احتجاجات البدو الفلسطينيين في النقب والمستمرة منذ عدة أيام هي احتجاجات منطقية وطبيعية وليست مفاجئة إلا لمن أراد أن يدفن رأسه في تراب الظلم والبغي والعنصرية، وعلى رأسهم قادة دولة الاحتلال، فالبدو الفلسطينيين تعرضوا وما زالوا يتعرضون لأسوأ أنواع التمييز والظلم والعنصرية، وقد كانوا هذه المرة ضحية أيضا للمناكفات السياسية الضيقة في إسرائيل؛ حيث أراد الوزير اليميني من حزب "يوجد مستقبل "زئيف ألكين تحسين صورته التي يعتقد أنها تضررت في أوساط قواعده من اليمين؛ بسبب موافقته على قانون الكهرباء الذي اعتبره معظم اليمين كخضوع للمطالب العربية التي مثلتها القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس، فهل ستستمر هذه الاحتجاجات؟ وهل ستتحول فعلاً الى تهديد استراتيجي على الحكومة والدولة في اسرائيل ؟
قد يكون سؤال زيادة وتيرة هذه الاحتجاجات وتحولها الى ما يشبه انتفاضة عربية في الجنوب مرتبطٌ بوضوح مع مسألة استمرار هذه الأحداث، فاحتمالية الاستمرار بوتيرة منخفضة نسبياً ويمكن لإسرائيل السيطرة والتعايش معها هي واردة، أمّا ارتفاع وتيرتها بصورة كبيرة فهو محتمل أيضاً ولكن لوقت محدود، ولكنّ المرجح أن لا تستمر هذه الاحتجاجات لفترة طويلة وقد يكون الأسبوع القادم حاسماً بهذا الصدد، ولكنها حتماً ستترك آثاراً استراتيجية وبعيدة المدى على العلاقة بين البدو الفلسطينيين ودولة الاحتلال، وتحديداً في مجال تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية في أوساط بدو الجنوب أي أن تأثيراتها وتداعياتها ستكون تراكمية وتضيف جوهرياً على ما تم في معركة سيف القدس، ومن جهة أخرى فإن مصلحة الأطراف الرئيسية حتى الآن هي التوصل لحلول معينة، ومن المرجح أيضاً ان تندلع شرارة الانتفاضة أو الأحداث ذات الوتيرة المرتفعة من غزة؛ وبسبب قضايا رئيسية أكبر كالقدس والأسرى والحصار .
يتعلق سؤال التهديد الاستراتيجي بأشكاله المختلفة ومن أهمها :سقوط الحكومة، أو/و انتفاضة واسعة، أو/و تعميق الفجوة أو العداء بين الدولة والبدو، يتعلق الأمر بأربعة عوامل :
أولا: السبب العام وهو العقلية اليهودية الصهيونية التي تتعامل مع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر كخطر أمني وليس كأقلية لها حقوق، مما يبرر سياسات الظلم والتمييز والعنصرية اتجاههم، كما أن عقيدة الأمن القومي الاسرائيلي تتعامل مع كثير من التهديدات كخطر أمني وجودي على الدولة أو ما يُعرف ب "فوبيا زوال الدولة"، هذا السبب يدفع باتجاه استمرار وتعزيز الاحتجاجات .
ثانيا: هشاشة حكومة بينت-لبيد تجعل من كل حادثة بسيطة نسبياً كحدث كبير له تداعيات استراتيجية، وطالما استمرت الحكومة هكذا، -ومن الواضح أنها ستستمر- فستبقى مسألة التهديدات الاستراتيجية على سلامة واستمرار الحكومة قائمة وتتكرر .
يُشار إلى أن رئيس الحكومة نفتالي بينت تجنب حتى الآن التدخل في حل المشكلة، حتى لا يخسر سياسياً فهو عملياً أما فخ سياسي، يخسر بدخوله على كافة الاحتمالات، أما عن عدم تدخله بهذه المسأله فهو موقف غير مسؤول من رئيس حكومة .
ثالثاً: تزايد الوعي السياسي والوطني لدى البدو في النقب يزيد من احتمالات تحول مشاكلهم لتهديد استراتيجي على الحكومة والدولة، ويظهر هذا الوعي من خلال نسب التعليم الآخذة في الارتفاع بين الفلسطينيين البدو في الجنوب اضافة للشعارات التي رفعت أثناء الاحتجاجات، وكذلك تقديرات الأجهزة الأمنية بأن زيادة العلاقات الاجتماعية الطبيعية بين البدو واخوانهم الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية وتحديداً من خلال الزواج قد أدى لزيادة التوجهات الوطنية في أوساط البدو، حيث تعتقد أجهزة الأمن الاسرائيلية بأن من يقود هذه الاحتجاجات هم من أبناء الفلسطينيات من جنوب الخليل وغزة .
رابعاً: تتعدد الأطراف السياسية والاجتماعية المعنية باستمرار التوتر وتصاعده بين الفلسطينيين عموما والبدو خصوصاً وبين الدولة والحكومة، ومن أهم هذه الأطراف :
أ- الليكود برئاسة نتنياهو وبمشاركة من بن غفير وسموترتش، فالتوتر يرفع من احتمالية تفجير وتفكيك الحكومة، وقضية النقب حساسة للقائمة العربية الموحدة بشكل خاص، وقد قيل في الآونة الأخيرة بان نتنياهو أصبح "وكيلاً للفوضى" في اسرائيل لأسبابه الشخصية السياسية .
ب- القائمة العربية المشتركة فهي أيضاً معنية بسقوط الحكومة وتنتهز كل فرصة لهذا اضافة الى أن التوتر يعزز من توجهاتها الوطنية ويؤدي الى اسقاط مشروع القائمة العربية الموحدة.
ت- الحركة الاسلامية الشمالية برئاسة الشيخ رائد صلاح وبإدارة الشيخ كمال الخطيب، والتي ترى في التوتر والنضال الفلسطيني ضد الدولة نمطاً رئيسياً وطبيعياً من أنماط العلاقة بين الفلسطينيين في الداخل وبين دول ومؤسسات الاحتلال العنصرية.
خلاصة القول: فإن الاحداث الاخيرة في النقب شكلت تهديداً استراتيجياً على الحكومة والدولة في كل الأحوال؛ بل إنّ هذا التهديد قد تحول فعلاً الى واقع ملموس في بعض أشكاله، مثل: زيادة الفجوة والعداء بين الفلسطينيين واليهود داخل الخط الأخضر كما أنّه راكم اكثر في اتجاه تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية، وزيادة احتماليات مشاركة الفلسطينيين والبدو في الداخل وبشكل فاعل بأي مواجهة مستقبلية كما حدث في سيف القدس، وقد يؤدي الأمر لسقوط الحكومة ومعها مشروع منصور عباس للتعايش مع دولة اليهود.
أمّا المطلوب فلسطينياً فهو وقوف الشعب الفلسطيني وفي كافة أماكن تواجده مع اخوانه في النقب بصورة أكثر فاعلية؛ لدعمهم في مطالبهم العادلة وصمودهم أمام العنصرية الاسرائيلية وذلك من كافة النواحي المعنوية والمادية الإعلامية والسياسية.
لتحميل المقال PDF:
هل تتحول احتجاجات النقب لتهديد استراتيجي على إسرائيل؟