بقلم:
الخبير العسكري والأمني:
عبد الله أمين  

12- 03- 2023

المعلومة الذهبية  

قراءة في الموقف والإجراءات الوقائية  

أولاً: الموقف:

بعد كل عملية اغتيال أو استهداف لمقاوم، أو تفكيك لخلية جهادية في فلسطين المحتلة عموماً؛ وفي الضفة الغربية خصوصاً، وبعد كل عمل استباقي للعدو؛ بعد كل هذه المواقف  تعود هذه الـ (منحوسة) لتقرع آذاننا، وتجمد الدماء في عروقنا، منتظرين خبراً عن شهادة عزيز، أو اعتقال مطارد، سمعنا اسمها -المعلومة الذهبية-  بعد استشهاد القادة الكبار، من الشهيد أحمد ياسين، إلى الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، ومن قبلهما و من بعدهما من شهداء، إسماعيل أبو شنب وأحمد الجعبري، وغيرهم من شهداء لحقوهم على هذا الدرب، ثم عادت هذه  (اللعينة) لتدق أبوابنا منذ شبت نار المقاومة في مدن الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، فلا يكاد يمضي شهر دون أن تسمعنا حسيسها، أو ترينا أثرها،  فما هي هذه المعلومة ؟  ومن هي هذه (القاتلة) لأبنائنا، (المرمّلة) لحرائرنا، الحابسة لحرية رجالنا وماجداتنا! هذا ما ستناقشه ورقة الموقف هذه، علّنا نتقي شرها، ونقطع خبرها، ونمحو، أثرها أو نردّ سهمها إلى نحر متعقبها.    

ثانياً: تعريف المفهوم والمصطلح:  

المعلومة الذهبية هي آخر الخيط الذي يبحث العدو عن طرفه الذي أمسك به،  بحيث تحوّل بحثه عن الهدف المطلوب من "بحث واستطلاع منطقة " إلى "بحث واستطلاع نقطة " إنها المعلومة التي تأتي بعد تطوير العدو للأثر الذي تركه المقاوم أو المجاهد  أو المناضل خلفه، إنها الأثر الذي لا يتهاون العدو في التقاطه حتى لو صغر حجمه، وتبعثرت معالمه؛ فبمجرد أن  يحصل العدو عليه ـ الأثر ـ ينمّيه ويراكم فوقه، إلى أن يصبح معلومة صلبة ذهبية تدله على هدفه، عندها يُطبق عليه، ويُشغّل المناسب من القدرات لتحييده، هذه هي المعلومة الذهبية، بهذه البساطة وبهذه السهولة، ودون الخوض في التفاصيل، أو استحضار ما يدعم هذا التعريف من برهان أو دليل.    

ثالثاً: أهمية هذه المعلومة:  

إن كانت تلك هي المعلومة الذهبية، وذلك هو تعريفها، فما هي أهميتها؟ ولماذا يبذل العدو في سبيل الحصول عليها الغالي والنفيس؟ بل إنه في بعض المواقف مستعد لأن يحرق مصدراً من مصادر معلوماته في سبيل الحصول عليها، أو استثمارها والاستفادة منها. تكمن أهمية هذه المعلومة في التالي من الأمور:  

1. تحديد المكان الدقيق للهدف:

 إن أول فوائد هذه الــ (معلومة الذهبية)  في أنها تحدد المكان الدقيق للهدف، فليس مضطراً العدو عند حصوله عليها  أن يسيح في الأرض، وينتشر في كل الشوارع والزقاق بحثاً عن هذا الهدف، إنها المغناطيس الذي يفصل الإبرة عن كومة القش، إنها الشريحة الالكترونية والبصمة الرادارية التي تهدي وتوجه الصواريخ الذكية نحو أهدافها المادية والبشرية، الظاهرة منها والمخفية.     

2. تحديد القدرات الدفاعية له:  

وهي من تحدد حجم القدرات الدفاعية التي يتحصن خلفها الهدف، وكيف يستعد للمواجهة، ومن هم أو هي الجهات التي تؤمّن له الدعم الإداري أو الناري، ومن الذي يمده بالماء والغذاء والعدة والعتاد؟ وهي من تجعل المهاجم يتوقع ردة فعل المدافع المتحصن المختفي؛ فيستعد له حتى لا يفاجأ، ويباغته من حيث لا يحتسب، إنها عدسة المكبر التي تجعل العدو يرى المشهد على حقيقته، وَيَقدره قدره.    

