تقـــديـــر مــوقــــف
إعداد:
مركز حضارات للدراسات السياسية والاستراتيجية
لا يخفى على أحد بأن الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية تزداد سخونة، وأن الاحتلال تلقى ويتلقى ضربات موجعة من خلال العمليات النوعية التي تنفذها المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، مع اتساع رقعة العمليات وتكامل المحافظات في العمل المقاوم.
مما جعل الحكومة الإسرائيلية في حالة تخبط مستمر دون أن تجد حلًا نهائيًا، فعقب كل عملية موجعة في الضفة الغربية يبدأ مسؤولي الكيان بالتصريحات والتهديدات العشوائية والتي تكررت مرارا وتكرارا، فهل التهديدات والتصريحات في هذه الأيام جادة ومختلفة عن سابقاتها؟
تتلقى الحكومة الإسرائيلية ضربات متتالية وقاسية من المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وتأتي في ظل أزمة النظام السياسي الإسرائيلي، وانشغالها بتمرير التشريعات القانونية المثيرة للجدل والاحتجاج.
وكثير من المتابعين للشأن الصهيوني يعتقدون بأن حالة الرفض في صفوف جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي يمنع الحكومة الإسرائيلية من المبادرة في التصعيد على قطاع غزة؛ لذا وجب التنبيه بأن حالة الرفض التطوع للخدمة في صفوف الجيش الإسرائيلي تؤثر على جهوزية الجيش لخوض حرب واسعة، خاصة مع حزب الله أو إيران، وليس تصعيد لعدة أيام مع قطاع غزة.
فحالة رفض التطوع للخدمة في قوات الاحتياط تؤثر بشكل كبير على أداء الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، حيث تم نشر أكثر من 23 كتيبة من الجيش النظامي في الضفة الغربية.
ويشير نشر هذا العدد الكبير من الكتائب في الضفة الغربية إلى أمر هام وخطير، وهو التقصير في الأداء الرئيسي للجيش النظامي، فعلى سبيل المثال: حراسة الحدود الشرقية مع الأردن، وكذلك الحدود مع قطاع غزة، وحماية مستوطنات غلاف قطاع غزة والمستوطنات في الضفة الغربية، وحماية المرافق الرئيسية في الدولة وغيرها من المهام المستديمة للجيش النظامي؛ مما يتيح على المقاومين إيجاد الثغرات التي تمكّنهم من الإغارة على العدو على غفلة منه بل وتقصير مسبق.
برزت عدة عوامل تضغط بشكل كبير على حكومة الاحتلال، من أبرزها ما يتعلق بالشأن الداخلي للكيان: الاحتجاجات على الثورة القانونية، والاضرابات في بعض مؤسسات المجتمع المدني كالهستدروت "نقابة العمال" وغيرها من النقابات.
كل ذلك جعل حكومة الكيان تدخل في حالة فوضى وتخبط في اتخاذ القرارات، حيث كل وزير في الحكومة يدلي بتصريحات خارج سياق السياسة العامة لرئيس الوزراء، وزاد من استمرار التسريبات من بعض الوزراء في الحكومة لمناقشات المجلس الأمني والسياسي المصغر "الكابينيت" لأغراض شخصية، مما يشكل بلبلة مستمرة في الحكومة الإسرائيلية.
أما على الصعيد الخارجي للكيان، فإن القطيعة المستمرة للعلاقة بين الرئيس الأمريكي بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، جعل الأخير في حالة تردد من ارتكاب أي حماقة والمبادرة بأي عملية عسكرية ضد قطاع غزة أو اغتيال شخصية وازنة من قيادات العمل المقاوم، خشية فقدان الدعم السياسي من بايدن، وهذا أحد أبرز العوامل التي تشكل نقطة ضعف للحكومة الاسرائيلية.
تطور العمل المقاوم
كشفت أحدث حصيلة عقب عملية الخليل، عن مقتل 34 إسرائيليا منذ بداية عام 2023؛ وهي الحصيلة الأعلى منذ نهاية الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في حين قتل 29 إسرائيليا عام 2022 كاملا، وهو ارتفاع ملحوظ على عدد القتلى والاصابات، الأمر الذي أدى إلى زيادة الضغط على قيادة العدو من قادة الاستيطان ومن أحزاب الائتلاف في الحكومة للرد على هذه العمليات النوعية للمقاومة الفلسطينية، لاسيما بعد دخول جنوب الضفة الغربية على خط المواجهة والمقاومة، حيث يدعي الاحتلال أن المقاومة الفلسطينية في شمال الضفة الغربية توسعت نحو مدن الجنوب وخاصة مدينة خليل الرحمن المحسوبة على حركة حماس، مما أرّق قادة العدو، لاسيما وأن كل العمليات التي خرجت من الخليل كانت موجعة بشكل كبير ونتائجها مؤلمة للعدو، وتشير مما لاشك فيه إلا توسع رقعة المقاومة في مدن الضفة.
