الجدوى التعبوية للمقـ ـاومة الشعبية في الحالة الفلسطيينة 2/2

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

الجدوى التعبوية للمقاومة الشعبية 

في الحالة الفلسطينية 

( وجهة نظر ) 

2/2

تحدثنا في الجزء الأول من هاتين المقالتين عن المقاومة الشعبية وعن المهاتما غاندي كأب للمقاومة السلمية ، وعن المفكرين جوزف ناي وجين شارب كمنظرين رئيسيين  لهذا النوع من المقاومة ، كما تحدثنا عن الفرق بين من احتل الهند وخرج منها ، ومن يحتل فلسطين وبقي فيها ، وقلنا أن هناك فرق جهوري بين المحتلين ، فالأول جاء بصفة ( المعلم المثقف الناصح ) ،وعليه فإن إقامته وإن طالت آيلة إلى انتهاء ، والثاني ــ العدو الصهيوني ــ جاء محتلاً حالاً طارداً عازماً على البقاء ما لم يرى بأم عينه الفناء . وفي هذا الجزء الثاني والأخير سنتحدث عن المقاومة الشعبية وأهدافها ، وكيف أنها قد تكون مقبولة عند المحتل ــ وإن على مضض ــ ثم سنخلص إلى النتيجة النهائية التي ستقول : أيهما أجدى وافضل في مثل حالتنا في فلسطين ؟ مقاومة شعبية أم مقاومة عسكرية ؟ 

أهداف المقاومة الشعبية : 

إن المقاومة الشعبية ، هي عبارة عن مجموعة من الإجراءات المدنية التي تدفع غاصب الحق لاعادة النظر في ما يقوم به من إجراءات وأفعال تضيّق على عموم الشعب واصحاب الحق وتنغص عليهم حياتهم ، فهي في المحصلة لا تبغي نزع شيء من جذوره والانغراس في مكانه ، إنها تريد تحقيق ثلاثة أهداف ــــ تتضمن كثير من الجزئيات والأهداف الصغيرة ـــ هي : 

  1. المشاركة السياسية . 
  2. العدالة الاجتماعية .
  3. التقاسم العادل للموارد والثروات . 

وهنا يمكن للمحتل أن يجعلك شريكاً في السلطة عن طريق قيامك بإدارة شؤون بني شعبك ــ روابط القرى ، سلطة الحكم الذاتي ــ فتريحه من الاحتكاك اليومي بهم ، وتبعد عنه وجع رأس هو في غنىً عنه ، وسيتعامل معك من منظور اجتماعي قائم على العرقية والطبقية والعشائرية ؛ فالمجتمع مكون من شرائح مختلفة من الأعراق والقوميات ومذاهب ومن (العدالة) أن لا يعامل الكل بنفس المنطق ومن نفس المنطلق ، فالدرزي منطلقات التعامل معه لا يجب أن تشبه تلك التي يتم التعامل فيها مع البدوي ، وما يصلح للبدوي لا يصلح لأهل المدن والقرى ، فالعدل لا يعني المساواة ، وإنما اعطاء كل ذي حقه حقه على اساس عرقي ومذهبي ، فتتفتت أواصر المجتمع ، ويصبح كل يغني على ليلاه ، فيصبح المحتل يتعامل مع وحدات صغيرة يمكن إدارتها وتوجيهها وتوقع تصرفها ، بدل أن كان يتعامل مع الكل الوطني كوحدة واحدة ؛ ثقيل وزنها عالية كثافتها ، لا يمكن زحزحتها من مكانها أو اختراقها في مقتل . 

وعليه ؛ ومن هذا المنطلق ، هل يمكن أن تكون المقاومة الشعبية هي الجهد الرئيسي في مقاومة محتل يتصف بما يتصف به محتل أرضنا المقدسة فلسطين ؟ أم أن المقاومة الشعبية هي جزء يجب أن لا يغفل عنه في سياق مسار عمل مقاوم ، أصل الهدف منه إخراج المحتل مما احتله وإعادة ما نهب وسرق واغتصب إلى أصحابه ، كاملاً غير منقوص ؟ 

وحيث أن المقاومة الشعبية كما ذكرنا سابقاً أصل الهدف منها دفع المغتصب إلى التنازل عن جزء مما اغتصبه ، والسماح لصاحب الحق بالتمتع ببعض الميزات التي يشعر معها أنه شريك وصاحب مصلحة فيما احتل واغتصب من حقوقه وماله وأرضه ، الأمر ــ المقاومة الشعبية ــ الذي يرضى به المحتل إذا ما وضع بين خيارين ؛ خيار بقاء الهيمنة والسيطرة وعدم إعادة الحق لأصحابه ،  وخيار مشاركة صاحب الحق لحقه الذي يحفظ له البقاء والــ ( حياة ) التي ينشدها ، فالمحتل الذي لا يملك خيار المغادرة ؛ قادر على تحمل أكلاف تلك المقاومة الشعبية ــــ وإن على مضض ــ مقابل التهديد الذي تمثله المقاومة العسكرية بكل طرق عملها وإجراءاتها وما تتطلبه من قدرات وإمكانات وما يصاحبها من (خسائر) وتضحيات. 

