هل يُحرك "كورونا" مياه "التبادل" الراكدة بين ( إسرائيل ) وحماس؟
وكالة الاناضول
خبراء يرون أن مبادرة "السنوار" بشأن الأسرى الإسرائيليين في غزة في ظل جائحة كورونا، كانت مثابة إلقاء حجرٍ في مياه التبادل الراكدة منذ سنوات، ما يفتح الباب أمام إمكانية عقد صفقة "مُصغرة"، سيما بعد اتفاق تشكيل الحكومة الإسرائيلية
حماس: مبادرة "السنوار" ما زالت قائمة والكرة في ملعب إسرائيل
يرى خبراء بالشأن الفلسطيني الإسرائيلي أن مبادرة قائد حركة حماس في غزة "يحيى السنوار" بشأن الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى الحركة، كانت مثابة إلقاء حجرٍ في مياه التبادل الراكدة منذ ست سنوات، ما يفتح الباب أمام إمكانية عقد صفقة "مُصغرة"، سيما بعد اتفاق نتنياهو – غانتس على تشكيل حكومة طوارئ إسرائيلية.
وأطلق السنوار مبادرة "إنسانية" في ظل أزمة كورونا، أعلن فيها استعداد حركته لتقديم "تنازل جزئي" في موضوع الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها.
وقال السنوار، في تصريحات متلفزة في 2 أبريل/ نيسان الجاري "يمكننا أن نُقدم تنازلاً جزئياً في موضوع الجنود الأسرى لدينا، مقابل إفراج ( إسرائيل ) عن كبار السنّ والمرضى من الأسرى كمبادرة إنسانية في ظل أزمة كورونا".
وتحتفظ كتائب القسام (الجناح المسلح لحركة حماس) بأربعة إسرائيليين، اثنان منهم، أُسرا خلال الحرب الإسرائيلية على غزة صيف عام 2014 (دون الإفصاح عن مصيرهما أو وضعهما الصحي)، في حين دخل الاثنان الآخران غزة في ظروف غير واضحة خلال السنوات الماضية.
شروط حماس
في السياق ذاته، أكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية "وجود أربعة جنود إسرائيليين أسرى لدى كتائب القسام"، مُعلناً استعداد حركته "لجولة مفاوضات غير مباشرة لإجراء صفقة تبادل، في ظل الوضع الإنساني".
وحدّد هنية - خلال مقابلة متلفزة بتاريخ 17 أبريل – شروط حركته للخوض في عملية تفاوضية جديدة، متمثلة في إفراج إسرائيل عن كبار السنّ من الأسرى، والمرضى، والأطفال، والنساء، إلى جانب الأشخاص الذين أعادت تل أبيب اعتقالهم، بعد تحريرهم خلال صفقة "شاليط" ( عام 2011).
وكشف هنية عن اتصالات وسيطة تلقتها حركته؛ للاستيضاح حول "الآفاق التي يمكن التحرك بشأنها"، مضيفاً "عرضنا ما يمكن أن يشكل مفتاحاً حقيقياً لهذه المسألة".
قضية حاضرة
في هذا الصدد، قال المتحدث الرسمي باسم حركة حماس، حازم قاسم إن حركته "تضع قضية الأسرى على سلّم أولوياتها واهتماماتها، وهم حاضرون على الدوام في الفعل السياسي للحركة".
وبرّر "قاسم"، في تصريح خاص لوكالة الأناضول إطلاق المبادرة في هذا التوقيت بالقول إن انتشار جائحة كورونا وتداعياتها على مستوى العالم - ومن ضمنهم الأسرى في سجون الاحتلال- كان دافعاً أساسياً لإطلاق المبادرة وتحريك هذا الملف؛ "انطلاقاً من المسؤولية الإنسانية تجاه الأسرى".
وأكد أن حماس سيكون لها "موقف إيجابي تجاه أي خطوة أو تطبيق تقوم به (إسرائيل) في هذا الملف"، مضيفاً "سندرس خطواتنا في حال طبّق الاحتلال ما هو مطلوب منه".
إعادة تموضع
وطوال ست سنوات مضت، ظلت قضية الجنود الأسرى تراوح مكانها، في ظل إصرار حماس على الإفراج عن قرابة 60 أسيراً من مُحرري "صفقة شاليط" (2011)، أعادت إسرائيل اعتقالهم عام 2014، كشرط مُسبق قبل الشروع في مفاوضات تبادل جديدة.
ويرى الكاتب المختص في الشأن الإسرائيلي "عدنان أبو عامر" أن أزمة فيروس كورونا منحت كلاً من حماس وإسرائيل "فرصة للنزول عن الشجرة"، فيما يتعلق بشروط كل طرف من أجل عقد صفقة تبادل، لذلك جاءت مبادرة السنوار "بأهداف إنسانية بالدرجة الأولى".
وفي حديث خاص لوكالة الأناضول، قال "أبو عامر" إن هناك "إعادة تموضع في مطالب حركة حماس، في محاولة لإحداث حلحلة في الملف المغلق منذ ست سنوات، في ظل تعنّت إسرائيل عن إبداء تجاوبٍ بحجة عدم وضوح مصير الجنود الأسرى".
وتوقع "أبو عامر" أن تُقدّم حماس–في حال حدوث اتفاق– معلوماتٍ حول الجنود الإسرائيليين، مقابل سماح إسرائيل بإدخال مساعدات إنسانية في ظل أزمة كورونا، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين المرضى وكبار السن والأطفال والنساء.
