المسيّرات الجويّة في سماء الضفة الغربية
قراءة في الموقف والإجراءات الحمائية
أولاً: الموقف
إعلان العدو الإسرائيليّ عن نيته بدء تشغيل المسيّرات الجويّة في إسناد وتنفيذ عملياته العسكرية التي يقوم بها في مدن وقرى الضفة الغربية.
ثانياً: تعريف بالوسيلة
المسيّرات الجويّة هي عبارة عن مركبات غير مأهولة ـمجنحة وغير مجنحةـ يتم التحكم بها عن طريق محطات أرضية مكونة من مجموعة طيارين أرضيين مدربين على تشغيل وقيادة هذه الوسائل، يرافقهم أطقم ومجموعات ومحطات إسناد أرضية أو جوية للمساعدة في عمليات التحكم والسيطرة على هذه الوسائط الجوية أثناء تنفيذها لمهامها المطلوبة منها، تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الوسائل قد تكون من النوع الذي يتم برمجته للقيام بالمهمة المطلوبة منها بشكل آلي بعد أن تقلع من منصاتها الأرضية دون أي تواصل أرضيّ مع مشغّليها بعد الإقلاع.
ثالثاً: قدراتها الفنيّة ومهامّها التعبويّة:
لن نخوض في كامل القدرات لهذه الوسائل، فهذا بحث يطول الحديث فيه وعنه، كما أنه يخضغ لمستوى التطور العلميّ والتكنولوجيّ للدول صانعة ومشغلة هذه الوسائط القتالية، كما أننا لن نتحدث عن تفاصيلها الفنية للاعتبار سالف الذكر، أيضاً ولكون الكاتب ليس صاحب اختصاص فنيّ في هذا المجال، ولكننا سنكتفي بالإشارة إلى أهم القدرات القتالية التي تتميز بها هذه الوسائل، والتي من أهمّها:
1. الرصد (تحقيق تماسٍّ معلوماتي) البعيد أو القريب للأهداف الأرضية أو البحرية أو الجوية، بناءً على وسائل المراقبة والرّصد الموصولة في جسم هذه الوسائط، والمهمة المطلوب منها تنفيذها.
2. الاشتباك البري أو البحري أو الجوي الدقيق مع الأهداف ضمن المديات القاتلة للأسلحة المجهزة بها هذه الوسائل والمركبات الجوية.
3. غلق دوائر المعلومات على الأهداف محل العمل، تمهيداً للاشتباك الناريّ معها.
4. تحسين قدرات القيادة والسيطرة C2 للقطعات العسكرية بمختلف استعداداتها أو تركيباتها القتالية.
5. العمليات الانتحارية على الأهداف الحيوية ومراكز ثقل العدو، العسكرية وغير العسكرية.
رابعاً: خلفيات القرار ودلالاته:
نعتقد أن سبب لجوء العدو لمثل وسائط القتال أو الإسناد هذه، في بقعة جغرافية يُفترض أنه يسيطر عليها بشكل كامل يعود لمجموعة من الأسباب، يتمثل أهمُّها في الآتي:
1. زيادة صعوبة المناورة البريّة على قواته: تلجأ القطعات العسكريّة للاستعانة بمثل هذه الوسائط القتالية عندما يصبح مجال مناورتها القتالية في منطقة العمليات أو منطقة المسؤولية ضيقة، أو أن العمل فيها فيه من الصعوبات ما لم يكن متوفراً في السابق، الأمر ـ صعوبة المناورة ــ الذي نرى أن العدو الإسرائيلي بدأ يستشعره عند عمله في قرى ومناطق الضفة الغربية، فلجأ للاستعانة بمثل هذه القدرات الجوية حتى يعوّض هامش مناورته البريّة أثناء تنفيذه مهامه العسكرية.
2. تنامي قدرات وكفاءة المقاومة في الضفة الغربية: ومن الأمور التي فرضت على العدو الاستعانة بمثل هذه القدرات، تنامي وتصاعد كفاءة قدرات مجموعات المقاومة التي تتصدى له أثناء قيامه بعمليات الاقتحام لمدننا وقرانا في الضفة الغربية، وهذا أمرٌ يراه المراقب لشأن المقاومة الفلسطينية رأي العين، وقد ضجّت به صحف ووسائل الإعلام المعادية في الآونة الأخيرة، عندما رفعت الصوت عبر محلليها وخبرائها العسكريين بالقول أن كل عملية اعتقال أو دخول إلى مناطقنا المحتلة أصبح يمثل عملية عسكرية قائمة بذاتها، تحتاج إلى تخطيط وأخذ العدة وتوقّع السيّء، مع احتمال وقوع خسائر، ولا أدلَّ على ذلك من أن دخول المغتصبين لزيارة قبر يوسف أصبح يحتاج إلى أربع كتائب مرافقة لحماية عدة مئات من (الزائرين) !!