وهنا يبرز السؤال الذي جوابه يدفع المحتل إلى تقبل أكلاف وتبعات المقاومة الشعبية ، وفي المقابل لا يقوى على تحمل ما يمكن أن ينتج عن إجراءات وعمليات المقاومة العسكرية المسلحة ، والسؤال هو : إن كانت أهداف المقاومة الشعبية في كلياتها هي ما ذكرناه سابقاً من مشاركة وعدالة وتقاسم ، فما هي أهداف المقاومة العسكرية التي ترفع من أكلاف الاحتلال وتجعل المحتل يفكر في جدوى بقائه واحتلاله ؟ إن هذه الأهداف كنا ذكرناها في أكثر من مكان ، ومن باب التذكير بها وجعلها شاخصا ًومعياراً تقاس عليه الأمور ويرجع له حتى لا تنحرف البوصلة ، نعيد ذكرها بشكل سريع دون التفصيل أو الشرح ، فنقول أن الهدف من المقاومة المسلحة هو : 

  1. إيقاع أكبر كم من الخسائر البشرية والمادية في المحتل .
  2. فرض حالة من عدم الاستقرار على العدو .
  3. فرض حالة من الاستنفار الدائم عليه .
  4. بناء معادلة رعب مع المحتل . 
  5. تحرير الأرض والإنسان . 

إن مجرد شخوص هذه الأهداف أمام المحتل وبيئته ورؤيتها رأي العين من خلال ما تقوم به المقاومة من عمليات عسكرية تجبي منه أرواحاً ومعدات ، وتفرض عليه حالة من الاستنفار والقلق وعدم الراحة ؛ ستفرض عليه اعادة حساباته لتحديد جدوى بقائه من عدمه ، فالمحتل لأرضنا كما ذكرنا ؛ أحرص الناس على حياة ، وهو إنما جاء بحثاً عن هذه الحياة ، فإن نغصنا عليه حياته ومعيشته وأقلقنا راحته ؛ فلن يمكث ولن يبقى وسيغادر ، فقد غادر غزة صاغرا ً وخرج من جنوب لبنان مذلولاً ، ولم تخرجه من غزة أو جنوب لبنان مقاومة شعبية أو مظاهرات اعتراضية ، وإنما خرج بعد أن زاد الإثخان فيه وبدأ جنوده ومستوطنوه يدخلون مستوطناتهم وثكناتهم رأسياً ثم يخرجون منها في أكياس سوداء أفقياً . هذه هي اللغة التي يفهما المحتل الغاصب ولا يفهم سواها وهي التي تخرجه وتدفعه للتنازل وليس سواها . 

وحتى يكتمل الموقف ، وحتى لا يفهم أننا لسنا مع فعاليات المقاومة الشعبية وأنشطتها ؛ لا بدّ أن نقول : أن قضية مثل قضيتنا المقدسة التي اغتصبت فيها الأرض وهجر الأهل والشعب ، من قبل محتل يتصف بما ذكرنا من صفات ،  (متسلحاً) بوعدين ــ بلفور ، والميعاد ــ  يرى فيهما الصكوك القانونية والربانية التي تثبت ملكتيه لما اغتصب ، يجب أن يكون الجهد الرئيسي في مقاومته جهداً عسكرياً خشنا ؛ يحوز الأولية وتخصص له القدرات وترفع من أمامه العقبات ، على أن يصاحب هذا الجهد الرئيسي جهدٌ ثانويٌ ممثلٌ بالمقاومة الشعبية التي تؤمن للعاملين في الجهد الرئيسي متطلبات وضروريات البقاء والتطور والتي في مجملها تشبه إلى حد كبير ما ذكرناه عندما تحدثنا عن الدور المطلوب من الحاضنة الشعبية لتقوم به قبالة حركات المقاومة ومجاهديها ، مضيفين لها بعض مما يمكن أن يكون جزءاً من أفعال وأعمال المقاومة الشعبية ، من مظاهرات واعتصامات وعصيانات مدنية ، الهدف منها تضييق الساحة على المحتل وفتح هوامش حركة أمام المقاومين لتسديد ضرباتهم للمحتل ، دفعاً به للخروج مما احتله واغتصبه ؛ ولو بالتدريج والقضم البطيء . ولا بد هنا من القول أنه يجب أن يكون هناك مستوىً عال من التنسيق والتفاعل بين العاملين في محور الجهد الرئيسي ــ المقاومة المسلحة ــ وبين العاملين على محور الجهد الثانوي ــ المقاومة الشعبية ــ حتى تكون الجهود كلها منصبة باتجاه هدف وغاية واحدة ، فلا تتشتت الجهود ولا تضيع التضحيات ، ومن لم تخرجه المظاهرات والخطابات ؛ ستخرجه النعوش والحمالات . 

كان هذا ما اتسع له المقال في هذا المجال ، على أمل أن تثير وجهة النظر هذه حفيظة ذوي الرأي والاختصاص ليدلي كل بدلوه وصولاً إلى المناسب من الخيارات والإجراءات .

عبد الله أمين 

07 12 2020


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023