أولاً: الموقف:
يتمثل "الموقف " في زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة، والقمة المنوي عقدها في السعودية بحضور دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق؛ حيث " أعلن الديوان الملكي السعودي عن زيارة رسمية مقررة للرئيس الأميركي جو بايدن، للسعودية، يومي 15 - 16 تموز المقبل، بدعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز، مبيناً -الديوان- أن جدول الزيارة يتضمن في يومها الثاني حضور الرئيس بايدن قمة مشتركة دعا إليها الملك السعودي قادة دول مجلس التعاون الخليجي العربية، بالإضافة إلى العاهل الأردني والرئيس المصري ورئيس وزراء العراق، حيث ستعقد هذه القمة الافتراضية في يوم 16 تموز 2022 "، ومما زاد من أهمية هذه الزيارة وضرورة متابعة مجرياتها وما سيصدر عنها ما يقال عن فكرة إنشاء (حلف ناتو شرق أوسطي) يضم مجموعة من دول المنطقة؛ لا بد أن يكون من ضمنها تلك التي دعيت إلى هذه القمة؛ وأخرى قد تُغرى بجزر الدولار، أو تهدد بعصا الحصار، فتنضم له كــ(الشطار)، وهنا لا يجب إغفال الغائب الحاضر عن هذه القمة؛ ألا وهو الكيان الإسرائيلي المؤقت، والذي سيصله بايدن قبل ذهابه إلى السعودية لعقد تلك القمة.
وفي هذا السياق، فقد صرح الملك الأردني عبد الله الثاني في مقابلة مع قناة cnbc إنه "قد يكون حلف الناتو معقداً إذا لم يفهم ما هو الميثاق وما هو بيان المهمة" -لاحظ استخدام الملك عبد الله مصطلح (بيان المهمة) مصطلح عسكري بحت- مشيراً إلى أنه "يمكن بناء الحلف مع البلدان ذات التفكير المتشابه، ونحن (يقصد الأردن) نتمتع بقوة انتشار سريع ونعمل بنشاط مع الناتو في جميع أنحاء العالم"!!.
نختم الموقف بما صرح به الرئيس الأمريكي قبل عدة أيام من أن الأمن القومي ل (إسرائيل) هو سبب رئيسي لزيارته إلى المملكة حيث قال: "التزامات السعوديين ليس لها أي علاقة بالطاقة، بل يصادف أن يكون هناك اجتماع كبير سيعقد في المملكة العربية السعودية، هذا هو سبب ذهابي، والأمر يتعلق بالأمن القومي لإسرائيل".
وأضاف: "أن الأمر يتعلق بقضايا أكبر بكثير من الارتباط بقطاع الطاقة".
هذا هو الموقف محل المتابعة والتحليل، فماذا عن الأهداف المعلنة لهذا التحالف، أو تلك الممكن تصورها وتوقع متابعة تحقيقها من قبل هؤلاء (الشركاء) في حال تمت هذه الشراكة وانعقد هذا الحلف؟
ثانياً: الأهداف المعلنة والمتوقعة:
1. أمن الكيان الغاصب المؤقت: إن أكبر المدعوين لهذا اللقاء وأكثرهم امتلاكاً للقدرات والمقصود بهذا الحديث أمريكا؛ هو القادر على وضع برنامج هذا اللقاء وفرض أجندته على الحضور، وعليه فإن الهدف الرئيسي لهذا اللقاء سوف يكون البحث في كيفية تأمين أمن الكيان، ومحاولة دمجه في محيطه وجعله كائناً طبيعياً مقبولاً ومتقبلاً؛ شعبياً بعد أن قبلته الأنظمة الرسمية، وهذا مضمون تصريح (عقيد الحارة بايدن) كسبب لجمعه (عضواتها) في هذا القمة وذاك التجمع.