3. تحديد القدرات الهجومية المطلوبة لتحييد الهدف:  

فإن حددت تلك المعلومة المكان، وسبل الوقاية والدفاع، فهي أيضاً التي تقول ما هي وسائل  المهاجمة والانقضاض، وما هي القدرات والأدوات المطلوبة لتحييد الهدف بأقل الخسائر وبأسرع الأوقات، هل يُحيّد بوسائل تحييد تُشغل عن بعد؟ أم يتطلب التحييد وسائل قتال واشتباك تصلح للالتحام عن قرب؟ إنها التي تحدد وجوب أن نثقل المقاتل بالأدوات والوسائل تحسباً لأي طارئ، أو أن نخفف من كثير من الأحمال والأثقال، لنمكن المهاجم من المناورة بخفة ومرونة ترفع من كفاءة القتال، إنها هي -المعلومة الذهبية-التي تقول كل ذلك وتجيب على كل الاستفسارات المطروحة في هذا المجال.    

4. تحدد طرق العمل المطلوبة وزمانها لإنجاز المهمة بأسرع وقت وأقل الأكلاف:  

ثم إنها هي التي تفرض طرق العمل الأنسب لتحييد الهدف، وما هي الأوقات الأنسب لضربه، هل يباغت بليل أو يهجم عليه بالنهار؟ أم أن بدايات تمايز الخيط الأبيض من الأسود هي الأفضل في التحرك وأنسب للنزال؟ هل يقصف عن بعد؟ أم يشتبك معه عن قرب؟ هل تُطوق المنطقة قبل الدخول لها؟ أم يمكن أن يتم التسلل له بشكل هادئ خفي مخفي، فلا يستفيق الهدف إلا والعدو على أعتابه،  وقد بدأ بقرع بابه؟  

5. غلق دائرة هدف وختم ملف:  

وفي النهاية، إنها المعلومة التي يبحث عنها العدو بعد أي عمل، ولا يتهاون في تحصيلها، ويضع الوصول لها نصب عينيه حتى يغلق ملفاً مفتوحاً، ودائرة هدف ما زالت لم تكتمل، ولا يحيد عن البحث عنها، وتقصي أثرها، فإن حصل عليها؛ يسارع إلى استثمارها والاستفادة منها، فيغلق الدائرة، ويختم الملف.  

رابعاً: سبل الوصول لها ومصادرها:  

كيف يحصل العدو على الأثر الذي يوصله إلى تلك المعلومة؟ وما هي الوسائل والطرق التي يسلكها عندما يعثر على طرف ذلك الخيط؛ ليصل إلى منتهاه وعقدته الأخيرة؟ إنها أمورٌ -للأسف- نساعده نحن في وضع يده عليها، أو رؤيته لقرائنها والشواهد الدالة عليها، وهنا  يمكن الحديث عن كثير منها، ولكن سنقتصر على التذكير بأهمها، وهي على النحو الآتي:  

1. مصادر بشرية:  

إن أول مصدر يحصل من خلاله العدو على هذه المعلومة هي المصادر البشرية التي يشغلّها في كل مكان له فيها نشاط أمني أو عسكري، يا كرام، إن هذا العدو قد تغلغل بين صفوف أبناء شعبنا، وعرف ويعرف نقاط ضعفهم وقوتهم، وما يحتاجونه من حاجيات وتسهيلات، وما يتصفون به من ميزات وصفات  -علاج، سفر، مال، غضب، غيرة-  فيستخدمها للضغط عليهم من خلالها، وابتزازهم بها، فضعفت منهم شريحة؛ فتماهت معه، ووقعت في شراكه وحفره، فجاست خلالنا، تترصدنا، وتدله علينا، تنقل خبرنا، وتكشف سترنا، وهنا لا بد من التذكير والتأكيد على  أن هذا العدو مهما امتلك من قدرات فنية أو تقنية؛ فإنه لا ولم ولن يستغني عن المصادر البشرية في تحصيل الأخبار والمعلومات، ليبني عليها الخطط والتقديرات، لذلك فالحذر الحذر من عيونه ومجساته التي بثها ويبثها بيننا، تتزييا بزيّنا، وتنطق بلساننا.  

