بقلم: ناصر ناصر
يكفي أن تقرأ مقالة يوسي فيرتر أو رفيت هاكت، في هآرتس 12-4-2022، وهما كاتبان يساريان مؤيدان لما يُسمى بحل الدولتين، والذي بدأ غانتس، بالتسويق له كحل كيانين: الأول إسرائيلي كامل السيادة، والثاني فلسطيني منقوص السيادة، وأقرب إلى الحكم الذاتي، يمكن للمنسقين الأمنيين في المقاطعة في رام الله، أن يتعايشوا معه.
أقول يكفي أن تقرأ ما كتباه، حول تصريحات أيمن عودة، في باب العامود في القدس أمس، ودعوته لفلسطينيي داخل الخط الأخضر، بعدم الخدمة في قوات الأمن، العاملة في المناطق المحــ ـتلة عام 67، بما فيها القدس، لتدرك حجم الإنزياح الاسرائيلي نحو اليمين والتطرف والعنصرية؛ ومدى تعاسة من يدعون إلى التعايش والتسويات، مع الاحــ ـتلال الغاشم.
ماذا قال أيمن عودة، حتى يغضب منه يسار "إسرائيل" المتهالك؟ وقد أوضح هو بنفسه، ما كان واضحاً منذ البداية، وهو دعوته لبعض الفلسطينيين، الذين رضوا أن يخدموا في أجهزة أمن "إسرائيل"، إلى عدم الخدمة في القدس، لم يدعُ الى عدم الخدمة في أجهزة الأمن الإسرائيلية، بشكل كامل بل في مناطق 67، وهي دعوة تنسجم إلى حد كبير، مع مواقف مَن يؤمن بحل الدولتين، ولكن دعوة عودة، هذه، لا يوافق عليها معظم الفلسطينيين في الداخل المحــ ـتل عام 1948، والذين يرفضون مبدأ العمل والخدمة، في قوات الأمن الإسرائيلي، أما إن كان احتجاج "إسرائيل" على عودة، نابعاً من أسلوبه وطريقة خطابه الحمــ ـاسية، وهي بلا شك، طريقة محبوبة لجمهور الفلسطينيين في الداخل المحــ ـتل، ولكنها مرفوضة من قبل الصهــ ـاينة المحــ ـتلين .
هل نسي الصهــ ـاينة مواقف أيمن عودة، القريبة منهم والبعيدة عن الإجماع الفلسطيني، عندما كان أول من تخطى الحدود، وأعلن نية جبهته (الجبــ ـهة الديموقراطية للسلام والمساواة)، تشكيل "كتلة مانعة"، لخدمة اليسار؛ في حال التزمت حكومته بالسلام والمساواة، بل وأكثر من ذلك، أعلن في آب 2018، استعداده وفي سابقةٍ قد تكون مهدت الطريق لكارثة، مشاركة "القائمة الموحدة"، في الإئتلاف الحكومي، استعداده لدخول ائتلاف حكومي برئاسة الوسط-يسار، بل قامت قائمته المشتركة أيضاً، بالتوصية على رئيس الأركان السابق بيني غانتس، بتشكيل الحكومة مقابل مطالب مدنية، ومع ذلك رفض غانتس، التعهد بتلبية مطالب القائمة المشتركة، كيف لا؟ وتهمة التعاون مع الفلسطينيين العرب، وتحديداً من القائمة المشتركة، التي تخطت الحدود في مرونتها، تكفي لإسقاط حكومات وأحزاب في "إسرائيل" الآخذة بالتطرف.
