سياسة الاغتيالات الفردية
قراءة في الموقف والإجراءات الوقائية
أولاً: الموقف:
تشير معظم التقارير والمعطيات المنشورة عبر مصادر المعلومات العلنية إلى أن العدو الإسرائيلي قد قرر أن يعتمد سياسة الاغتيالات والتصفيات الفردية للتخلص من نشطاء المقاومة في فلسطين عموماً، وفي بؤر المقاومة الحالية خصوصاً؛ والمتمثلة في نابلس وجنين ومخيماتهما.
ثانياً: المهمة والأهداف المعلنة:
يهدف العدو من خلال مهمة الاغتيال والتحييد الفردي للنشطاء إلى تحقيق مجموعة من الأهداف من أهمها:
- ضرب مراكز ثقل المقاومة البشرية عبر تصفية نشطائها والفاعلين فيها، لا سيما مسؤولي المجموعات والمحركين الرئيسين للفعل المقاوم والحراك الشعبي.
- تقليل الخسائر التي من الممكن أن تلحق به وبجنوده أثناء توغلهم في المناطق لملاحقة المقاومين، والنشطاء من مختلف الفصائل والشرائح المجتمعية.
- عدم تثوير الحاضنة الشعبية للمقاومة والتي تزداد تأييداً والتفافاً حول المقاومة بعد كل عملية اقتحام واسعة تصاحبها خسائر جانبية في الأرواح والممتلكات.
ثالثاً: متطلبات التنفيذ:
ليحقق العدو هدفه من هذا الإجراء بنجاح؛ لابد من توفر مجموعة من المتطلبات التعبوية والتي من أهمها:
- المعلومات: في هذا العنوان فإن العدو يعمد إلى تكوين صورة واضحة عن الهدف المراد ضربه، عبر جمع معلومات تفصيلية دقيقة، مستفيداً من كل وسائل جمع المعلومات المتاحة من مصادر بشرية أو الكترونية أو فضائية ــ الوحدة 9900 ــ، في جهد تكاملي يرسم صورة دقيقة ومحدّثة أولاً بأول عن الهدف محل العمل. وأهم أدوات جمع المعلومات التي يستند لها العدو في هذا الجهد هي المصادر البشرية من عملاء ميدانيين، وعمليات التنصت والقرصنة ــ الوحدة 8200 ـ التي تتم لأجهزة الاتصالات الذكية، وكاميرات التصوير الأهلية المنتشرة في ساحة العمليات.
- القيادة والسيطرة الدقيقة: وحتى لا تقع أية خسائر جانبية العدو في غنى عنها؛ ولكي يتم سحب المجموعات المشاركة في عملية التحييد بأمان؛ فإن العدو بحاجة إلى تحقيق مستوىً عالٍ من القيادة والسيطرة على منطقة العمليات، بحيث يتأكد من شخصية الهدف إن كان شخصاً، أو دقة العنوان إن كان مقراً أو منشأة. وهنا فإن أدوات فعل العدو تبدأ بوسائل الاتصال الميدانية التي ترافق قواته العاملة في منطقة العمليات، وما هو متوفر من موجات لاسلكية تبثها أجهزة الاتصالات المدنية، وصور كاميرات المراقبة الأهلية، ولا تنتهي هذه الوسائل بالمسيرات التي تجوب أجواء مدننا وقرانا لتوفير الصورة الحية الآنية عن ساحة العمليات والاشتباكات.
- القدرات القتالية المناسبة: وحتى تكتمل دائرة العمل وتغلق على الهدف، فإن العدو بحاجة إلى منظومة قتالية نارية تغلق دائرة الهدف في أسرع وقت وبأقل الخسائر، وهنا فإن العدو يستعين بقوات قتالية، تبدأ بعناصر الجيش التي تؤمن محيط منطقة العمليات من الخارج، ووحدات القتال الخاصة مثل قوات اليمام، وسيرت متكال، والقناصين، وكذلك الطائرات المسيرة المسلحة التي تتناسب حركتها وتسليحها مع الهدف المراد تحييده والجغرافيا المعمول فيها.
رابعاً: الإجراءات التنفيذية:
أما عن الإجراءات التنفيذية التي يمكن أن يعمد لها العدو لتفعيل خيار الاغتيال أو التحييد الفردي فإنها تتعدد وتشمل الآتي:
- الاغتيال عبر عوامل بشرية: في مثل هذا الإجراء قد يعمد العدو للاستفادة من مصادره العملياتية في منطقة العمليات؛ بحيث يشغل عميلاً محلياً لإتمام عملية التصفية والتحييد، أو قد يعمد إلى ادخال قاتل محترف من جسمه الأمني الذاتي المختص في هذا النوع من الأعمال.