2. التتبع الكتروني:  

 ومن المصادر التي تمكن هذا العدو من الوصول إلى هذه المعلومة الذهبية، التتبع الالكتروني والتقني؛ من التنصت إلى التتبع إلى الاختراق؛ إننا نعيش في زمن الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والرقمية، التي تدل على حاملها باسمه وهويته الشخصية الدقيقة؛ أو تشير إلى نقاط ضعفه وقوته، ودائرة اهتمامه وما يلفت انتباهه، إنها تقول للمتتبع أن فلاناً قد خرج من المكان الفلاني، ويسير في المسير الفلاني، للوصول إلى المكان الفلاني! ليجد العدو في انتظاره فعلاً، أو يحصي عليه أنفاسه، ويشاركه في جلساته عن بعد! هذا التتبع هو الذي قال للعدو أن الشهيد يحيى عياش هو من يحمل سماعة التلفون، لتُفعّل العبوة التي زرعت فيه، فيرتقي رحمه الله شهيداً سعيداً إن شاء الله، إن هذه الطريقة -التتبع الالكتروني والتقني- أيضاً من أهم وسائل الحصول على تلك المعلومة الذهبية، أو على الأقل قد تكون هي مصدر طرف الخيط الذي يبحث عنه العدو ليصل من خلاله إلى هدفه ومبتغاه.  

3. معرفة نمط وهوية الفاعل:  

فلكل إنسان هوية شخصية، وبصمة عمل حصرية، يتركها خلفه من خلال تنفيذ المهمة عبر طريقة محددة يتفرد بها، ولا يشاركه في هذه الطريقة غيره، إن معرفة نمط العمل الشخصي، والبصمة المهنية للعامل؛ هي أيضاً من المصادر التي يمكن أن توصل إلى المعلومة الذهبية القاتلة تلك، فاليوم إن قيل أن سقف الباص قد طار؛ فهذا يعني أن مجاهدي حماس خلف الفعل! وإن قيل أن طائرة مسيرة خرقت الحدود الشرقية أو الشمالية لفلسطين المحتلة قد خرقت الحدود وبدأت بالتوغل غرباً أو جنوباً فهذا يعني أن حزب الله خلف هذا العمل، نفى ذلك أو لم ينفه، أثبته أو سكت عنه، فستشير الأصابع مباشرة إلى أصحاب هذه البصمات، وسيبدأ التتبع والمتابعة والتقصي من هذه النقطة.    

4. الروتين اليومي:  

والروتين من مصادر تكوين المعلومة الذهبية الذي يجب الانتباه له لتجنبه، وعدم الاستخفاف به، فإن عُرف عن الهدف روتيناً معيناً-أكل، شرب، مكان جلوس، ساعة حركة، مسار حركة- فإن هذا الروتين سيُستخدم في محاولة تكوين وتطوير المعطيات الأولية التي تكونت من مراقبة هذه العادات اليومية، ومعاودة دراسته، ستُستخدم في تحويلها  إلى معلومات أو معلومة ذهبية، تساعد في تحييد الأهداف، وحذف التهديد.  

5. الدفع للتحرك ورد الفعل:  

وقد يعمد العدو إلى دفع الهدف للتحرك بردة فعل وتسرع دون إجراء المراجعات المنطقية، والحسابات التأمينية، فيثير في حركته هذه (غباراً) يحمل في طياته مؤشرات وقرائن تدل عليه، فيجمعها العدو، ويضع بعضها إلى جانب بعض، مكوناً نقطة بداية يبدأ منها، ومنصة انطلاق ينطلق مرتكزاً عليها في مسيرة  البحث عن الهدف الذي يريده، والغاية التي ينشدها، فيثابر على متابعتها وصولاً إلى النهاية المطلوبة -قتل، اعتقال-  في غلق الملف، وتحييد الهدف.    

