ما الذي يحدث مع الدعوى ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي؟

هارتس

منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024، حين وافقت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي على طلب المدّعي كريم خان إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، طرأت تطورات مهمة على الملف. هذه التطورات تثير أسئلة صعبة حول سلوك الحكومة، وقد تقود إلى إنشاء لجنة تحقيق رسمية.

مؤخرًا، قدّمت إسرائيل طلبًا لاستبعاد المدّعي خان وإلغاء أوامر الاعتقال، بحجة أنها “منحازة بشكل لا يمكن إصلاحه”. وفي بيان للإعلام، أوضحت وزارة الخارجية أن المدّعي دفع نحو “أوامر لا أساس لها ومثيرة للفضيحة بهدف صرف الانتباه العام عن اتهامات خطيرة ضده تتعلق بتحرشات جنسية متسلسلة بموظفة خاضعة له”.

وبشكل استثنائي، جاء في قرار المحكمة بشأن طريقة معالجة الطلب أنه استُلم عبر البريد الإلكتروني من المستشار القانوني لسفارة إسرائيل في لاهاي. وفي ضوء نص القرار، يبرز التساؤل عمّا إذا كان الطلب نُقل عبر السفارة لأن الدكتور غيل-عاد نعّوم، نائب المستشارة القانونية للحكومة للشؤون الدولية، والذي وقّع على جميع الوثائق المقدمة سابقًا للمحكمة، قد رفض طلب حكومة نتنياهو “تلويث يديه” بهذا الملف. خان أُوقف عن منصبه إلى حين البت في شكويين متعلقتين بالتحرش الجنسي قُدمتا ضده.

مواقف أطراف الملف

في الأسبوع الماضي، طلبت المحامية الممثلة لضحايا الجرائم أمام المحكمة تقديم موقفهم قبل اتخاذ قرار بالطلب الإسرائيلي. وكتبت في طلبها أن للضحايا “مصلحة جوهرية في ضمان كشف الحقيقة بشأن الجرائم المرتكبة ضدهم، وألا تُخفى بسبب ادعاءات إجرائية أو سلوك غير لائق من قبل الادعاء”.

في ردّ الادعاء الذي قُدم هذا الأسبوع، تجادل القائمة بأعمال المدّعي بأن على نتنياهو وغالانت أن يطلبا شخصيًا استبعاد المدّعي، لا أن يختبئا خلف طلب تقدمه دولة إسرائيل. وتضيف أنه لا ينبغي إلغاء أوامر الاعتقال حتى لو تأثر إصدارها باعتبارات جانبية.

مبدأ التكامل: الحجة الأقوى لإسرائيل

أقوى حجج إسرائيل تتعلق بـ مبدأ المكمّلية (التكامل). وفق هذا المبدأ، يجب إتاحة الفرصة للدولة التي يعتزم الادعاء التحقيق في أفعالها أن تعلن خلال شهر من تلقيها إخطارًا من المدّعي بأنها ستفتح تحقيقًا داخليًا. وإذا كان التحقيق المحلي قائمًا وفعّالًا، لا تتدخل المحكمة.

إسرائيل تلقت مثل هذا الإخطار عام 2021، حين كانت فاتو بنسودا هي المدعية. وقد أعلنت بنسودا فتح التحقيق بزعم ارتكاب جرائم حرب في غزة والضفة الغربية. وردّت إسرائيل بأن أرسلت رئيس الموساد آنذاك، يوسي كوهين، لتهديد بنسودا.

عندما أصدر خان أوامر الاعتقال عام 2024، قال إن تحقيقه بشأن حرب غزة هو امتداد للتحقيق الذي فتحته بنسودا عام 2021، وبما أن إسرائيل لم تُعلن نيتها التحقيق حينها، فهي لا تستطيع الآن الادعاء بأن القضية يجب أن تُترك لها. إسرائيل، بالمقابل، ادّعت أن التحقيق الجديد يتعلق بحرب غزة بعد 7 أكتوبر، وبالتالي فهو تحقيق مستقلّ كان يجب إشعارها بفتحه، بما يتيح لها رفع حجة التكامل.

الهيئة الأولى في المحكمة رفضت ادعاء إسرائيل. كما تم رفض استئناف إسرائيل لأسباب إجرائية. لكن مؤخرًا صرّحت المحكمة لإسرائيل بتقديم استئناف جديد وفق الإجراء الصحيح.

هل تتراجع المحكمة عن أوامر الاعتقال؟

منذ تأسيسها مطلع الألفية، تتعرض المحكمة لانتقادات واسعة لتركّز معظم تحقيقاتها في دول إفريقية ضعيفة التأثير الدولي. ولذلك، ورغم العقوبات القاسية التي فرضتها إدارة ترامب على المحكمة وقضاتها، يبدو أن تراجعًا كاملاً عن التحقيق في حرب غزة مستحيل — فهو سيُثبت عمليًا أن المحكمة غير قادرة على التحقيق مع دول غربية قوية وغنية.

لكن من غير المستبعد أن تتراجع المحكمة تراجعًا تكتيكيًا: إلغاء أوامر الاعتقال والقبول بحجة إسرائيل بأن المدّعي كان يجب أن يعلن عن فتح تحقيق جديد بعد أحداث 7 أكتوبر. هذا سيتيح للادعاء تقديم إخطار جديد، ويلغي في الوقت ذاته الادعاءات حول “اعتبارات غير مشروعة” للمدّعي خان.

ما الذي سيترتب على إسرائيل؟

في حال قُدم إشعار جديد، سيكون على الحكومة الإسرائيلية أن تقرر خلال شهر ما إذا كانت ستفعّل مبدأ التكامل وتفتح تحقيقًا في ادعاءات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في حرب غزة — بما في ذلك التحقيق مع رئيس الوزراء ووزراء الدفاع.

وبما أن النيابة العسكرية صادقت على الكثير من الأفعال التي تتطلب التحقيق، بدعم من المستشارة القانونية للحكومة، فلا يمكن إجراء التحقيق عبر الأطر العادية الخاضعة للمستشارة. ولتحقيق المعايير المطلوبة دوليًا للتكامل، ستكون الحكومة مضطرة للاعتماد على لجنة تحقيق رسمية (ملكية) يعيّنها رئيس المحكمة العليا.

سلوك الحكومة: بعيد عن المعايير الديمقراطية

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025