بقلم:
الخبير العسكري والأمني/
عبد الله أمين
25- 04 -2022
لم يُعهد على الضفة الغربية أن كان فيها بحرٌ، فهي بقعة جغرافية مليئة بالجبال والسهول والوديان، وفيها من برك جمع الماء الشتوي ما فيها، ومن عيون الماء وآباره ما جعل أهلها يستغنون عن معامل تحلية الماء لشربه؛ لذلك فلا حاجة لأهلها في بناء الموانئ أو كواسر الموج التي تبنى لصد الأمواج العاتية لئلا تضرب سفن أهلها وقوارب صيدهم، لذلك يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: ما الذي دفع العدو الإسرائيلي إلى تسمية عمليّته الحالية ضد المقاومة في الضفة الغربية بعملية " كاسر الأمواج "؟ ولن نسهب في شرح الإجابة لنقول: إننا نعتقد أن ما دعا العدو لإطلاق هذه التسمية على هذه العملية، هو ما يعتمل في داخل الضفة الغربية من هدير للمقاومة، طال واستطال وارتفعت أمواجه لتضرب سفن هذا العدو الراسية في " بني براك " وشارع " ديزنغوف " و بئر السبع والخضيرة، لذلك خرج العدو لبناء كاسرٍ للموج، علّه بذلك يصدّ به تلك الأمواج، فلا تصل له فتوقع به الخسائر وتقلب له السفن.
ولكن في المقابل نسي هذا العدو أن فنون الرياضة ما تركت شيئاً إلا ودخلت فيه وعليه وأنّ (مهووسي) المخاطر وعاشقي تدفق الأدرينالين في الدماء يبحثون عن الخطر في مظانّه، فيحولونه إلى فرصة للترويح عن النفس ولتصرفَ ما يعتمل فيها من كبت وضغط ناتج عن مصاعب الحياة ومتطلباتها؛ لذلك كانت رياضة ( الركمجة ) ــ مصطلح مكون من كلمتي ركوب + موج، وهي رياضة ركوب متن الأمواج المتكسرة على الشواطئ بواسطة ألواح ركوب خاصة ــ التي يطوِّع فيها الرياضيون هذه الأمواج ويستفيدون من اندفاعها وعلو قوسها للوصول إلى مبتغاهم على بر الأمان، وحتى لا يقع الرياضيون فريسة سوء الحساب والتقدير؛ فإنهم يعرفون أي الأمواج يمكن أن تُركب وأيها يجب أن ينحنوا أمامها لتمر دون خسائر، كما أنهم يعلمون أيَ الرياح التي يمكن أن تولد هذه الأمواج ومن أي سمتٍ تهب وفي أي سرعة تُنتج ما يمكن أن يستفاد منه من الأمواج، وأيها التي تولد أمواج التسونامي التي يجب أن يُلجأ إلى المرتفع من الأرض تفادياً لخطرها ودمارها، إذن إنها المعلومات والمعطيات التي في غيابها قد يقتل الراكب نفسه وفي حضورها وتوفرها؛ يستفاد من البحر وموجه للوصول إلى البر وأمنه.
إن هذه المقالة ستعنى بالحديث عن " كاسر الأمواج " المعادية وكيف يمكن أن تُطوع أمواج هذه العدو ليمارس عليها رياضيو اقرأ (مقاومو) الضفة الغربية (ركمجتهم) فيعتلوا أمواج العدو مستفيدين منها مطوعين لها، بدل أن تلفّهم في بطنها فيغدون مطحونين تائهين، وفي أفضل الأحوال مصابين و(مدهوشين).
في البداية سوف نتطرق إلى أدوات فعل العدو التي يولد من خلالها أمواجه تلك، وما قام به من إجراءات تحضيرية لعمله هذا، فمن معرفتها يمكن تخمين مدى قدرة هذه الأمواج، وإن كانت عصية على الركوب أو ممكنة الاستثمار، كما سنتحدث عن أهداف العدو من هذه الموجة وعن إجراءات الفعل التعبوية، والعملياتية التي قام ويقوم بها أثناء حركته وتقدمه في مناطق الضفة، ثم سنعرج على أهدافه الكلية من هذه العملية، كما سنأتي على ذكر الفرص المتولدة من هذه الأمواج، لنختم بالحديث عن كيف يمكن أن تتم ممارسة رياضة (الركمجة)، فنحول التهديد إلى فرصة.