3. ضعف المواكبة المعلوماتية لقوات المناورة: يدرك المراقب أن العدوّ الإسرائيليّ عندما يحضّر للدخول إلى مدننا وقرانا المحتلة في الضفة الغربية يحتاج إلى مواكبة معلوماتية ميدانية، تمدّه بأحدث المعلومات وأدقها عن سير تحرك المقاومين والمجاهدين في تلك المناطق، فحيّ مثل حي القصبة في نابلس أو مخيم مثل مخيم جنين أو بلاطة، لا يمكن الدخول لها والتنقل فيها ما لم تكن هنا سيطرة معلوماتية على الجغرافيا التي ستتم فيها العملية، وهذا أمرٌ ـ المواكبة المعلوماتية ـ يوفره للعدو عملاؤه ومصادره البشرية العاملة في منطقة العمليات، ولمّا زادت كفاءة وجرأة المجموعات المقاومة في التصدي للعدو وتضييق هامش العمل عليه وعلى مصادره المعلوماتية وعملائه، لجأ للاستعانة بمثل هذه الوسائل لزيادة كفاءة عمليات القيادة والسيطرة C2 على وحداته وقطعاته العسكرية المشتركة في العمليات.
4. زيادة نسبة أمن مصادره البشرية والمحافظة عليها وتطوير طرق عملها: كما أن العدو لم ولن يستغني عن المصادر البشرية لإمداده بالمعلومات الميدانية الآنية عن تحرك المقاومين والمجاهدين في قرانا ومخيماتنا ومدننا، مهما بلغت كفاءته وقدراته في جمع المعلومات عبر الوسائل الفنية، وحيث أن العنصر البشريّ من أهم وأصعب طرق مصادر المعلومات من حيث التوفر والتدريب والتشغيل وموثوقية ما يقدمه من معلومات، كان لا بد من المحافظة عليه وعدم التضحية به، ورفع منسوب أمنه لإطالة عمره العملي، وعدم زجه في أتون المخاطر، وجعله جزءاً من فريق عمل متكامل يعمل على إغلاق دائرة معلومات هدف واحد، لذلك يتم تطوير دور هذه المصادر لتواكب تطور الوسائط القتالية، ولسدِّ ثغرةٍ في منظومة عملها، ومن أهم أسباب جعل عمل الوسائط الجوية ــ الطائرات المأهولة أو غير المأهولة ـ موثوقة الفعل، آكدة القتل، ما يعرف إصطلاحاً بــ (إضاءة ) الهدف عبر تسليط أشعة معينة تنطلق من جهاز بيد العميل أو المصدر البشري، تصطدم بالهدف ثم ترتد منه باتجاه السماء لتطلقه الطائرة أو المسيّرة الجوية، فتطلق نار أسلحتها على الهدف مسترشدة بهذه الأشعة، كما أن العدو يزود عملاءه بشرائح الكترونية صغيرة الحجم عالية الكفاءة، يلقونها في الهدف ذاته، أو في أقرب نقطة منه ـ الهدف ـ يقدر العميل على الوصول لها، فترسل هذه الشرائح إشارات لا سلكية تبحث عنها وسائط القتال الجوية بمختلف أنواعها، لترشد أسلحتها نحو الهدف، وتزيد من مدى كفاءة تصويبها عليه، فتدمره بشكل دقيق، مؤكد القتل.
5. بطء الاستجابة والتعزيز لقوات المناورة: إن قرانا ومدننا في الداخل الفلسطيني ليست كلها مجاورة لمقرات أو قواعد عسكرية، كما أنها لا تتمتع جميعها بمساحات وفضاءات تمكّن العدو من العمل بشكل حرّ دون مخاطر، الأمر الذي يتطلب وجود قوات تعزيز وإسناد تقف على أهبة الاستعداد للتدخل في أي لحظة يُطلب منها ذلك، وحيث أن أمن وسلامة المقاتلين يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقصر مدة الاستجابة لعمليات التعزيز والإسناد للتشكيلات العاملة، كان لا بد من توفير وسائط القتال التي تؤمّن أسرع وجوه الدعم والمؤازرة عند الحاجة، فكانت هذه الوسائط الجوية الحاضرة للتدخل للاسناد أو الدعم، أو تأمين عمليات الإخلاء بأسرع وقت ممكن للقطاعات العاملة في مخيماتنا ومدننا وقرانا.