2. أمن الطاقة: الهدف الثاني هو أمن الطاقة؛ من خلال تأمين ممرات وصلها وكميات تدفقها للدول التي تتماهي مع هذا الحلف وسيده، وبالسعر الذي يناسبه و(حلفائه)، فتأمين الوصول الآمن للطاقة عبر الدول التي تدور في فلك أمريكا يعني فيما يعنيه أن هذه الدول سوف تنفذ أجنداتها -أمريكا- وسوف تصطف معها ضد أعدائها ومنافسيها في الإقليم وفي العالم، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الهدف الرئيسي خلف عملية التأمين هذه هو: سلب دول مثل إيران قدرة مد عُرى التواصل وجسور التفاهم مع دول تشتكي نقصاً للطاقة وتبحث عن صداقات وعلاقات قائمة على أساس المصالح، والتي على رأسها الطاقة بالكم والسعر المناسب لها، فتُحرم إيران عبر هذه التكتيك من بناء شبكة علاقات إقليمية ودولية تنفعها عند الحاجة.
واستتباعاً لهذه المسألة؛ قد يتطلب تأمين مصادر وممرات الطاقة التي تستخرج وتمر عبر الممرات المائية في منطقتنا إلى تشكيل قدرات عسكرية ونشرها في البر والبحر، الأمر الذي يعني تعبئة قدرات قتالية يمكن أن تستخدم في أي وقت يتطلب الموقف ذلك.
3. حشد المنطقة وتجيشها ضد إيران وحلفائها: وحيث أن التهديد الرئيسي للكيان الغاصب لفلسطين في المنطقة هو إيران وحركات المقاومة الفلسطينية والعربية؛ فإن حشد الدول المشاركة في هذا الحلف ضد إيران ومصالحها وحلفائها في المنطقة يشكل هدفاً رئيسياً من أهداف بناء وتشكيل هذا الحلف في حال تم بناؤه وخروجه إلى حيز الواقع، وبنظرة سريعة إلى أسماء الدول المدعوة وغير المدعوة لأن تكون جزءاً من هذا الحلف، كفيل بأن يثبت أن هذا (بيان مهمة) هذا التجمع والذي سأل عنه الملك الأردني هو: مواجهة إيران وحركات المقاومة في المنطقة؛ من فلسطين إلى جاكرتا.
4. قطع التواصل الجغرافي بين الدول الرئيسية التي تشكل حاضنة لحركات المقاومة المناهضة للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة: إن امتلاك الجغرافيا والسيطرة عليها يعد من أهم المسائل المطلوبة لبناء قدرات قتالية أو عقد أحلاف سياسية أو عسكرية، ففوق هذه الجغرافيا سيتم تحويل الخطط النظرية والرؤى المستقبلية إلى وقائع وإجراءات تنفيذية تجسد الأهداف النظرية في وقائع حقيقية، والناظر في خريطة المنطقة سوف يرى أن هناك جغرافيا تمتد من إيران إلى العراق مروراً بسوريا وانتهاء بلبنان تشكل قاعدة صلبة يمكن أن تحتضن "حلف القدس " وتكون له بمثابة الأرضية الصلبة التي يبنى ويتطور عليها، لذلك فإن دعاة حلف الناتو الشرق أوسطي يهمهم أن لا تبقى هذه الجغرافيا متصلة، وأن يتم فصلها عن بعضها البعض، وإيجاد الأسباب و(مسامير جحا) التي تحول دون تجمعها واستثمار طاقاتها البشرية والمادية.
5. تنسيق الجهود للعمل ضد العناصر غير (الدولتية) في حلف القدس: كما يمكن تصور أن هذا الحلف الذي يضم هذه الدول ــ السعودية الإمارات البحرين الأردن ومصر والكيان الغاصب لفلسطين مضافاً لها أمريكا ــ سوف تكون معنية بتنسيق جهودها وحشد طاقاتها وتعبئة قدراتها من أجل التصدي لحركات المقاومة التي تعمل على تقويض نفوذ وهيمنة أمريكا على المنطقة، أو تملك -الحركات غير الدولية- تصوراً تقريباً موحداً في كيفية التصدي للعدو الإسرائيلي وهيمنته وتحرير فلسطين من رجسه ونجسه.