خامساً: طرق الوقاية من تسربها:  

نختم بما يمكن أن نقوم به من أفعال وإجراءات للوقاية من شر هذه المعلومة المنحوسة، (قاصفة) الأعمار ومخربة الديار، والتي من أهمها:  

1. معرفة البيئة الحاضنة:

إن أول ما يمكن أن نقوم به من إجراءات لتوقي خطر حصول العدو على هذه المعلومة،  وحرمانه منها؛ معرفة البيئة التي نتحرك فيها، مداخلها، ومخارجها، سكانها والقاطنين فيها، شجرها وحجرها، خلاتها وتلاتها، يجب على المقاوم أو الجهة التي توجهه وتديره أو تؤمن له الدعم والاسناد -ناري أو إداري - يجب على هذه الجهة أن تعرف المكان والبيئة معرفتها بكف اليد، وهذه المعرفة من قبل جهة الدعم والإسناد، لا تعفي الشخص المعني بمطاردة العدو أيضاً من معرفة هذه البيئة وما فيها ومن فيها،  إنها المعلومات ثم المعلومات ثم المعلومات، عين العمل وموجهه ومرشده.    

2. قطع التماس الالكتروني:

ومن أهم ما يمكن أن يحول دون العدو وحصوله على هذه المعلومة، أو طرف الخيط الذي يوصله لها هو؛ قطع التماس مع التقنيات الحالية التي تشير وتؤشر وتدل على صاحبها، هوية ومكاناً، يجب أن نتقبل أننا كمجاهدين ومقاومين ومناضلين، نقارع هذا العدو، ونشتبك معه في كل حين، وفي كل مكان، يطاردنا ونطارده، يبحث عنا ونبحث عنه، يجب أن نتقبل أن استصحاب هذه الأدوات يعني استصحاب جاسوس خطير؛ يدل علينا، ويحصي أنفاسنا، إننا بوضعه في جيوبنا كمن يضع الأفعى أو العقرب في ( عبه )؛ ستقرصه لا محالة، وسيقتله سمهما، فهلّا استشعرنا هذا الخطر فابتعدنا عنه!  

3. استخدامها بشكل عكسي:  

كما يمكن أن يتم استخدام هذه المعلومة بشكل عكسي ضد العدو، فإن حصل وتناهى إلى مسامعنا أو مسامع من يؤمّنون الدعم والاسناد لنا أن العدو قد حاز تلك المعلومة الذهبية التي يبحث عنها، وأنه في طور التحرك لاستثمارها والاستفادة منها في ضربنا وتحييدنا، إن علمنا بذلك؛ فعلينا أن نفكر كيف نحول هذه المعلومة القاتلة لنا، قاتلة لعدونا؟ هل يمكن ذلك؟ نعم، فيكفي أن تكون لدينا قناعة ابتدائية بأن هذا العدو يمكن أن تصله مثل هذه المعلومة وستصله لا محالة ، لنضع الخطط والتدابير التي تجعلنا نضربه حيث ظن أنه سيضربنا! ونستهدفه من حيث خطط لاستهدافنا.
 وقد ورد في التاريخ أن القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه سئل مرة بمَ بلغت ما بلغت من حنكة وفطنة قتالية؟ فقال: ما نزلت منزلاً إلّا وتوهمت عدواً يداهمني، فأعددت له خطة، ونصبت له فخاً، فليكن رضي الله عنه رائدنا وقدوتنا، فلا نؤخذ على حين غرة ولا نفاجأ في حين غفلة.  

4. صناعتها:  

كما يمكن صناعتها وبناؤها، فتبدو ذهبية، وهي في حقيقة الأمر (تنكية) لا قيمة لها، يمكن صناعة بيئة الكترونية تجذب انتباه العدو، وتشتت تركيزه عن المكان الأصلي والحقيقي للمقاوم أو المجاهد، فنجعل منها فخاً وكميناً، نستهدف فيه العدو، فنقلب سحره عليه، ونرد مكره إلى نحره، وهذا بحاجة إلى تضافر جهود الجميع، والعمل والتفكير بشكل جمعي وجماعي، مع حفظ الضوابط الأمنية ورعاية الأصول التأمينية، وتوزيع المهام والأدوار، وأن نخوض معركتنا مع عدونا في الزمان الذي نحن نختار.  

هذه بعض الأفكار والملاحظات المرتبطة بـ " المعلومة الذهبية "، أفكارٌ بحاجة إلى قراءة وتدقيق وتحليل، علّنا لا نؤتى من قبلها، ونتقي شرها، أو نستخدمها ضد عدونا. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.