6. تغير المفهوم العملياتي لدى العدو: كما أن هذا التطور في طرق عمل العدو، يشي بأن تطوراً مفاهيمياً ما فرضته طبيعة معركتنا مع عدونا عليه، خلاصة هذا التطور المفاهيمي الذي انعكس إجراءاً تعبوياً، هو أن العدو بات يرى أن جميع الأرض التي يتحرك عليها أو يستخدم طرقها للتنقل عليها، أصبحت جميعها أرضاً معادية، فإن حصل وعلقت مجموعة قتالية له في مكان ما، فإن أأمن طريقة لاسنادها أو إخراجها ليس بدفع تشكيل بريّ للإسناد أو الاخلاء قد يقع في كمائن المقاومين، وإنما أفضل الطرق هي الإسناد الجوي وفتح طريق الخروج عبر الطائرات المأهولة أو المروحية التي يتطلب عملها وتدخلها غطاءً جوياً للدخول إلى منطقة العمليات والقيام بعمليات الاخلاء أو الاسعاف ونقل الجرحى والمصابين، وهذا ــ تطورالمفهوم العملياتي ـ مؤشرٌ مهمّ على أن المقاومة في الضفة الغربية أصبحت تؤلم العدو ويحسب لها حساباً، الأمر الذي يجب بسط الحديث فيه مستقبلاً، ليبنى على الشيء مقتضاه.
خامساً: التوصيات:
أمام هذا الموقف المستجدّ، والتطور الحاليّ في وسائط التشغيل والاشتباك الناريّ للعدوّ،على المقاومة أن ترفع من منسوب إجراءاتها الأمنية والحمائية من خلال:
1. تقليل البصمات الالكترونية للأفراد والأعمال: إن أهمّ أسباب نجاح وسائط القتال الجوية من طائرات مسيّرة أو مأهولة، هو ما تقدمه لمشغليها من بصمات الكترونية عبر استخدام وسائل العمل والاتصال عالية التقانة، من هواتف محمولة أو أجهزة لوحية أو كمبيوترات متصلة بشبكات الانترنت الدوليّة، لذلك فإن أهم إجراء لإعاقة عمل هذه الوسائط وتقليل كفاءتها، التقليل من استخدام هذه الوسائل حتى الصفر، فأمن المقاومين والعاملين يرتبط بعلاقة طردية مع قلة استخدام هذه الوسائل التقنية، فكلما قلّ الاستخدام، زاد الأمن، والعكس صحيح ، كما أن هذا ينطبق على الوسائل القتالية التي يستخدمها المقاومون مثل العبوات التفجيرية، فكلما كانت هذه الوسائل بعيدة في تشغيلها عن المشغّلات الالكترونية من دوائر وشرائح، كانت نسبة نجاحها أكبر وآكد.
2. اعتماد استراتيجية الاختفاء وليس التخفي عن أعين العدوّ الجوية والأرضية: يجب على المقاومين في هذه المرحلة من العمل التي طوّر فيها العدو من مفهومه العملياتي إلى تغيير استراتيجيته الأمنية، فاستراتيجية التخفي التي تعتمد على تغير الشكل الظاهر عبر تغيير اللباس أو اللون ــ مثلاً ـ لم تعد تجدي، وإنما يجب العمل وفق استراتيجية الاختفاء وعدم الظهور، إلا عند الحاجة العملياتية التي تتطلب الظهور والانكشاف، فهذا العدو مع هذه التقنيات، لا يصلح معه مبدأ اضرب واهرب، وإنما اضرب واختفِ، ولا تعُد للظهور شخصياً أو الكترونياً إلا عند ضربتك القادمة المفاجئة وغير المتوقعة.
