تطور الموقف الخليجي وتراجع الموقف الفلسطيني في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية

أسامة سعد

مستشار قانوني


بقلم المستشار/
 أسامة سعد  


وصفت العلاقات الخليجية الأمريكية دائماً بأنها علاقات استراتيجية قائمة في الأساس على مصالح حيوية لا غنى لطرفيي العلاقة عنها، فالولايات المتحدة معنية بالمنطقة لحاجتها الماسة للنفط والغاز العربي إضافة لأهمية المنطقة الحيوسياسية للولايات المتحدة حيث تحكمها في أهم المضائق العالمية التي تتحكم في حركة التجارة العالمية، وبالمقابل فدول الخليج بحاجة ماسة إلى قوة عظمى تمتلك القدرة على حمايتها وتوفير الأمن للمنطقة التي هي بلا شك محط أنظار العالم كله، وعلى هذا الأساس تطورت العلاقات الخليجية الأمريكية إلى أن وصلت لذروة تطورها في مرحلة الثمانينات من القرن الماضي وكانت لحظة الاختبار الحقيقية لمدى فاعلية هذه العلاقة عند غزو العراق للكويت، ولقد كان للولايات المتحدة أداءً مقنعاً للغاية لدول الخليج في هذه الحرب إذ أرسلت الولايات المتحدة عشرات الألاف من قواتها للدفاع عن المنطقة ضد القوات العراقية وتحرير الكويت ولقد كان لها ما أرادت، الأمر الذي ساهم إلى حد كبير في تعزيز ثقة الدول الخليجية بالولايات المتحدة وهو الأمر الذي دفع هذه الدول وبعض الدول العربية للضغط على الفلسطينيين من أجل الدخول في عملية سلام مع (إسرائيل) التي لم تكن تحظى بأي قبول في المنطقة قبل حرب الخليج الثانية، طبعاً لم تكن الرغبة الخليجية بعيدة كثيراً عن عوامل داخلية فلسطينية ساهمت في تسريع وتيرة العمل من أجل التوصل إلى اتفاق سلام ترعاه الولايات المتحدة بشكل أساسي يقوم على أساس مبدأ حل الدولتين وفقاً للقرار 242 على قاعدة الأرض مقابل السلام، إلا أن الرياح الإسرائيلية لم تأت بما تشتهيه السفن العربية، فتعثرت  "مسيرة السلام" ولم تفض إلى الأمل المنشود بإنشاء دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 67 في العام 1999م وفقاً لما كان مخططاً له في اتفاق أوسلو، الأمر الذي أدى لخروج الأمور عن السيطرة واندلاع انتفاضة الأقصى وما تبعها من محاصرة الراحل ياسر عرفات ثم انتهاء هذا الحصار باغتياله بالسم.

الإدارة الأمريكية جددت تعهدها بإقامة دولة فلسطينية على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الابن وذلك في سياق إعداده لغزو العراق عام 2003م وتعهد بأن يكون سقف هذا الوعد عام 2009م، ولقد تم غزو العراق بمباركة خليجية وتم تغيير نظام حكم الرئيس الراحل صدام حسين ليقع العراق في رحى الحرب الأهلية الطائفية التي لم تغادره أثارها حتى هذه اللحظة، ويمر عام 2009 دون إنجاز الوعد الأمريكي الذي أكدت عليه إدارة أوباما دون أن تمارس عملياً أي نوع من الضغوط على (إسرائيل) لتحقيقه، بل ركزت مجهودها لترتيب أوراقها في الملف الإيراني الذي أفضى إلى الاتفاق النووي الإيراني الذي زعزع ثقة الخليج بالحماية الأمريكية لصالح ترتيب العلاقات مع إيران، وتنقضي ولاية أوباما ليأتي الرئيس الأمريكي السابق ترامب برؤيته الخاصة في إدارة المشهد في المنطقة فينقض الاتفاق مع إيران الأمر الذي أسعد دول الخليج و(إسرائيل) بالطبع، وبالتزامن يعلن عن رؤيته لحل القضية الفلسطينية بالتنكر التام للحقوق الفلسطينية التي دأبت الإدارات السابقة على الالتزام بها ويعلن عن صفقة القرن التي تماهت معها دول الخليج وحاولت اقتناع الرئيس أبو مازن بالموافقة عليها، إلا أن مجهوداتها لم تفلح في ذلك فذهبت للتطبيع مع (إسرائيل) دون انتظار للموقف الفلسطيني ويستمر قطار التطبيع في السير ليشمل عدة دول عربية وكانت كل عملية تطبيع عبارة عن صفقة يعقدها الرئيس الأمريكي مع الدولة المطبعة تحصل بموجبها الدولة المطبعة على هدية أمريكية، إلا أن إدارة ترامب وخلافاً للسياسة الأمريكية التقليدية في المنطقة جعل من الحماية الأمريكية أيضاً صفقة تجارية تقوم على أساس الحماية مقابل المال وعلى هذا الأساس حصل على مبلغ خرافي لم يسجل تاريخياً في تاريخ أي إدارة سابقة حيث دفعت السعودية مبلغ 450 مليار دولار مقابل الحماية، ولكن تفاجأت دول الخليج بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في عهد بايدن بشكل زعزع ثقة الخليجيين بهذه الحماية وكذلك انسحاب آخر من العراق لتهيمن على المشهد السياسي فيه القوى الموالية لإيران، ثم كانت ثالثة الأثافي اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية لتقف الولايات المتحدة عاجزة عن ردع روسيا من شن هذه الحرب رغم حزمة العقوبات الغير مسبوقة التي فرضت علي تلك الأخيرة؛ فتتعزز قناعات دول الخليج بتراجع دور الولايات المتحدة لصالح قطب أو أقطاب دولية جديدة تفرض نفسها على المشهد العالمي، وتشكل ما يشبه الجبهة المناوئة للولايات المتحدة تشمل روسيا والصين وإيران الأمر الذي دفع الولايات المتحدة للسعي إلى شد وثاق علاقاتها السابقة بحلفائها فكانت زيارة الرئيس بايدن للمنطقة بهدف ترتيب أوراق الولايات المتحدة، إلا نتائج الزيارة تشير إلى أن تحرك الولايات المتحدة قد جاء متأخراً ولذلك لم يحصل الرئيس بايدن على أي من