أولاً: أدوات فعل العدو في بناء كاسر موجه:
لقد حشد العدو العديد من قوات النخبة والقوات النظامية العاملة في منطقة مسؤول لواء الشمال التابع للفرقة 877 صاحبة المسؤولية عن منطقة الضفة الغربية التي تتبع قيادة المنطقة الوسطى في جيش العدو، ومن هذه الوحدات:
1. اللواء المناطقي منشيه:
وهو اللواء المعروف بلواء جنين والذي تغطي منطقة مسؤوليته مناطق شمال الضفة الغربية، آخذين بعين الاعتبار أن باقي الوحدات المشاركة في عملية "كاسر الأمواج " تعمل بالتنسيق مع قيادة اللواء، حيث أنها تعمل في منطقة مسؤوليته.
2. وحدة شايطيت 13:
وهي وحدة كوماندوز بحرية تابعة للبحرية الإسرائيلية ولقاعدتها العسكرية الدائمة تقع في قاعدة عتليت البحرية وتخضع مباشرة لقائد القوات البحرية.
3. وحدة اليمام:
وهي وحدة خاصة تابعة للشرطة الصهيونية المتخصصة في مواجهة المقاومة، والمخولة بإنقاذ الرهائن من المدنيين بشكل رئيسي، داخل حدود الكيان الصهيوني المؤقت، حيث يقدر عديد الوحدة بــ 200 فرد.
4. وحدة الدفدفان (المستعربين):
وهي وحدة قوات خاصة من وحدات النخبة الإسرائيلية داخل الجيش الإسرائيلي وتعتبر أول الوحدات الخاصة التي عملت في الأراضي الفلسطينية في انتفاضة الأقصى.
5. وحدة اليسام:
ومنتسبو هذه الوحدة هم خريجو وحدات قتالية متعددة في جيش الاحتلال، وهم لا يتعاملون إلا بالضرب مع المتظاهرين، ولا يسمعون من الفرد أي كلام، إذ ينهالون عليه بالضرب مباشرة دون أي سؤال، ويرتدون الزي الأزرق أثناء قيامهم بمهاهم الأمنية.
6. وحدة يمام:
وهي وحدة شبه عسكرية إسرائيلية عالية التدريب في شرطة الحدود الإسرائيلية، وهي واحدة من أربع وحدات خاصة في شرطة الحدود الإسرائيلية إلى جانب وحدة الياماس و وحدة الياماغ و وحدة الماتيلان، ويقدر عديد قوات اليمام ب 200 فرد كما تعرف أيضا بـ "الوحدة القتالية لمكافحة الإرهاب"، وهي وحدة خاصة تابعة للشرطة الصهيونية المتخصصة في مواجهة المقاومة، والمخولة بإنقاذ الرهائن من المدنيين بشكل رئيسي داخل حدود الكيان الصهيوني المؤقت.
كما استخدمت لتوفير خدمات الحراسة لشخصيات مسؤولة إلى جانب القيام بعمليات لمكافحة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
7. وحدة ايغوز أو النواة:
وحدة مشاة تقوم بعمليات الاستطلاع الاستخباري، وهي من الوحدات الخاصة التابعة للواء جولاني الصهيوني، كما أنها متخصصة في حرب العصابات المناهضة لقوات الجيش الرسمية.
8. وحدة اليمّار:
وهي من وحدات مكافحة الإرهاب التابعة للشرطة، وهم أفضل من وحدة اليسّام في العمليات التي ينفذونها، وغالبًا هم أول المتواجدين في مكان أي عملية فدائية تقع في الأراضي المحتلة.
9. حرس الحدود الإسرائيلي:
هو جناح معزز تابع لشرطة الكيان الإسرائيلي المؤقت،، أسس عام 1949 كجهاز عسكري يحرس الحدود ويعمل بشكل أساسي في التجمعات العربية أو الفلسطينية.
10. وحدة «تكيلا»:
وهي الوحدة الخاصة العاملة تحت سيطرة جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك"، سميت بهذا الاسم كناية عن عملية القفز السريعة التي تنفذها ووصولها الخاطف إلى مسرح العمليات لتصفية المقاومين بعد الاستدلال عليهم، يتمحور عملها في تصفية واغتيال المقاومين الفلسطينيين بالضفة الغربية بشكل فوري، بعد كشف أماكنهم بناءً على معلومات استخبارية
11. كتيبة الاستطلاع 636:
وهي كتيبة الاستخبارات العسكرية الميدانية التي يطلق عليها اسم "نيتزان/ البرعم " التابعة للفرقة 877 مشاة، التابعة للقيادة الوسطى في جيش العدو الإسرائيلي، وهي بقيادة المقدم " غاي بوغانيم ".
12. كما تم استدعاء 13 كتيبة من الجيش للعمل في الضفة الغربية منها 6 كتائب في منطقة التماس، كما تم تعزيز القوات في محيط غزة بكتيبتين، و تمت تعبئة 15 سرية بقوام 1300 جندي من لواء الكوماندوز، كما سمح للمغتصبين باقتناء السلاح وحمله.