هذه أهداف خمسة، نعتقد أن حلف الناتو الشرق أوسطي في حال تكونه أو تشكله سوف يكون معني بالعمل على تحقيقها وإنجازها، وعليه فإن أهم التداعيات التي تنبثق عن هذه الأهداف وتأتي في سياق تنفيذها سوف تكون على الشكل الآتي:
ثالثا: التداعيات:
1. زيادة مستوى عمليات التنسيق الأمني ضد حركات المقاومة: حيث إن أهم مصادر التهديد للكيان المعادي في المنطقة هي حركات المقاومة الفلسطينية والعربية التي ترى في هذا العدو تناقضاً وجودياً لا يمكن أن يسكت عنه أو أن يُتعايش معه أو السماح له بالتمدد؛ وحيث أن الدول الرئيسية التي دعيت إلى هذه القمة -السعودية الإمارات البحرين مصر الأردن وأمريكا فضلا عن الكيان الغاصب ذاك الغائب الحاضر- تتشارك وجهة نظر واحدة فيما يخص حركات المقاومة وإيران من حيث إنها تشكل تناقضاً وتهديداً لها؛ فإن أول تداعيات هذا الحلف سوف تكون زيادة عمليات التنسيق الأمني المعادي لهذه الحركات والدول التي تدعمها وتوفر لها سبل مراكمة القوة والقدرات.
2. العمل المشترك ضد حركات المقاومة: ولن تقتصر عمليات التنسيق على الشق الأمني النظري من قبيل عمليات المتابعة وجمع المعلومات وتحليلها، لمحاولة رفع منسوب الفهم والمعرفة عن هذه الحركات والدول ونواياها؛ وإنما سوف يتعداه إلى تنسيق العمل الإجرائي ضد هذه الحركات الشعبية المقاومة وداعميها من دول وهيئات سياسية ونقابية، وسوف تحاول هذه الدول تضييق الخناق على هذه الكيانات في كل الجغرافيات العاملة عليها أو المتحركة عبرها أو من خلالها.
3. تهيئة البيئة لأي عمل ضد إيران: تنظر الدول المفترض أنها ستكون جزءً من هذا التحالف إلى إيران على أنها هي رأس الأخطبوط الذي تمتد (أذرعه) في كثير من هذه الجغرافيات، وهي كما تزعم هذه الدول رأس (البلاء) وأم (المصائب)، وأنها بالإضافة إلى حركات المقاومة من أهم مصادر التهديد التي تعترض مشاريعهم وخططهم وما ينونه ويخططون له، لذلك سيحاول تحالف تلك الدول تهيئة البيئة السياسية والتعبوية لأي عمل معادي ضد إيران، وما يُتحدث عنه من نشر منظومات الصواريخ والرادارات في الدول المحيطة بإيران؛ يأتي في هذا السياق وجزاء من خطة التحضير هذه.
4. التلويح بعصى القوة الصلبة ونصف الصلبة لمن لا ينصاع: لن يكتفي هذا التحالف وتلك الدول بأنصاف الحلول أو المواقف غير المحسومة لدول المنطقة؛ وحيث أن دولتين من هذه الدول -على الأقل في الظاهر- تأتي في مركز الدول التي تنتج الطاقة وتصدرها -السعودية والإمارات- فسوف يستخدم (عقيد الحارة) عصى نفطهم وغازهم طاقتهم كرافعة ضغط ضد من لا ينصاع ولا يلتزم بتوجهاته، أو يلبي رغباته، كما سيعبئ هذا (العقيد) موارد (عضوات حارته) المالية والطاقوية ضد دول فاعلة ومؤثرة في نمو وتعاظم قدرات المقاومة.