وحول شرط حماس بالإفراج عن أسرى صفقة "شاليط"، أوضح "أبو عامر" أنه برغم "التحفظ الأمني" لإسرائيل على هذا الأمر، إلا أنه "لن يبقى عائقاً أمام تحقيق صفقة تبادل، وسيتم التوصل إلى صيغة ما بشأنه خلال المفاوضات غير المباشرة".
استعداد للحوار
ورداً على مبادرة السنوار، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى "البدء بحوار فوري من خلال الوسطاء" مع حماس لاستعادة الجنود الإسرائيليين في غزة.
وجاء في بيان (غير مسبوق) صدر عن مكتب نتنياهو بتاريخ 7 أبريل/نيسان الجاري، أن "منسق شؤون الأسرى والمفقودين، وطاقمه، مستعدون للعمل بشكل بنّاء من أجل استعادة القتلى والمفقودين، وإغلاق هذا الملف".
وردا على ذلك، قال "حازم قاسم" إن مبادرة حركته "ما زالت قائمة، وندرس تفاعل الأطراف المختلفة معها، سواء إسرائيل أو الوسطاء، ثم نقيّم الموقف في ضوء هذا التفاعل والاستجابة"، مُعلناً ترحيب حماس بأية وساطة جادّة قادرة على متابعة المبادرة وتطبيقها.
وتابع قاسم "الكرة الآن في ملعب حكومة (إسرائيل) بأن تتخذ خطوات جدّية، مضيفاً إن اتفاق تشكيل الحكومة الإسرائيلية بين نتنياهو وغانتس لا يعني حركته، بقدر ما يعنيها الموقف الفعلي بإقدام إسرائيل على خطوات جدية بخصوص التبادل".
وبالخصوص، أشار "عدنان أبو عامر" إلى أنها المرة الأولى التي يتحدث فيها نتنياهو إعلامياً بهذا الوضوح في الرغبة بالدخول في مفاوضات، مُعللاً ذلك بسعي نتنياهو لاستثمار الفرصة للنزول عن سقف تعنته؛ ولإشعار الرأي العام الداخلي وعائلات الجنود باهتمامه بهذه القضية.
واستدرك بالقول إن "الطريق ليست مُعبّدة أمام إحداث تقدم في هذا الملف وصولاً إلى صفقة شاملة، لأن الفجوات ما زالت واسعة وكبيرة بين الجانبين"، متوقعاً أن يحاول كل طرف تسجيل النقاط، وصولاً إلى مفاوضات جدية عبر وسطاء إقليميين أو دوليين.
شبّاك فرص
وفي 3 أبريل/نيسان الجاري، ذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن عسكريين وسياسيين إسرائيليين قدّروا بأن أزمة كورونا فتحت "شبّاك فرص" للتقدم في صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس.
ونقلت الصحيفة عن مصادر خاصة أن الأجهزة الأمنية والسياسية الإسرائيلية عقدت "اجتماعات مهمة" حول القضية مع مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الأمن، مشيرة إلى أن الفكرة الأساسية هي محاولة التقدم في ملف الأسرى عبر "رزمة مساعدات إنسانية لقطاع غزة، ومبادرات أخرى".
وفي السياق، يعتقد أستاذ العلوم السياسية "عبد الستار قاسم" أن الحكومة الإسرائيلية ليست متحمسة بعد لعقد صفقة تبادل، بالرغم من الموقف المُرحّب من قبل مكتب نتنياهو، على اعتبار أن الأخير "لا يريد منح صفقة ناجحة لحماس في هذا التوقيت".
وقال "قاسم"، في حديث للأناضول، إنه "من المبكر القول إن الصفقة باتت وشيكة؛ فالتفاصيل المطروحة كثيرة ومعقدة، وستستغرق وقتاً طويلاً، كما أن حماس لم تتنازل عن شرط الإفراج عن أسرى صفقة "شاليط"، مستدركاً أنه "لا مفر أمام إسرائيل إلا التبادل".
فرصة مُهيأة
وشكّلت الظروف السياسية المُضطربة في إسرائيل، وعدم تمكّن الفرقاء من تشكيل حكومة خلال العامين الماضيين، عائقاً إضافياً أمام إقدام "نتنياهو" على عقد صفقة تبادل مع حماس قد تضر بمستقبله السياسي.
لكن الكاتب المختص في الشأن الإسرائيلي "محمود مرداوي"، يرى أن الطريق ممهدة حالياً لعقد صفقة تبادل، عقب الاتفاق بين بنيامين نتنياهو وبيني غانتس على تشكيل حكومة طوارئ في إسرائيل.
واعتبر "مرداوي"، في حديث لوكالة الأناضول، أن الفيصل في ذلك هو مدى جدية نتنياهو وإرادته السياسية في الإقدام على خطوة كهذه، في حال اعتقد بأنها ستُعزز من مكانته السياسية.
ومما يزيد من فرص نجاح الاتفاق – بحسب مرداوي- هو وجود "جنرالات الجيش" من حزب أبيض أزرق كشركاء جدد لنتنياهو في الحكومة المزمع تشكيلها، والذين يعتبرون أكثر الجهات تعاطياً مع صفقات التبادل، وعدم ممانعتهم لها في حال عجزوا عن استعادة جنودهم بالقوة العسكرية.
ويرى مرداوي بأن هناك "إرادة سياسية لدى إسرائيل وحماس بعقد صفقة تبادل؛ لأن اللعب على عامل الوقت لم يعد يخدم أحداً، ولابد من التفاوض وإنهاء الملف".
وختم بالقول إن "مصر تنتظر فرصة كهذه للدخول بوساطة في هذا الملف الشائك والمعقد، وستدخل بكل قوة وإلحاح لإنجاز صفقة تحت رعايتها، ولن تسمح لأي طرف بالتلكؤ".