هذه تقريباً أهم الوحدات العسكرية التي عبّأها العدو الإسرائيلي من أجل بناء " كاسر الأمواج " مع ما يواكب هذه القوات وما تشغله بشكل ذاتي من قدرات استطلاع جوي عبر الطائرات بدون طيار أو عبر وحدات الرصد والمتابعة الالكترونية التابعة لمختلف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية كالوحدة 8200 المسؤولة عن التجسس الإلكتروني عن طريق جمع الإشارات الإلكترونية وفك الشيفرات، كما أنها مسؤولة عن قيادة الحرب الإلكترونية في الجيش الإسرائيلي.
ثانياً: أهداف " كاسر الموج ":
أما عن أهداف عملية " كاسر الموج هذه " فقد صرح قادة العدو أنهم يهدفون من خلف هذ العملية إلى تحقيق مجموعة أهداف نأتي على ذكرها تالياً، كما يمكن استنتاج أهداف أخرى من هذه العملية؛ وما ذكر من أهداف وما يُستنتج يمكن ذكره على النحو الآتي:
1. إغلاق الثغرات في الجدار الفاصل بين مناطق الضفة الغربية ومناطقنا المحتلة عام 1948، حيث صادقت حكومة الكيان المؤقت على صرف مبلغ 360 مليون شيكل ــ ما يعادل المليون دولار أمريكي ــ لسد هذه الثغرات وبناء واستكمال بناء سياج بطول 40 كيلومتر شمال الضفة الغربية.
2. منع فرص تنفيذ عمليات أخرى بعد العمليات الأربع الأخيرة بناءً على تصريح رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال " كوخافي " عبر القيام بعمليات الإحباط المركّز.
3. اعتقال أو تصفية مقاومين بعينهم، أو تحييد ما تصطدم به هذه القوات من نشطاء ومقاومين أثناء الحركة والمناورة داخل منطقة العمليات.
4. تعزيز عامل الردع عبر بث الرعب في نفوس المواطنين وما تلحقه هذه القوات من خسائر مادية في المناطق أثناء عملها.
5. عمليات دهم وتفتيش لنقاط وأماكن يعتقد أن فيها ( مستودعات ) سلاح أو ورش تصنيع وتجهيز الأدوات القتالية الشعبية.
6. فحص كفاءة القوات المشاركة في العملية بعد خوضها العديد من المناورات وجولات التدريب الذاتية.
7. فحص كفاءة ومستوى علميات التنسيق بين مختلف التشكيلات المشاركة في هذه العملية.
ثالثاً: الإجراءات التعبوية المعادية:
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف فقد عمد العدو إلى القيام بالإجراءات التعبوية الآتية:
1. الانتشار الواسع في الضفة الغربية وعلى خط التماس بين مناطق الضفة الغربية والمناطق المحتلة عام الثمانية وأربعين.
2. سد الثغرات في الجدار الفاصل بين مناطق الضفة ومناطق الثمانية والأربعين عبر الموانع أو التموضع العسكري لزمر قتالية من حرس الحدود والقوات التابعة للّواء المناطقي في أماكن هذه الثغرات.
3. عمليات الاختراق الاستعراضي بقوات كبيرة للمناطق المستهدفة، خاصة جنين ومخيمها بهدف التأثير النفسي والمعنوي على الأهالي والسكان.
4. تطويق القرى والبلدات وعزلها عن بعضها البعض.
5. قطع الطرقات والتموضع في عقد المواصلات ونصب الحواجز عليها.
6. التموضع على المناطق الحاكمة ــ تباب، تلال، عمارات ــ المحيطة بالمخيم وبمدينة جنين.
7. التغلغل في الأحياء والحارات الداخلية واعتلاء المباني المرتفعة للسيطرة على منطقة العمليات.
8. تحريك الدوريات الراجلة والآلية داخل الأحياء والحارات الداخلية لمدينة جنين ومخيمها بحثاً عن النشطاء والمقاومين.
9. تشغيل قدرات جوية للمساعدة في عمليات الرصد والمتابعة وإدارة العمليات الميدانية.
10. عمليات المداهمة والتفتيش والتحقيق الميداني مع الأهالي والسكان.
11. عمليات الاعتقال لنشطاء ومقاومين مطلوبين، أو التوقيف الاحترازي الذي طال كثيراً من السكان والمواطنين.
رابعاً: الفرص المتاحة:
أمام هذا الموقف الذي نتج عنه مجموعة تهديدات؛ فإن فرصاً تلوح من خلال هذه المخاطر يمكن أن تتمثل بالآتي:
1. زيادة عدد الأهداف المعادية المادية والبشرية الممكن التعرض لها واستهدافها.
