواهد عملية يُفهم منها أن قواعد الاشتباك مع هذا العدو سوف يقررها سلوكه وإجراءاته؛ فالدم بالدم، والهدم بالهدم، فإن كانت جبهة المقاومة الداخلية مهددة؛ فإن جبهة العدو الداخلية سوف تهدد، بلا أكثر من ذلك!!
هذه بعض القرائن والشواهد، التي نعتقد أنها بحاجة إلى مراجعة وتطوير، حتى لا تبقى قوى المقاومة، الرسمية منها والشعبية، في مربع رد الفعل، ودائرة الأزمات، وحتى لا تؤخذ على حين غرة، ولا تفاجأ مرة ثانية، من عدوها، فتغدو قوى المقاومة كالذئب حين ينام مغمضاً عيناً، ومبقياً الأخرى مفتوحة ترقب وتراقب التهديد، وترعى المصالح.
ثالثاً: الخلاصة:
نختم هذه الورقة، بالتذكير أن أهم الإجراءات التي تساعد في التأقلم مع البيئة السياسية والأمنية والعسكرية التي فرضتها حرب "طوفان الأقصى"، هو إجراء التدقيق والتحقيق والمراجعة التي تهدف إلى استخلاص العبر والدروس مما نحن فيه، الأمر الذي يتطلب التخلص من تصورات سياسية وعسكرية وأمنية و تنظيمية و...، كانت حاكمة وفاعلة ما قبل الحرب، واشتقاق مفاهيم وتصوارت تلائم واقعنا الحالي، وهو أمرٌ يتطلب التفكير المؤسسي الجمعي، الذي يستوعب ويشجع على الانفتاح، ويقبل الآراء الشاذة، والتحليلات غير المألوفة، ويحمي أصحاب وجهات النظر المخالفة، ولا يقمعهم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.