أولاً : الموقف :
أنه اليوم الخميس ، وقد انقضى اليوم الثاني عشر لمعركة " طوفان الأقصى " بما فيه من مبشرات وما حاوه من مكدرات ، انقضى اليوم الثاني عشر للمعركة وانقضت مع زيارة الرئيس الأمريكي " جون بايدن " الذي جاء مؤيداً ، مشرفاً ، مطمئنا على حال وكيلة في المنطقة ، جاء وعاد تاركاً خلفه مستشارين وخبراء ، وكثير من التكهنات عما ستتركه زيارته هذه من آثار على الحرب ، غادر " الأصيل " لتحط اليوم في المنطقة ( الرحم ) التي ولد منها هذا الكيان ، ممثلة برئيس الوزراء البريطاني " سوناك " ليطمئن هو الآخر على وليده في المنطقة ، وهل لديه ما يبقه على قيد الحياة من أسبابها ؟ حركة سياسية في المنطقة والعالم ، من " جدة " في الجزيرة العربية ، إلى أروبا في أقصى الغرب المتوحش ، حراك لم يترك أثراً على سلوك العدو الإسرائيلي ؛ فما زالت آلة قتله تجوب سماء قطاع غزة ، ناشرة الموت والدمار في كل مكان وفي كل زمان ، فما كنتَ معهم من أهل أو أصدقاء في المساء ؛ قد لا يسعفك الحظ لتلقاهم في الصباح ، والعكس صحيح ، فآلة القتل لا توفر ولم توفر كبير ولا صغير ، ذكراً كان أو أنثى ، عاجز البدن أو صحيحه . كل هذا القتل والعدو ما زال في حالة من تخبط في تنفذ ما أخذ من قرارات ، فلا هو أقدم فاجتاح براً لينهي ـ على حد زعمه ـ خطراً ، ولا هو ناور فاقتطع جغرافيا فيقدم صورة لـ ( نصر ) يسعفه في السياسية ، لذلك فقد بقي المشهد لليوم الثاني عشر يراوح في مكانه ، مع أن العدو قد أنهى منذ قرابة الأسبوع حشد قدرات نارية وبشرية ما يسعفه معها العمل البري لو تجرأ على ذلك ؛ لكنه وقف حائراً ، هائباً من التقدم ، مكتفياً بالقصف والقتل عن بعد ، أو ما يسميه قادته العسكريين : القتال بالملاقط ، وهو نوعٌ من القتال ؛ قد يقتل ويدمر بل ويمسح عوائل بكاملها من السجلات المدنية ، ويحيل أحياء ومدناً إلى مسطحات أرضية ، وملاعب كرة قدم ، لكنه أثبت عجزه مع غزة وما فيها ومن فيها من بشر وحجر ، فلم يستسلم أهلها في السابق ولم يهاجروا ، ولن يستسلم أهلها في المستقبل أو يهجروا ، إذا فنحن ما زلنا في المشهد المعادي أمام تخبط وتردد وعدم حسم وتهيب ، من الأرض وما خبأته لهم في باطنها من مفاجئات وضربات .
فدعونا نراقب ونشاهد لنرى أين سترسو سفن هذا العدو في الأيام المقبلة ، مشيرين إلى أن العدو قد أعلن في اليوم الثاني عشر للمعركة أن خسائره العسكرية قد بلغت حتى كتابة هذا الموقف 306 جنود ، بين ضابط وعسكري ورتيب .
