بقلم/ بلال بلال
يمر على شعبنا الفلسطيني هذه الأيام واحدة من المناسبات المؤلمة والمريرة على كثرتها، حيث أنهى الأسير كريم يونس محكوميته في السجون الصهيونية 40 عاماً، نعم 40 عاماً من الموت اليومي وهو أقل تعبيرٍ عن المعاناة التي يلاقيها الأسير الفلسطيني في هذه السجون دون ذم الموت كونه راحة للأسير المؤبد، وفي هذه المناسبة كان لا بد لي من توضيح مسألة مغلوطة متجذرة في الوعي الفلسطيني بوعي قياداته وتحت مسؤوليتها واتجاه جماهيره والمسؤولية هنا أعظم.
وهنا أبدأ على سبيل الإيجاز بسؤال قد يكون غير مريح ومحرج للبعض، ولكن لصدق سوء الحال الذي وصلنا إليه يستدعي منا كسر الصمت والبدء بالمصارحة، للتبصر والنظر بعين العقل والحقيقة لعلنا نستفيد ونترك ما تعودنا ونشأنا عليه من زيف ومكابرة وتشويه للحقيقة، وللواقع المرير والصعب الذي نلاقيه كأسرى فلسطينيين، والحال المتدهور للقضية الفلسطينية والذي يحتم على كل فلسطيني حر مصارحة نفسه بالقول والفعل لتغييره ووضعه على النهج والمسار الصحيحين، والذين لم يتم بنائهم يوما بمستوى يناسب ويصب ما يهدد الوجود الفلسطيني وفقدانه أرضه.
ومن هذا الألم يخرج التسائل عن الكيفية والاستطاعة التي يتهرب ويتنصل ويتحلل الفلسطينيون بهما من المسؤولية الكلية تجاه تحرير الأسرى، قبل أن أستطرد في الإجابة لا بد من وضع بضع نقاط على حروف القضية الفلسطينية الكثيرة، والتي تحتاج منا الكثير من الدراسة والمراجعة والتحليل والنقض والتغيير، بل واقتلاع الجذور الخبيثة التي تولد الفشل الممنهج والانحدار وتجاوزاتهم الدينية والوطنية المقولبة الجاهزة وحتى الراحة ورضى الضمير، والسكون و.. العاطفي والعملي تجاه أعظم مسألة والتي من سماتها الأساسية السرعة والحركية والتحول والتقلبات، والتي لم تكن يوما إلا على حساب الوجود الفلسطيني.
ومن أهمية المكان استحضار المقياس أو المعيار الأخلاقي للشعب بأهم الدوافع الإنسانية والوطنية والدينية وكبرى المرجعيات الكامنة وراء أي منهج عمل سليم وواعي، وبدونه لا يصلح العمل بل ويفسد، ولا يوجد فريضة وواجب وغاية أسمى من التي تعتبر الإنسان المركز وسعادته غاية الغايات، والحديث في هذا المقام لا تكفيه أسطر معدودة أو حتى صفحات أو كتب، للتعبير عن مدى أولوية الإنسان والمسؤولية الأخلاقية والعمل غير الإنساني الواقع على إثر الاستعمار الوحشي الظالم، فما بالك بالإنسان الفلسطيني الذي يحيى أو يموت فلا فارق بينهما في السجون الصهيونية.
وهنا لا بد من الأخذ بالاعتبار وبصورة جدية وإدراك ووعي أن هذا المقياس الأخلاقي خطير وعلى أهميته مطلقة، أي أنه يستخدم بصورة معاكسة ومختلفة، لتصل إلى التعارض التام مع المبادئ والأسرة والطبيعة الإنسانية والدينية والوطنية، لتصبح الأخلاق وقتها المسار الطبيعي إلى الشر ومنه إلى الشر المطلق، كما هو الحال لكل مرجعية أخلاقية استخدمتها الإمبريالية الغربية ومشاريعها الاستعمارية الوحشية، والتي طالت معظم أرجاء الأرض وسكانها، وفلسطين شاهد جليل على هكذا مرجعية أخلاقية مختلة، مرجعيتها القيمية أعلى درجات الشر وأرقى غاياتها القوة والعنف.
لذلك ليس محل هذا النقاش جهات أو جهود تفتقر إلى أدنى المعرفة والتقدير لهكذا قيمة إنسانية عليا، بل من العبث والاستهلاك المحرم بمعنى أن فاقد القيمة لن يفهمها ولن يتحرك من أجلها.
نعود إلى المناسبة والتي وصفتُها بالمؤلمة والمريرة وهي خروج الأسير كريم وماهر يونس بعد أن أمضيا 40 عاماً في السجون الصهيونية، كيف يمكن أن تكون هذه المناسبة غير أليمة ومحزنة أومفجعة، بل ومخزية ووصمة عار لكل ضمير حي وعقل سليم، إن الصورة الحقيقية الكئيبة قد يحاول أن يوضحها السؤال غير المألوف في الوعي الجمعي الفلسطيني، سؤال لا بد أن يتبعه مسائلة ومحاسبة لكل مقصر أو حتى هارب متنصل وهو كيف يترك الشعب الفلسطيني واحزابه ومسؤوليه وفصائله أسراهم في السجون الصهيونية كل هذه المدة الأزلية التي لا تخضع لمقياس السنوات الأرضية بل تخضع للطريقة الأخوية حيث كل لحظة تساوي ألف سنة مما تعدون، وما هي الوصفة السحرية التي استطاعت التغلب على تأنيب الضمير والتحلل من المسؤولية طوال هذه السنين اللانهائية، لانهائية الألم والمعاناة في العذاب، سأعطي تلميحا قصيرا وموجزا والباقي ليدركه العاقلون، قلب المعيار والمقياس الأخلاقي هي الوصفة السحرية، كيف ذلك وكيف أصبح ذلك نهج فلسطيني متكرر ومختزل إلى حد الغثيان؟، هذه بعض من كل المآسي.
إذًا إذا لقب أو نودي كريم وماهر يونس بالأسرى المحررين أم أنهوا محكوميتهم 40 عاما، إذا أصبحت وهي كذلك الآن عدد سنوات الأسر في السجون الصهيونية، وطولها مفخرة للشعب الفلسطيني وقياداته وأحزابه وفصائله، أيضا إذا أصبح مصدر الفخر والعزة والكرامة صبر الأسرى وطول محكومياتهم، إذا أغدقت الألقاب والمناصب الفخرية على الأسرى دون العمل على تحريرهم، وإذا حرف الخطاب الفلسطيني عن المسؤولية الوطنية التي توجب تحرير.