عودة الفلسطينيين
بقلم: ناصر ناصر
22-1-2021
أطلق توافق الفلسطينيين على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بالتوالي والترابط كمدخل -ممكن ومتوفر، ولكنه ليس الأفضل – لإنهاء الانقسام المدمّر، وما تبع ذلك من مراسيم رئاسية.
أطلق هذا المسار ما يبدو كبداية عهد فلسطيني جديد لا يخلو من مخاطر حقيقية، وخاصة في حال انتكاسه، ولكنه قد يشكّل فرصة حقيقية تستحق من جميع الوطنيين والأحرار العمل الجادّ والمخلص؛ لإنتهازها وتحويلها إلى نتائج ملموسة يشهدها الفلسطينيون بعد سنوات من الانقسام البغيض، وذلك على طريق عودتهم المنتظرة موحدّين؛ لخوض معارك النضال بكافة أشكاله ضد الاحتلال والاستيطان ، وإلا فإن البديل شبه الوحيد هو بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه.
لا يعتبر كاتب هذه السطور نفسه من الواهمين أو المفرطين في التفاؤل أو بالعامية الفلسطينية ( أهبل )، بل داعية لاقتناص كل فرصة مهما كانت محدودة أو ضئيلة؛ لوقف نزيف الشعب الفلسطيني المتدفق هباء؛ بسبب الانقسام وفي ظل احتلال، خاصة إذا لم تكن هذه الفرصة تعني التخلي عن أهداف وآمال وطموحات وثوابت شعبنا التي ناضل من أجلها طوال عقود، فخوض غمار المصالحة من خلال الانتخابات مهمّة شاقّة لا يقتحمها إلا صنديد يجدّف عكس التيار المندفع بقوة انتكاسات المصالحة السابقة وتآمرٍ إقليميٍ لا يخفى، وممارسات السلطة الخاطئة، وألاعيب رجالها المرتجفة من العازمين على عدم إضاعة أي فرصة، وهو بهذا يدرك أن من قال " هلكت المصالحة ، فهو أهلكها ".
كثيرة هي الأسئلة التي تجتاح المخلصين من أبناء شعبنا حول مدى، وإمكانيات نجاح هذه المحاولة " الألف " لإنهاء الانقسام: هل أبو مازن جادّ هذه المرة في عقد انتخابات حرة ونزيهة ؟ هل هو جادّ في تسليم السلطة للفائزين
؟ كيف ستجري انتخابات في ظل احتلال؟
ما هي الضمانات لنزاهة هذه الانتخابات؟
هل .. وهل .. وكيف .. ولماذا ؟ قائمة طويلة من الاسئلة قد لا يمتلك " الخبير " الإجابة على بعضها كعادة القادة قبيل خوض الملاحم المصيرية، مما يدعو أحيانا " المحتاط "؛ لسد الذرائع وإغلاق باب ريحها ليرتاح وما هو كذلك، لكنها لا تردع الفلسطيني المقتحم عن خوض غمارها " ادخلوا عليهم الباب " طالما تسّلح بالعزم والذكاء والارادة الصلبة والقدرة على القيادة " في الأثناء " ، ووفقا للمواقف والتطورات المتسارعة " في اتخاذ القرارات في أوضاع عدم الوضوح " .
لأننا ما زلنا تحت نير احتلال استيطاني غاشم؛ ولأننا ما زلنا في خضم معركة تحررٍ وطني ولأن الانتخابات هذه تحديداً هي مدخلاً اضطرارياً لتوحيد الجهود ورصّ الصفوف والمصالحة الوطنية، كان لا بد أن نلوذ الى ركن تخفيف الاحتقانات وتسطيح المنحنيات الحادة التي سببها الانقسام الطويل من خلال رفع مستوى التوافقات قدر الامكان ، وتخفيض مستوى التنافس إلى أبعد حد، والتوافق قبل الانتخابات على ما يشبه خارطة طريق تتضمن شكل وأدوات وأهداف المرحلة أثناء وبعد الانتخابات، لإضافة مبدأ التمثيل النسبي الذي يضمن إلى حد بعيد شراكة وطنية واسعة لا يستطيع فيها معسكر واحد الحكم وحده حتى ولو أراد، هذه هي الصيغة الأمثل لحالتنا الفلسطينية المعقدة .
فلماذا الانتخابات طالما توافقنا؟ لأن تعزيز نهج الانتخابات وبناء وترسيخ الثقافة الديموقراطية أمر هام وضروري؛ ولأن الانتخابات لا تعني المكاسرة أو الإقصاء أو المفاصلة، وكذلك من أجل إعطاء الشرعية الشعبية والانتخابية لما تم من توافقات، ولأن التوافق لا يعني التماثل والتجانس الكامل، حيث ستبقى الكثير من القضايا الهامة محل خلاف وتنازع .
هكذا إذن يعود الفلسطينيون لأنفسهم كمقدمة ضرورية للعودة إلى ديارهم التي أخرجوا منها بقوة الاستيطان .