أما على الصفحة المقابلة حيث المقاومة وأهلها وناسها ، فما زالت محاصرة ، صامدة ، صابرة ، تودع كل يوم شهداء ، ولم يخرج لها صراخ ، عدى صراخ صغارها الذين تطحنهم آلة الموت المعادية ، ولم ترفع راية بيضاء ـ مع أن رايتهم بيضة ـ وبقيت تلوح براية الثأر الحمراء ، متوعدة عدوها ومن خلفه بأنها في انتظاره عند كل زاوية وزاروب ، وعند كل باب وخلف كل محراب ، ستُخرج له من تحت الأنقاض ما يعيد له الصواب ، أو يُطيّر ما بقي في رأسه من عقل ، فهاهي ـ المقاومة ـ تشتبك معه بالنار في غلاف غزة ، فتصليه بصليات الصواريخ وقذائف المدفعية حيث يحشد قواته ، وينشر آلاته ، وتطال قذائفها عمق فلسطين المحتلة ، فما أن غادر ولّي أمر هذا الشقي ، حتى حطت الصواريخ رحالها في " تل الربيع " و منطقة " غوش دان" ، و" وعسقلان " و " حتسوريم " ، وبقيت المقاومة الإسلامية في لبنان " حزب الله " مشتبكة معه في جنوبه ـ لبنان ـ وعلى طول خط الحدود ؛ من " رأس الناقورة " على البحر وحتى أعالي مرتفعات "العرقوب " على كتف جبل الشيخ ، فضربته في " جل العلام " و "المطلة " و " المنارة " و " المالكية " وفي " العمق الفلسطيني عبر مجموعة مقاتلة من الجماعية الإسلامية اللبنانية " قوات الفجر " التي صلت العدو بنار صواريخها ، معلنة أنها جزء من هذه المعركة ، وأن لها فيها نصيب ، لقد بقي الجنوب اللبناني مشتبكاً مع هذا العدو إلى الدرجة التي قال فيها العدو أن اليوم الثاني عشر للمعركة كان أشد أيام القتال عليه في هذه المنطقة ، والتي زف فيها " حز الله " حتى كتابة هذه الموقف 11 شهيداً فضلا عن 3 شهداء قدمتهم " حماس " . في اليوم الثاني عشر للمعركة دخلت العراق على خطها ، فقد استهدفت قوىً من المقاومة العراقية قواعد الجيش الأمريكي في " عين الأسد " و " الحرير " في الأنبار وأربيل ، بثلاث مسيرات انتحارية ، معلنة أنها جزءٌ من معركة الشعب الفلسطيني ، تسهم بها بما تقدر عليه ، ومستعدة لتطوير الإجراء إذا تطور الموقف .
أما في الضفة الغربية ، فما زال العدو يحكم قبضته عليها ، بالتضييق والاعتقال الذي طاول أفراداً ومسؤولين ، حزبيين وشعبين ، كما بقيت قطعان المستوطنين تجوب قرانا ، وتعتدي على مدننا ، ومع هذا كله ، فقد أعلنت القدس النفير ، وجابت المدن والقرى المظاهرات المؤيدة ، واستشهد في عورتا شهيد ـ نائل دويكات ـ وهو يحاول زع عبوة ناسفة بالقرب معبرها ، وفي دورا القرع استشهد محمد عبد الرحمن ، كما قدمت شقبا شهيدين ـ قيس تيم شلش (17 عامًا)، وخليل محمد خليل (15 عاًما) ـ ليرتفع عدد شهداء الضفة الغربية منذ بدء حرب " طوفان الأقصى " إلى 64 شهيداً ، فضلا عن المعتقلين أو المصابين ، وفي هذا الصباح ـ س : 0650 ـ أعلن عن استشهاد أحد الفدائيين وهو يحاول زرع عبوة ناسفة في طريق قوة صهيونية تقتحم مخيم " نور شمس " في " طول كرم " ، مشيرة هذه الأفعال وتلك التضحيات إلى أن الضفة الغربية ما زالت تحاول أن تضع بصمتها في هذه المعركة ، مع كل ما يمارس عليها من تضييق من العدو و ( الصديق ) . أما عن مدننا وأهلنا في مناطق الثامنة والأربعين ، فما زال المشهد على ما هو عليه ؛ فالتضييق والتهديد منع ويمنع أي حرك حقيقي يمكن أن يؤثر على المشهد في قطاع غزة ، وقد تنبه العدو لخطر أهلنا هناك إبان معركة " سيف القدس " فهدد في هذا المعركة قائلاً : أن من يريد أن يخرج لتأييد أهل غزة ؛ فسنضعه في باصات وننقله إلى غزة ليؤيدها من هناك وبشكل مباشر .