لماذا إذن قام يوسي فيرتر، الناطق غير الرسمي باسم أجزاء واسعة من الوسط-يسار، في "إسرائيل" بإدانة أيمن عودة، بل ووصفه "بالمتطرف" (كتسوني نولاد)، وشبهه "بعديم الأصل" أيضاً، ايتمار بن غفير، وفيرتر يعلم في قرارة نفسه على الأرجح، أن عودة ليس متطرفاً كما قال، أم أنها طريقة اليسار، لتقديم خدمة مجانية لمنصور عباس، المشارك بالإئتلاف الحكومي، من خلال وصفه بالناضج والمعتدل، والذي يتمتع بحس المسؤولية، أو بالأحرى خدمةً لتصور "إسرائيل" بيمينها ويسارها للعربي الجيد، أم أن فيرتر أراد الضغط على المشتركة، لعدم مشاركتها في الإئتلاف الحكومي العجيب؛ الذي يضم: يمين، يسار، جنوب، وعلى كل حال فإن الهجوم على أيمن عودة، قد قدم له خدمة مجانية، وزاد من أسهمه في أوساط الجماهير العربية.
إنّ الإيجابي في تصريحات عودة أنها أظهرت بأن الطريق الى قلوب الفلسطينيين في الداخل تمر عبر قضيتهم الوطنية وفي قلبها القدس وليس عبر الفتات أو رفاهية موهومة-وليتها كانت ضرورات تبيح المحظورات-يسعى نهج القائمة الموحدة الجديد بميله عبر المشاركة في الإئتلاف الحكومي ،ففلسطينيو الداخل كانوا وما زالوا وسيبقون جزءً أصيلاً لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني مهما حاول دعاة الأسرلة تشويه ذلك عبر استغلال أخطاء وجرائم القيادة الفلسطينية الرسمية وتحديداً في أوسلو والتي أهملتهم ردحاً من الزمن ثم عادت لتهتم بهم بعد ان أدركت ورأتهم قد كبروا في ظل هرمها وعجزها فاضطرت لحاجتها الضيقة لهم لا لتغيير نظرتها الاستراتيجية اليهم .
إن أيمن عودة، رجل سياسي محنك، ويعلم كيف يعزف على أوتار الوطنية الفلسطينية؟ التي يطرب بسماعها كل الفلسطينيين، منتصبي القامة في الداخل، وذلك عبر استخدامه لكلمات قوية مثل: "إلقاء السلاح بوجه قادة الأمن الاسرائيلي"، ولكن دون أن يتورط بمخالفة القانون الإسرائيلي، فما زالت تصريحاته إذن، في إطار التعبير عن رأي معارض للاحتــ ـلال، ولم يصل لمرحلة التمرد أوالمواجهة الكاملة، مع الاستعمار الاستيطاني الصهــ ـيوني، بل لم يرتقي لجذرية "التجمع"، ولا لأصالة خطاب الشيخ صلاح الشمالي، ولكنه على كل حال قد يكون "قصر ذيل"، لم يهوِ الى حضيض المشاركة في الإئتلاف الحكومي على الأقل، حتى هذه اللحظة، أم أن عودة أحب ان يدخل أجواء الانتخابات المحتملة في "إسرائيل"، من أوسع أبوابها، وهو باب العامود في القدس.
لقد أجمعت 'إسرائيل"، على إدانة أيمن عودة، صاحب المواقف المقبولة، على نطاق واسع في أوساط الوسط-يسار، على أقل تقدير، لأنها لا تريد الاستماع الى أي نغمة عز؛ تصدر من حناجر قادة الشعب الفلسطيني في الداخل، لأنها بدأت تعتاد على أنغام التمسكن والتذلل؛ الصادرة من أولئك، الذين رضوا بالمشاركة في الإئتلاف الحكومي، واطمأنوا بها، رغم ىن جوهر موقف عودة، لا يختلف كثيراً عن بعض مواقف اليسار-وسط في "إسرائيل"، فأنغام الموقف قد تكون أكثر تأثيرا على الجماهير، من جوهره ومضمونه في بعض الأحيان، خاصة في ظل ارتفاع موج المقــ ـاومة الفلسطينية، التي يقودها أفرادٌ مبادرون ومخلصون، في كل أنحاء فلسطين.