طلباته من دول الخليج باستثناء السماح للطائرات الإسرائيلية بالمرور في الأجواء السعودية مع التأكيد من الجانب السعودي أن هذا لا يعد تطبيعا، ًوفي ذات السياق رفضت دول الخليج إنشاء فيتو عربي أو زيادة تدفقات الطاقة لتعويض النقص الناجم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والتأكيد من قبل كافة القيادات العربية في اجتماع جدة على الحقوق العربية الفلسطينية المتمثلة بحل الدولتين الذي وصفه الرئيس بايدن بأنه بعيد المنال.

لا شك أن الموقف الخليجي تطور باتجاه تحقيق مصالح الخليج تطور باتجاه تحقيق مصالح الخليج أولاً قبل أي شيء وهذه المصالح تقتضي ألا يوضع كل البيض في السلة الامريكية ولذلك فشلت زيارة بايدن.  

أما الموقف الفلسطيني فلم يكن بمستوى تطور الموقف الخليجي بل لم يحافظ على ثباته فتراجع حين لم يتخذ الرئيس أبو مازن أي موقف كرد على اعتبار الرئيس بايدن لحل الدولتين أنه بعيد المنال، بل لقد صرح حسين الشيخ أن نقض الاتفاق مع (إسرائيل) التي ترفض حل الدولتين الذي بنى عليه اتفاق أوسلو سيضع الفلسطينيين في موقف أسوء، لم يدرك حسين الشيخ أن حل الدولتين أصبح بعيد المنال بسبب السياسات التي اتبعها الرئيس عباس منذ ولايته بإلقاء كل أوراقه على الطاولة الإسرائيلية، وذهب بعيداً باتجاه التشبث بالعلاقة بالاحتلال رغم تنكر الاحتلال لأبسط الحقوق الفلسطينية، ولم تدرك القيادة الفلسطينية أن ما دفع (إسرائيل) قبل ثلاثين عاماً تقريباً للموافقة على حل الدولتين كان مقابل وقف منظمة التحرير للكفاح المسلح والاعتراف (بإسرائيل)، وهي الغنيمة التي حصلت عليها دون دفع الثمن وهو الدولة الفلسطينية، التي أُجلت لما سمي بالحل النهائي ثم ماطلت (إسرائيل) في المواقفة على إقامتها حتى مضى الزمن وأصبح الثمن الذي قبضته (إسرائيل) مقدماً بالاعتراف حقاً لها مكتسباً مقابل حق مؤجل تبدد وتلاشى بمرور الزمن إلى أن أصبح بعيد المنال.  

وكان يفترض أن تُقْدم القيادة الفلسطينية على إعادة التموضع من جديد كما فعلت دول الخليج بما يحقق المصالح الفلسطينية لكنها لم تفعل حتى الساعة، وكأنها تخشى من الاعتراف بفشلها مخافة أن تتحمل مسؤولية ضياع ثلاثين عاماً من عمر الشعب الفلسطيني بلا جدوى.

الموقف الفلسطيني الرسمي أصبح عبئاً على الحق الفلسطيني والشعب الفلسطيني أصبح أسير المحبسين،  لضعف القيادة الرسمية من جهة والانقسام الداخلي من جهة أخرى.  



جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023