من الركن الشديد إلى الركن الحديد

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

من الركن الشديد إلى الركن الحديد 

كيف السبيل ؟

أقامت حركات وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة في تاريخ 29 12 2020 مناورة شاملة حاكت تعامل مختلف صنوف القوات للتهديدات المتصورة في تقديرات المعلومات والعمليات على مختلف المحاور المتصور تقدم العدو عليها ؛ البرية منها والبحرية ، وفي هذا السياق ــــ كمراقبين عن بعد ـــــ نستطيع تصور أن قيادة المقاومة أرادت من هذه المناورات أن ترسل رسائل لمن يجب أن تصله الرسائل ، عدواً فيخشى وصديقاً فيطمئن ، مضافاً إلى تلك الرسائل مجموعة من الأهداف التعبوية والتي يتصور أنها من صنف الآتي من الأهداف : 

  1. فحص منظومة القيادة والسيطرة : فمن المهم قبل أن تقوم هذه القوات بالعمل على أهداف مشتركة أو الاجتماع في غرفة عمليات مركزية أو ميدانية مشتركة ؛ أن تقوم بفحص منظومة القيادة والسيطرة ( شبكة الأعصاب ) التي تجمع مختلف غرف العمليات الميدانية بالغرف أو الغرفة الأم المركزية ، كما تهدف قيادة المناورة المركزية إلى فحص هذه المنظومة التي تصل بينها وبين أصغر تشكيل مناورة على الأرض ، الأمر الذي يُفرد له جهات تراقبه وترصد كفاءة عمله لبسط البحث فيها عند التقييم في نهاية المناورة .
  2. فحص كفاءة وفاعلية منظومات النار ؛ القوسية والمباشرة : كما ترمي قيادة الفصائل المختلفة إلى فحص كفاءة وفاعلية منظومات النار ؛ المباشرة والقوسية ، المصفرة على أهدافها الحقيقية من خلال ، فحص كفاءتها وفاعليتها وقدرة تدميرها للأهداف الفرضية ، فكلما كانت الكفاءة والسلاسة في عمليات الإطلاق والمناورة على الأهداف أثناء سير المناورة التدريبية عالية ومضبوطة ؛ كانت قدرة تشغيلها وتفعيلها ــ منظومات النار ــ أثناء الحرب أو الإشتباك الحقيقي مع العدو جيدة وقابلة للإطمئنان لدى قادة الصنوف والتشكيلات . 
  3. فحص قدرة القوات على العمل المشترك : وحيث أن المشاركين في هذه المناورة من مختلف فصائل وتشكيلات المقاومة في غزة ، الأمر الذي يعني أن هذه القوات ليست على مستوى واحد من الكفاءة والخبرة ، الأمر الذي يعرض عديدها للخطر والمهلكة إن هم اشتركوا في عمليات قتالية حقيقية قبل التدرب الطويل والمناورة تلو المناورة مع بعضها البعض ، ليعرف كل منهم مكانه في المعركة والدور المطلوب منه ، فيرتفع منسوب الثقة بين هذه التشكيلات على كفاءة مقاتليها وقدراتهم ، فيركنوا مجتمعين إلى (ركن شديد) في ايام الحرب الحقيقية .  
