المحكمة الجنائية، المقاومة الشعبية، شهداء لقمة العيش، هدم منازل الفلسطينيين، اعتداءات المستوطنين، ...، مفردات وعناوين تتردد كثيرًا في الإعلام الفلسطيني، أما الحدثان اللذان حظيا بالصدارة في الأيام الأخيرة، فهما: نجاح حوارات القاهرة في الوصول إلى بيان ختامي يؤكد التصميم على الاستمرار في مسيرة ترتيب البيت الفلسطيني، وانتخاباته المختلفة، وإعلان المحكمة الجنائية الدولية اختصاصها بالولاية القضائية على فلسطين.
وفي المقابل غطى خبر الانفجار المدوي وتطاير شظايا حجارة منزل الأسير/ "محمد قبها" في قرية طورة غربي جنين على كل الأصوات الأخرى في المكان لضخامته وبشاعته، لكنه لم يستطع أن ينال الصدارة في تغطية وسائل الإعلام كما كان وقع الحدث على أهل تلك القرية والعائلة الفلسطينية الصامدة.
محمد قبها أسير فلسطيني اعتقل قبل أشهر بتهمة قتل مستوطنة صهيونية في أحراش أم الريحان القريبة من القرية؛ حيث كانت المستوطنة ومن خلفها المستوطنون الطارئون على هذه الأرض وحكومتهم، يدعون أنهم أصحاب تلك الغابة الحرجية في المنطقة الريفية الأجمل في فلسطين؛ ليُزوِّروا بذلك تاريخًا خطه الفلسطينيون والعرب والمسلمون منذ آلاف السنين، وما الشهيد القائد المجاهد السوري/ "عز الدين القسام" إلا أحد الشاهدين بدمائهم على أحقية تلك البقعة من الأرض لأصحابها الأصليين حين سطر أروع صور البطولة في هذه المنطقة "أحراش يعبد".
وقد جاء مقتل المستوطنة كما ذكرت وسائل الإعلام العبرية يومها ردًا على استشهاد الأسير الفلسطيني/ "كمال أبو وعر" أحد القادة العسكريين في انتفاضة الأقصى، والذي استشهد قبل أشهر في سجون الاحتلال بعد إصابته بالسرطان خلف قضبان الأسر.
لم يكن هذا الخبر الوحيد الذي مر عنه الإعلام سريعًا في الأيام الأخيرة، فكذلك كان خبر استشهاد فلسطينيين دهسًا من قبل المستوطنين الصهاينة وهم يسعون لجلب قوت أبنائهم، وهم الشهيدين: بلال بواطنة من مدينة البيرة، وعزام عامر من كفر قليل قرب نابلس.
هذه المشاهد الفلسطينية المتكررة لم ترو لنا الفصائل الفلسطينية المجتمعة في القاهرة بعد ما هو برنامجها النضالي العملي والواقعي؛ لمواجهتها، وكيف ستدافع عن المقاومين وصمود أهاليهم وعائلاتهم والوقوف في وجه عربدات المستوطنين، فالفصائل الآن على المحك وهي تطلق وعودها، بعد أن أعلنت أن مرجعية أي انتخابات قادمة هي وثيقة الوفاق الوطني، ومخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية.
فوثيقة الوفاق أكدت على وجوب دعم المقاومة الشعبية والنضال الفلسطيني؛ لنيل حقوقه المشروعة، وحتى تثبت الفصائل جديتها عمليًا في إنهاء الانقسام، عليها أن تسارع في البحث عما يوحد الشعب الفلسطيني ويلامس همومه اليومية ويعيد الروح المعنوية لجماهيره، وذلك من خلال البدء الفوري في تكريس الدعاية الانتخابية؛ لدعم ما من شأنه أن يعزز جبهة المقاومة الشعبية في وجه الاحتلال والاستيطان.
وأما السؤال الآخر والمطلوب من الفصائل الإجابة عنه هو: ماهية الخطوط العامة القادمة والآليات التنفيذية للاستفادة من الإنجاز الذي تغنى به الفلسطينيون في المحكمة الجنائية الدولية؟، فمن المرفوض أن يبقى الجمود عند الاحتفال بهذا الموقف، والاكتفاء بالقول بأن الاحتلال في حرج كبير، فحتى لو كنا كفلسطينيين لا نعول كثيرًا على القانون الدولي ومحاكمه أن تحرر لنا أرضًا أو تدافع عن حقوقنا المسلوبة، لكنها بوابة قانونية دولية ودبلوماسية سلمية لا تختلف عليها التيارات والفصائل الفلسطينية مجتمعة، فما من شك أن أي فعل دبلوماسي وقانوني ممنهج سيزعج الاحتلال.
الكيان الصهيوني لا يترك بوابة ولا فرصة إلا ويحاول تشويه الرواية الأصيلة للشعب الفلسطيني ونكبته التي سلبت حقوقه الوطنية وهو يسعى؛ لمحاكمة ومعاقبة من يصف الصهيونية بالعنصرية، ويسارع باتهامه باللاسامية، وكذلك كل من يحاول التشكيك في حجم الجريمة النازية بحق اليهود، فليس من المعقول بالمقابل ألا نسعى لدفع عجلة ملاحقة الاحتلال بعد أن أصبحت إمكانية بدء التحقيق وإصدار مذكرات الاعتقال للقادة الصهاينة أمرًا في متناول اليد، فالمنتظر الآن ومباشرةً أن يبدأ السعي الحثيث لتقديم كل ما يلزم لهذا المنبر القضائي الدولي.
مع علمنا أن إمكانيات إفلات الاحتلال وتملصه من المحكمة والعقوبة هو الراجح في النهاية، لكن ذلك لن يكون إلا بعد المزيد من فضح الرواية الصهيونية الكاذبة للعالم وانكشاف سوءة الكيان الغاصب أكثر، وهو الأمر الذي يجعل الاحتلال أكثر ارتباكًا وتحسبًا وهو يرتكب جرائمه، ولعل تلك الإجراءات تلجم شيئًا من عدوانه، فمعركتنا تحتاج إلى تراكم وتجميع للنقاط حتى تتحقق المعادلة الصفرية لصالحنا.
ويبقى الأمل معقود على نجاح إعادة بناء البيت الفلسطيني ومنظمة التحرير، مما سيجعل إمكانية نجاح كل أساليب النضال الفلسطينية أكثر واقعيةً وتأثيرًا ومصداقيةً.