وفي فعل التأييد العربي والإسلامي والعالمي لأهلنا في غزة ؛ فقد بقيت مدناً وعواصم عربية وإسلامية تمور بالمتظاهرين المؤيدين ، من طنجة إلى جاكرتا ، محاولين اقتحام السفارات ـ الأردن ـ ومزعجين القنصليات ـ إسطنبول ـ مما دفع العدو لسحب دبلوماسييه من بعضها ، ورعاياه من البعض الآخر ، وقد بلغ التأييد لغزة وأهلها في العاصمة الأمريكية مبلغ دفع فيه المتظاهرين إلى الدخول إلى مبنى الكونغرس الأمريكي مطالبين بوقف آلة قتل العدو في غزة.
أما عن الجهود السياسية ، فجعجعة بلا طحين ، وصراخ في واد ، من " الجامعة العربية " إلى " منظمة التعاون الإسلامية " مروراً بـ " مجلس الأمن الدولي " ، وليس انتهاء بمن نادي بترحيل أهلغزة إلى النقب إلى حين انتهاء العدو من حل مشكلته مع المقاومة فيها ، ثم يعدهم إلى مساكنهم !! فلا المعابر فتحت إنسانياً ، ولا الجرحى نقلوا ليطببوا ، وقيل أن وعد أخذه ( أصيل ) من ( وكيل ) بفتح لمعبر رفح ، ننتظر تحوله إلى واقع وحقيقة ، و ( لا تقول فول ليصير في المكيول ) ، أما اللافت في سياسية اليوم الثاني عشر للحرب هو ما أعلن عنه ( الأصيل ) أثناء مغادرته للمنطقة بعد أن اطمئن على أوضاع ( الوكيل ) عندما صرح من على متن طائرته أنهم لن يرسلوا جنوداً للتدخل في حال تدخل " حزب الله " في الحرب ، وأنه قد اتفق مع وكيله على عمليات إجلاء ـ جهلها عمداً ـ ، وما صدر عن بعض المسؤولين الأمريكيين من أنهم لن يكونوا قادرين على العمل على أكثر من جبهة في حال وضعوا أمام خيار المشاركة الفعلية في الحرب الدائرة حالياً ومناوشاتها .
أما عن أهم الصفحات ذات الدلالة في الموقف في الـ 24 ساعة فيمكن التطرق إلى التالي :
ثانياً : التحليل والتقدير :
لن نطيل التحليل ، فالمشهد يصف نفسه ، ( الأصيل ) و ( وكيله ) في مأزق ، والمقاومة في غزة وناسها تحت الضغط والحصار ، والداعمون للمقاومة والمؤيدون لها في تململ واشتباك مع العدو ، فلا الأول أطلق صافرة الانطلاق ، ولا الثاني كسر حاجز الخوف والتهيب ، فبقي متهيباً منتظراً ظرفاً مناسبا ً علّه ينهي مراوحته والانتظار ، أما الثالث ـ المقاومة ـ فلا رفعت راية بيضاء ولا صدر عنها ما يشي أنها في مأزق ـ وإن كانت مضغوطة ـ فصواريخا تنطلق وفق برامجها هي ، وبعض جنودها ما زالوا ـ وبشهادة عدوهم ـ في مناطق غلاف غزة ، منتظرين غير مشتبكين ، وما تقوم به المقاومة في جنوب لبنان يفعل فعله ، فالعدو ما زال غير قادر على نقل قوات نظامية من الشمال هو في أشد الحاجة لها في الجنوب ، ودخول الجبهة العراقية على خط الاشتباك أربك الأصيل ، فبدى ظهره مكشوفاً ، وقرأ الرسالة وفهم مضمونها . ولكن هناك للعدو أهدافٌ ـ تأمين الكيان وخفض حدة التهديد جنوباً ـ يريد تحقيها دون أن يفتح على نفسه باباً جديداً ، وتهديداً لا يملك للتعامل معه فائضاً من الموارد ، فهل يبقى يراوح في المكان ؟ فتتحلل معنويات جنوده ـ المتحللة أصلاً بعد مفاجأة السابع من أيار ـ مع طول مكوثهم ، وبداية تملل جبهتهم الداخلية .
لذلك وعليه وأمام هذا الموقف فإننا نعتقد أن مجريات الموقف في الـ 24 ساعة القادمة سوف تكون على النحو التالي :
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
عبد الله أمين
19/ 10/ 2023