- الاغتيال عبر العبوات التفجيرية: هذا الإجراء يشبه ما قام به العدو في عملية الشهيد تامر الكيلاني حديثاً، وما استخدمه في استهداف الشهيد يحيى عياش رحمه الله في 05 01 1996، وهو الأسلوب الذي مارسه كثيراً ضد قادة ونشطاء المقاومة الفلسطينية أثناء الحقبة البيروتية وما بعدها.
- الاغتيال عبر الطائرات المسيرة: يعد هذا الأسلوب من أهم الأساليب التي يعتمدها العدو ضد عناصر المقاومة وقادتها، فقد استخدم ضد الجمالين ( جمال سليم وجمال منصور )، وهو نفس الأسلوب الذي تمت به تصفية الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي، وبنفس الوسيلة استهدف القائد أحمد الجعبري في غزة، وغيرهم من قادة المقاومة الفلسطينية، حيث يرى العدو أن هذا الأسلوب من أكثر الأساليب أمناً، فيكفي أن يضاء الهدف بأشعة الليزر، أو أن يوضع فيه أو بالقرب من شريحة الكترونية تتولى توجيه النار وجذبها نحوه، دون المخاطرة بإدخال عميل أو تشغيل قدرات قريبة تحتك مع بيئة الهدف قبل الإطباق عليه. وهو ما نعتقد أنه سيلجأ له العدو في الضفة في حال رأى تحسناً في إجراءات المقاومة الوقائية ــ كلما تحسنت قدرات المقاومة الوقائية مال العدو إلى استخدام هذا النمط من العمليات.
- الاغتيال عبر القنص عن بعد: وهذا أسلوب عمل لا تستغني عنه أية قوة عسكرية تعمل في مناطق الاضطرابات أو تنتشر على محاور المواجهات، بحيث يتم تحييد المحركين الرئيسيين وقادة المواجهات والاشتباكات عبر استهدافهم بنار القناصة المنتشرين والمتموضعين على المناطق المسيطرة على ساحة العمليات، فتنشغل جموع المتظاهرين بسحب الجرحى أو الشهداء، فينفرط عقد المواجهات، فتهدأ بعدها الساحات.
خامساً: الإجراءات الوقائية:
أمام هذا الموقف على نشطاء المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية أن يلجأوا إلى تنفيذ بعض الإجراءات الوقائية والتي من أهمها:
- السيطرة المعلوماتية: على بيئة العمل وساحات التحرك في شقيّها الهجومي والدفاعي، بحيث لا يفاجأوا بإجراءات العدو من الخارج ـ جهد معلوماتي هجومي، ولا يؤخذوا على حين غرة وغفلة فيستهدفوا بإجراءات عدوهم من الداخل ـ جهد معلوماتي دفاعي ـ.
- الإجراءات الهجومية: إن العدو لا يمكن أن يستغني عن الجهد الاستخباري البشري؛ خاصة عندما يقرر أن يفعّل إجراءات الاستهداف المركز عبر الاغتيالات والتصفيات، لذلك يجب أن يُخصَّص جزء من جهد المقاومة لمطاردة ظاهرة العملاء والجواسيس، لتطهير وتنظيف بيئة عملهم الداخلية، بحث تُفقأ عين العدو القريبة التي يرانا من خلالها.
- الغياب عن الرادارات المعادية: وقد تحدثنا عن هذه المسألة أكثر من مرة، ونحن نعيد الحديث فيها أيضاً في هذه المرة لأهميتها وحيويتها في تأمين ظهر المقاومين. يجب أن تغيب المقاومة عن رادارات العدو، فكلما أصبحت شخوص المقاومين وإجراءاتهم غير واضحة وغير معروفة من قبل العدو، كان التعرف على سلوكها والتصدي لهم وتحييدهم أصعب وأكثر أكلافاً.
- اعتماد إجراءات الدفاع السلبي: كطرق عمل لتوقي رؤية العدو، والغياب عن ناره ووسائطه القتالية، ونظر وسائله المعلوماتية، فاعتماد الحركة تحت السقوف المغلقة يقي من شر نار المسيرات الجوية، وعدم اصطحاب وسائط الاتصال الذكية؛ يفيد في تخفيض البصمة الالكترونية وحكماً في ضياع وستر المواقع الشخصية.
هذه إطلالة سريعة على هذا الموقف المستجد، يأتي من باب متابعة وتحليل سلوك العدو، توقياً واستعداداً لمواجهته وإفشال إجراءاته. والله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين.
عبد الله أمين
27 10 2022