هذه من أهم تداعيات هذه الحلف أو النادي أو التجمع المنوي تأسيسه في منطقتنا، الأمر الذي يتطلب من الجهات المتضررة من هذا التحالف، -وبغض النظر أكانت دولاً أو حركات- أن تفكر في سبل وإجراءات التصدي لهذا الكيان قبل أن يولد ويشتد عوده، ويستعصي شوكه على القلع، التي -سبل المواجهة- منها على سبيل المثال لا الحصر:
1. تسمية الأمور بمسمياتها: يجب أن تسمي الجهات المتضررة من هذا الحلف، هذا الأمر باسمه وتصفه بصفته، ولا تمارس لعبة الاختباء خلف الأصبع، فهل هو حلف عسكري أمني يريد رأسها فتحذره؟ أم نادي سياسي لمجموعة باحثين عن دور في المنطقة؟ فيبنى على الشيء مقتضاه، يجب أن يُجاب على سؤال: أمام أي شيء نقف نحن؟
2. تعريف العدو أو الأعداء: يجب أن يتم تعريف العدو أو الأعداء، فلا يصلح أن نواجه بأطراف ينظرون لنا على أننا أعداء و(أُس) بلاء، بعقلية؛ أنهم أهلنا وناسنا وأبناء جلدتنا!! يجب أن يُجاب بكل شفافية ووضوح عن سؤال: من هو أو هم العدو أو الأعداء؟
3. تعريف الحليف أو الحلفاء: فالكتلة الصلبة لا تواجه إلا بكتلة صلبة، والرطل لا يطيشه سوى رطل ونصف، والعمل الجماعي لا يمكن أن يتم التصدي له إلا بعمل جماعي، والموقف لا يحتمل أنصاف حلول و (رِجل في البور و رِجل في الفلاحة)، وعليه يجب أن يجاب عن سؤال: من هو الحليف ؟ أو من هم الحفاء في مواجهة هذا الموقف؟
4. تحديد المهمة: فالخبط عشواء لا يجدي؛ والتحطيب بالليل لا ينفع وقد يؤذي، فكما أن لذلك الحلف ( بيان مهمة ) يجب أن يكون لمجموع المتضررين منه (بيان مهمة)، وعليه فما هو (بيان مهمة) تجمع المتضرر من هذا التجمع المعادي؟
5. توزيع الأدوار: فــ(الحمل إذا توزع بنشال) وتجمع فيه تلك الدول وعلى رأسه ذاك (العقيد) ويملك من الموارد المادية والبشرية ما يملك، لا يمكن أن تنهض لتصدي له جهة واحدة، بل جهات متعددة وفق توزيع للأدوار، قائم على ما يمتلك كل طرف من قدرات، وليس ما يُتمنى من رغبات، فيسند الدور وتخصص القدرة وينهض بالمهمة، من ثم فما هو دور كل كيان من الكيان التي ستتصدى لهذا الكيان المستحدث إذا استحدث؟
6. وضع البرامج والخطط: فالخطب والمؤتمرات الرنانة والطنانة لا تجدي نفعاً؛ بل التخطيط والبرمجة ومرحلة الأعمال والإجراءات هي ما يجعل الرؤى وقائع، والأحلام حقائق، وحلم التصدي لهذا (الأخطبوط) لا يمكن أن يتم دون تخطيط وبرمجة، فما هي الخطط والبرامج المطلوب وضعها والعمل عليها؟
7. وضع منظومة المتابعة والإشراف: وحتى لا ننقض غزلنا بعد قوة، ولا يكون عملنا كـ (حراث الجمال) ما تحرثه (تلبده) لا بد من التوافق على منظومة متابعة وإشراف، ولتسمى ما تسمى؛ إشراف، قيادة وسيطرة، تحكم ومراقبة؛ المهم لا بد من هذه المنظومة التي تراقب العمل وتصحح المسير وتستخلص العبر، ثم يبنى على الشيء مقتضاه.
رابعاً: التوصيات:
أما عن التوصيات؛ فليس منها ما يصلح للكتابة ولا النشر، فالموقف جلل وما (خفي أعظم) والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
عبد الله أمين
27. 06. 2022