  4. توحيد المفاهيم والمصطلحات بين مختلف قادة الصنوف والتشكيلات : كما أن هذه الفصائل وإن جمعتها جغرافيا واحدة ؛ إلا أنها من مدارس شتى ، في عمليات التدريب والتأهيل وتربية المقاتلين والكوادر ، الأمر الذي يعني وجود اختلاف في المصطلحات وما تعنيه من مضامين ، لذلك فإن هذه المناورات ومثيلاتها تهدف إلى توحيد المفاهيم والمصطلحات بين القادة في المستوى الأعلى والمقاتلين في المستوى الأدنى ، فلا يصدر أمر أو توجيه من أي مستوى من المستويات ، يُظن أن وحدات المناورة النارية أو البرية لا تفهم مضامينه وما يترتب عليه من إجراءات . 
  5. كشف نقاط قوة وضعف مختلف صنوف التشكيلات أثناء العمل على الأهداف الفرضية : كما أن أحد أهداف مثل هذه المناورات هو الوقوف على نقاط القوة والضعف في التشكيلات الصديقة ؛ من أعلى مستوى قيادي إلى أدنى مستوى مناور على الأرض ، ليعمل على تقوية وتعظيم نقاط القوة ومعالجة ما يمكن معالجته من نقاط الضعف ، أو العمل على تغطية مالا يمكن اصلاحه من تلك النقاط عن أعين العدو . وهنا لا بد لنا من أن نشير إلى أمر مهم يشكل أصلاً من أصول عمل المناورات العسكرية ألا وهو : أن هذه المناورات إنما تعقد بناء على : 
  6. على سيناريوهات متوقعة : وهنا تكون التقديرات المعلوماتية فيها قصور وعدم نضج وقلة في المعطيات ــــ لأسباب ذاتية أو موضوعية ــــ فتعمد القيادة إلى تصور سيناريوهات عمل معادية ، تفرضها بناءً على تجارب عمل سابقة للعدو أو بناءً على قراءتها التاريخية لطرق عمله أو لمعرفتها بما يملكه العدو عنها وعما تملك من قدرات ومعلومات ، فتفترض أن العدو سيعمل على ضرب هذه القدارت بناء على هذا النوع من السيناريوهات المتضمن مجموعة مراحل وإجراءات معينة ، فتشكل نفسها وجهاز دفاعها وعمليات هجومها لإبطال هذه السيناريوهات ، وهنا لابد للمناورة من أن تنجح أثناء التمرين ليقال أن القوات قادرة على التصدي للعدو إن هو عمل بناء على ما تم تصوره من سيناريوهات . 
  7. لكشف نقاط ضعف التشكيلات الصديقة : ولكن هناك مناورات أصل الهدف منها كشف نقاط ضعف التشكيلات الصديقة من أجل العمل على تقويتها وترميمها قبل أن تقع الحرب أو الاشتباك مع العدو ، مثل هذه المناورات حتى تحقق هدفها ــ كشف نقاط الضعف الذاتية ــ يجب عليها أن تفشل في التصدي للتهديدات المفترضة وطرق عمل العدو المتصورة ، كون فشلها يعني أن قيادة المناورة قد وضعت يدها بشكل دقيق على نقاط الضعف الحقيقية ، التي يجب أن يتم التركيز عليها في المستقبل لتقوى أو تستر عن أعين العدو .