2. إمكانية فرض أرض المعركة على العدو من خلال سحبه إلى مناطق تقتيل عبر الشوارع والزقاق الداخلية لمدينة جنين ومخيمها.
3. إمكانية التفخيخ المسبق للمناطق الحاكمة ــ طبوغرافية أو عمرانية ــ تقتضي الإجراءات التعبوية المعادية تموضع العدو عليها أو فيها.
4. الاستهداف المركز لمناطق تمركز العدو داخل أو خارج المخيم، أو أثناء تحركه على محاور الحركة من وإلى مدينة جنين ومخيمها، وهي محاور حركة محكوم على العدو التحرك من خلالها.
5. رفع الكفاءة القتالية للمقاومين والنشطاء واكسابهم الخبرات العملية عبر عمليات الاحتكاك والاشتباك اليومي مع العدو.
6. استمراء التعرض للعدو وكسر حاجز الخوف من آلته العسكرية والأمنية.
7. كشف شبكات العملاء الذين ينشطون في مثل هذه الأجواء ومن ثم العمل على تحييدهم بالطرق المناسبة، مما يفقد العدو مصادر معلومات هو في أشد الحاجة لها.
8. إمكانية توليد رافعة ضغط تؤدي إلى زيادة المعارضة الداخلية لحكومة العدو الحالية مما يؤدي إلى سقوطها، الأمر الذي يعيد الكيان المؤقت إلى دوامة الانتخابات الداخلية، حيث يمكن أن يوفر هذا الموقف للمقاومة في غزة والضفة الغربية عامل الوقت المطلوب لبناء الذات وتعزيز القدرات.
خامساً: متطلبات وآليات استثمار هذه الفرص:
من أجل استثمار هذه الفرص، المقاومة في الداخل بحاجة إلى الآتي:
1. تحديد المهمة الكلية من عمليات التصدي للعدو، هل المطلوب إيقاع خسائر بشرية ومادية فيه؟ هل المطلوب منعه من دخول المخيم وتحريمه عليه؟ هل المطلوب منعه من اعتقال النشطاء والمطلوبين؟ هل المطلوب استنزافه وتأخير عمليات وصوله وتغلغله للمناطق والجغرافيات؟ يجب أن يتم تحدد المهمة لتعرف الوسيلة ومن ثم الإجراء.
2. العمل المعلوماتي، بحيث تجمع المعلومات والمعطيات عن العدو ـ الأصيل والوكيل ـ حتى تبقى المقاومة متقدمة على عدوها بخطوة.
3. العمل المشترك بين مختلف الفصائل المقاومة وفق برنامج عمل تحدد فيه المهمات وفقاً لما يملك كل فصيل من قدرات وما يسيطر عليه من جغرافيات.
4. تجنب الاشتباكات الحاسمة مع العدو، وعدم التعرض له بشكل حاسم أثناء اندفاعه الأولى باتجاه المناطق، وتركه يتقدم إلى أن تفقد الاندفاعة زخمها، ثم تبدأ عمليات المُشاغلة، والاحتكاك معه.
5. تسليح الأرض والمناطق الحاكمة ــ الطبوغرافية أو العمرانية ـ التي تفرض العمليات العسكرية على العدو التموضع فيها أو عليها، ثم يعمل على تشغيل هذه الأسلحة عند تموضع العدو في هذه المناطق.
6. فرض أرض المعركة على العدو عبر جره إلى مناطق تقتيل معدة مسبقاً، يصعب عليه فيها المناورة أو السيطرة، مثل الشوارع الداخلية للمدينة أو زقاق المخيم الضيقة، أو عُقد المواصلات والساحات الداخلية المُشرَف عليها من المباني العالية، والمحتلة من قبل المقاومين بشكل مسبق.
7. تكثير بؤر الاشتباك مع العدو في محيط مدينة جنين ومخيمها، بحيث تتشتت قدرات العدو المعبأة لعملية " كاسر الأمواج " مما يفقدها زخم الهجوم والاندفاع وسرعته.
8. الحرص على تأمين عمليات الدفاع المتقابل في البقعة الجغرافية أو العمرانية الواحدة، بحيث يؤمن انتشار المقاومين وتموضعهم داخل المناطق السكنية لبعضهم البعض التغطية والتأمين الناري، فلا يباغتوا ولا يستفرد بهم.
كان هذا إيجازاً سريعاً حول موقف " كاسر الأمواج " المعادي، وما يتولد عنه من فرص، وكيف يمكن استغلالها عبر بعض وسائل وإجراءات العمل الميدانية، بحيث يركب المقاومون موج عدوهم للوصول إلى بر أمانهم.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.