وتنظر إسرائيل بخطورة وقلق لهذا الأمر، لاسيما بعد التبني العلني والصريح لحركة حماس "الجناح العسكري" لعمليات عدة، مما يشكل تحدٍ واضح للاحتلال وأن اللعب بات عالمكشوف، وأن معادلة فصل الضفة عن قطاع غزة أمر مرفوض عمليًا من قبل حركة حماس والمقاومة الفلسطينية مجتمعة، وهي رسالة واضحة بأن العمل المقاوم في الضفة انتقل من طابعه الفردي إلى المنظّم.
والعمليات التي تبنتها حركة حماس هي:
- عملية الشهيد خيري علقم في القدس (٧ قتلى و١٢ إصابة)
- عملية الشهيدين مهند شحادة وخالد صباح جنوب نابلس (٤ قتلى و٤ جرحى)
- عملية الدهس للشهيد حسين قراقع في القدس (٣ قتلى و٦ جرحى)
- عملية الشهيدين حسن قطناني ومعاذ المصري في الأغوار (٣ قتلى)
- عملية الشهيد عبد الفتاح خروشة في حوارة جنوب نابلس (٢ قتلى)
- وعملية اطلاق نار نفذها مقاوم ببلدة حوارة جنوب نابلس (٢ قتلى).
السيناريوهات المتوقعة
على صعيد الضفة الغربية لا يوجد أي تغيير في سياسة الاحتلال، سوى زيادة إجراءات القمع، كتنفيذ عمليات عسكرية محدودة، واعتقالات مستمرة وخاصة لقيادات حركات المقاومة الفلسطينية، وهدم المنازل وتوسيع الاستيطان وعمليات الانتقام من قبل المستوطنين، هذا ما يبدو عليه المشهد في الضفة الغربية ولا يتوقع أي تغير عليه في المستقبل القريب، مع الأخذ بعين الاعتبار الضغط على السلطة الفلسطينية للعمل ضد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي ستسعى جاهدة في محاصرة المقاومين ومطاردتهم للحفاظ على بقاء سيطرتها، ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية تسعى لتعزيز وجود السلطة، حتى لا تنشغل في الساحة الداخلية عن الساحات الخارجية الساخنة، لاسيما أنها اشتعال الجبهة الشمالية مع حزب الله أو مع حركات المقاومة في الجنوب اللبناني.
أما على صعيد قطاع غزة والتهديدات غير المباشرة للقيادات، فهي دائمة ومستمرة؛ لذا يحاول العدو الإسرائيلي استرداد كرامته التي مُرغت تحت أقدام المقاومين في الضفة الغربية بتدفيع الثمن لقيادات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة؛ أي أن العدو لا يريد تصعيد مع قطاع غزة إلا في حالة وجود صيد ثمين له من كلا الحركتين، واغتيال قيادات وازنة من المستويين السياسي والعسكري، إضافة إلى محاولة استهداف شخصيات من الأسرى المحررين المبعدين إلى قطاع غزة.
أما على الصعيد الخارجي، فالعدو يصدر تهديداته المستمرة لنائب رئيس مكتب السياسي لحركة حماس القيادي صالح العاروري، وكذلك للأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، وهذا يعني أن أي محاولة لاغتيال أحد الشخصيتين سيجر المنطقة لتصعيد واسع، وقد يمتد إلى أشهر كما كان الحال في عدوان 2014 على قطاع غزة، فالظروف تتشابه لما كان عليه في عام 2014 حيث خطف ثلاثة مستوطنين في مدينة الخليل، وتبنت حركة حماس عملية الاختطاف؛ مما أدى لاندلاع جولة قتال امتدت لقرابة شهرين في قطاع غزة.
ستحاول الحكومة الإسرائيلية تغيير قواعد اللعبة مع المقاومة الفلسطينية، بتنفيذ عملية اغتيال خارج الحدود حتى لو كلف الأمر لتصعيد مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وكذلك ستكون المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة مستعدة للرد ومفاجأة العدو بأدوات جديدة وتكتيكات مختلفة لما كان عليه في الجولات السابقة، فالتجارب الصاروخية والطيران المسير رسالة واضحة بأن المقاومة تخفي إعدادًا عسكريًا لأي جولة قادمة.
ويبقى القول الفصل للميدان، وما تحمله الأيام القادمة من أحداث.