كان هذا في المقدمة والأصول ، أما في أصل المقال ومضمون عنوانه ، وكيف يتحول هذا الــ (ركن الشديد ) إلى ( ركن من حديد ) فإن هذه المقالة مبنية على فرضية تقول : أننا ـ محور المقاومة بدوله وحركاته ــ مأمورون شرعاً وعقلاً بقتال أعدائنا كافّة كما يقاتلونا كافّة ، وأن عدونا الأول المتمثل في الكيان الغاصب لفلسطين ولأسباب موضوعية لا يمكن أن ينتصر في أي معركة تفتح فيها النار عليه من جبهات متعددة ، كونه يقاتل انطلاقاً من نظرية العمل على الخطوط الداخلية التي فرضتها عليه الجغرافيا ، وهنا مقتله ، وأننا إن قاتلنا كافة فإننا نقاتل إنطلاقاً من نظرية العمل على الخطوط الخارجية التي فرضها علينا تعدد الجغرافيات ؛ وهنا بعد توفيق الله نقطة ارتكاز نصرنا وظفرنا

فإن كانت هذه هي الفرضية ، فما هي السبيل لتحول الشديد إلى حديد ؟ 

  1. الاتفاق على القاسم المشترك الأعظم : إنّ أو ما هو مفروض ومتصور لعملية التحول تلك هو الاتفاق بين المعنيين بهذه المعركة وبالاشتباك مع ذاك العدو أن يجمعوا أمرهم ويتفقوا على القاسم المشترك الأعظم والأكبر الذي يلتقون عليه ألا وهو : فلسطين ؛ كل فلسطين ، فهي التي تجمع وهي التي تفرق ، ومن يحتلها يناصب الجميع العداء ويحشد في وجههم كل طاقاته وعلاقاته ، ليحول ضعفه وخوره إلى قوة ؛ذاتيه ومكتسبه ، فلا أقل ممن جمعتهم فلسطين وعداوة محتلها من أن يجتمعوا ويتوحدوا في هذه المعركة وفي وجه تلك العداوة . 
  2. تفهم وغض الطرف عن الخلافات البينية : إن من مسلمات الاجتماع على ذاك القاسم المشترك الأعظم ، أن يتفهم كل من أولائك المعنيين ، اختلافهم مع بعضهم البعض في ملفاتهم القطرية والذاتية الخاصة ، فإن لم يكن هناك مجال في تغيير وجهات النظر والقناعات وزوايا المشاهدة والتعامل مع تلك القضايا ، فلا أقل من التفهم وغض الطرف غير المخل ، وتحويل تناقضاتهم البينية باتجاه التناقض الرئيسي الذي يمثله ذاك العدو المحتل ، فإن فرغوا منه ؛ فلكل  حادث حديث وستجمع فلسطين ما فرقه سواها . 
  3. تقاسم الهدف : وبعد التفاهم والتفهم ، يأتي دور تقاسم العمل على الهدف الأعظم الذي اجتمعوا عليه ــــ تحرير فلسطين ـــــ فنحن في عصر ضيّق فيه أعداؤنا الدنيا علينا ، فشحت الموارد وكادت أن تنضب ، ولا يستقيم أن تُكرر الجهود وتُنفق المقدرات والموارد على الهدف الواحد ، فيجب أن يعّرف لكل شريك من أولائك الشركاء مربع عمل ومنطقة مسؤولية وهدف يعمل على تحقيقه ومسار في داخل المحور الرئيسي المتجه إلى فلسطين ، فنخرج من معضلة تكرار الجهود وتبذير المقدرات والتصادم أثناء الحركة والإجراءات . 
  4. تخصيص القدرات : وعندما يتم تقسيم الهدف الكلي إلى أهداف جزئية ومحور الجهد الرئيسي إلى مسارات داخلية ، يسهل تخصيص القدرات ، على المستوى الكلي في الحركات ، والداخلي لكل جماعة من الجماعات ، فتُستثمر الطاقات والقدرات أفضل استمثار وتؤتي أكلها في أحسن الحالات . 
  5. تكامل التجارب والخبرات : وكما أن المعنيين من جغرافيات شتى ومدارس متفرقة ، فعند كل منهم من العلوم والمعارف والتجارب والخبرات ؛ ما لو وضعت كلها على صعيد واحد ؛ لعضد وقوّى بعضها بعضاً ، ولرفع إشكال بعضها ما لدى الآخر من مشاكل ، ولاختصرت الأوقات والجهود ، فنوفر المجهود ، للعبور به عبر الحدود . 
  6. تحمل الأكلاف والتبعات : وهنا يأتي دور تحمل الأكلاف والتبعات عن هذا العمل وتلك المهمات ، فلا تلين الجبهات ولا تضعف القنوات تحت ضغط الأعداء والعداوات ، فمثل هذا التوجه ومثل هذا المسار ؛ سيتعرض إلى أشد الضغوط والمضايقات ، وستوضع في طريقه الكثير من العقبات والمطبات ، لن يُنجى منها إلا بالتمسك بالكليات والاستراتيجيات والبعد عن الخلافات والمناكفات . 
  7. المتابعة والإشراف : ولتنمو هذه الثمرة وتحلو شكلاً وطعماً ، وتحمل في طياتها عناصر القوة والطاقة ؛ لا بد لها من رعاية ومتابعة وسهر وإشراف ، حتى لا يعدو عليها العادون ، أو ينخر فيها السوس ، فتفسد وتلين وتقع على الأرض قبل أن تنضج ويحين الحين . 

هل أنا في عالم الشهود ،  أم أحلم مع الحالمين ؟ 

عبد الله أمين 

31 12 2020

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023