3. تلويث الأجواء بالمسيّرات البدائية: كما يصلح لإعاقة هذه الوسائط الجوية، تلويث الأجواء بما تيسر من الطائرات المسيّرة البدائية والتي يتطلب عملها إشارات لا سلكية ومجالات جوية، وإن قلّت مساحتها أو كفاءة إشاراتها المرسلة، إلا أنها تشكل عائقاً ولو بسيط أمام عمل الوسائط الجوية المعادية، لذلك على المقاومة أن تمتلك ما تستطيع من كميات من طائرات الهواة التي تباع في الأسواق المحلية، لتعمد إلى تطييرها على شكل مجموعات في سماء منطقة عمليات العدو التي يستعين فيها بطائراته غير المأهولة للإسناد أو الاشتباك.
4. تقليل منسوب الرؤية الجوية عبر اعتماد السحب الدخانية أو الأغطية القماشية وغير القماشية: كما أن سواتر وسحب الدخان الكثيرة التي تنطلق من إطارات السيارات المشتعلة، أو من أي نار كثيفة يتم إشعالها في منطقة العمليات، تشكل عائقاً ولو بسيطاً يحد من كفاءة وسائط العدو الجويّة، ويرفع من منسوب حماية مجاميع المقاومة، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على ما يقوم به أبناء المخيمات والقرى المكتظة من عمل سواتر قماشية ــ بطانيات، شوادر، ستائر،... ــ تغلق المساحات المفتوحة جوياً بين الشوارع والزقاق والحارات الممكن إغلاقها عبر عذه هذه الوسائل، فتشكل عائقاً مهماً لرؤية العدو الجوية، وتؤمن غطاءً مناسباً لتحرك المقاومين، فيُنتزع من عدونا أحد نقاط قوته الرئيسية التي تمكنه من السيطرة على منطقة العمليات، مما يوفر للمقاومين فرصاً للنجاح وتسديد ضربات للعدو أكبر بكثير مما لو عملوا تحت سماء مفتوحة على فضاء واسع.
5. استغلال الظروف المناخية القاسية ــ أمطار، عواصف رعدية وبرقية، رياح شديدة، ضباب كثيف ـ لإنجاز المهام العسكرية: فهذه الظروف المناخية غير ملائمة لعمل مثل هذه الوسائط الجوية، وتحد من قدراتها العملياتية والفنية، وتمنع مشغّليها الأرضيين من تشغيلها، وتحد من كفاءة سيطرتهم عليها، لذلك فتحيُن مثل هذه الظروف في تنفيذ العمليات العسكرية، مثل الرصد وجمع المعلومات أو زرع العبوات أو التعرض للعدو بالإشتباك مع قواته الثابتة في نقاط التفتيش الدائمة أوالمؤقتة، تحُّين هذه الظروف للعمل يساعد كثيراً جداً في مهام المقاومين، ويحد من قدرات عدوهم، وتنزع منه نقاط قوة هو في أمس الحاجة لها.
6. ضرب مقرات ومحطات القيادة والسيطرة ـ المؤقته والدائمة ـ لهذه الوسائل: كما أنه من الأهمية بمكان ضرب مقارّ القيادة والسيطرة على هذه الوسائط، بمختلف وسائل القتال المتوفرة لدى المقاومين، حتى أن التعرض لهذه المقار بالمشاغبة المدنية عليها، كالمظاهرات والرشق بالحجارة والاقتراب منها والاحتكاك بها، يضع أطقم التشغيل والإسناد الأرضية لهذه الوسائط القتالية في ظروف تشغيلية غير مناسبة، مما يحدّ من كفاءتهم في إدارة وتوجيه هذه المركبات الجوية، الأمر الذي ينعكس سلباً على قدراتها القتالية، ويرفع من منسوب أمن المقاومين، وهنا نشير إلى أنه يمكن أن يتم تمييز هذه المقار بسهولة، فهي عبارة عن باصات مدنية أو نقالات جنود عسكرية، مجهزة بمجموعة هوائيات ولواقط إرسال واستقبال لا سلكية، ترافقها أو تجاورها دوريات أو حراسات ثابتة، كما تتموضع وتستقر على المناطق المشرفة التي توفر لها أفضل إشراف جغرافي على منطقة العمليات .
هذه بعض من الأفكار والمفاهيم جئنا على ذكرها في هذه المقالة حول وسائط العدو الجوية التي يعزم على استخدامها في الضفة الغربية، علّها تكون مفيدة في سدّ ثغر من ثغور جهادنا، فلا يلج عدونا علينا منه. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
عبد الله أمين
12 09 2022