معادلة جديدة في غزة
يقلم: ناصر ناصر
ينشغل المحللون العسكريون في إسرائيل في الآونة الأخيرة في محاولة تفسير الأسباب الحقيقية لما أصبح يسمى بحالة "ضبط النفس" التى تنتهزها حكومة إسرائيل تجاه استمرار تساقط الصواريخ من قطاع غزة. والتى وصفها رئيس المعارضة الاسرائيلية بأنها تآكل مستمر في قدرة الردع الاسرائيلي أمام المقاومة الفلسطينية في القطاع، وذلك بعد أن جرب بنفسه تساقط قذائف الهاون بالقرب من مكان تواجده وتواجد العشرات من الاسرائيليين المحتفلين بميلاد الجندي الأسير شاؤول، فيما اعتبر على نطاق واسع كرد على اعتداء أعضاء الكنيست على أمهات الأسرى الفلسطينيين.
لقد أكد رئيس هيئة الأركان الاسرائيلي ايزنكوت 2-1-2018 أن أكثر من 60 صاروخ وقذيفة قد انطلقت من غزة خلال الأسابيع الأخيرة، منها 20 صاروخا في الشهر الاخير، مؤكدا أن إسرائيل تبذل جهودا سرية وعلنية من أجل وقف إطلاق الصواريخ، رافضا في نفس الوقت اقتراحات وصفها بالمتحمسة للرد بشكل أكثر حدة، كاغتيال قادة المناطق لدى كتائب القسام وأكد باستمرار في سياسة الرد الحالية للجيش الإسرائيلي.
أما وزير الدفاع ليبرمان فقد اختار أن يبرر الرد الاسرائيلي الحالي على صواريخ المقاومة من خلال اتهامه لقوى سلفية مدعومة من ايران بمحاولة جر حماس وإسرائيل إلى مواجهة شاملة لا يريدها الطرفان، وقد شكل هذا نوعا من التراجع عن الموقف الاسرائيلي السابق بتحميل حماس المسؤولية الكاملة عن كل ما يجري في قطاع غزة، كما اعتبر ليبرمان أن التصعيد قد يكون عائقا أمام تنفيذ أجندة الجيش الخاصة لاستكمال بناء الجدار العازل حول قطاع غزة، والقضاء على مشكلة الأنفاق.
لم يكن آفي جباي رئيس المعارضة الإسرائيلية وحيدا في وصفه سياسة الرد الإسرائيلي الحالية كتراجع واضح في قدرة الردع الإسرائيلية، فلقد وافقه في ذلك بعض كبار المحللين العسكريين في إسرائيل كما المحلل في صحيفة هآرتس 1-1-2018 حيث أشار إلى فشل إسرائيل في منع سقوط أكثر من 40 صاروخ وقذيفة خلال مدة لا تزيد عن 25 يوم، مشيرا إلى أن نقطة التحول كانت يوم اع؛ لأن ترامب القدس عاصمة لدولة إسرائيل 6-12-2017. أما آخر الاعتبارات التي تمت الاشارة اليها في الاوساط الاسرائيلية كمبرر لسياسة التصعيد الاسرائيلية الحالية، فقد كان اعتبار "الاحتجاجات الشعبية المستمرة " ضد نظام الحكم في ايران، بمعنى أن الحكومة ترى بأي تصعيد واسع ضد قطاع غزة سيؤدي إلى صرف الاهتمام العالمي عما يجري في ايران، وبالتالي إضعاف هذه الاحتجاجات اي إضرار بالمصلحة العليا لدولة الاحتلال، وتجدر الاشارة أن حالة عدم الاستقرار في إيران حتى وإن نتجت عن مطالب عادلة للشعب الايراني، فإنها تخدم الأهداف الإسرائيلية، وعلى الأقل في المدى القصير والمتوسط.
وأي كانت الأسباب للموقف الإسرائيلي الجديد فقد يكون أحد المؤشرات على نجاح المقاومة الفلسطينية في فرض بداية لمعادلة استنزاف جديدة لصالح المقاومة، وعلى حساب قدرة الردع الإسرائيلي، ويبقى السؤال مفتوحا إلى أي مدى ستستطيع هذه المعادلة الصمود في ظل التقلبات المستمرة في المنطقة، وهل سيشكل استهداف إسرائيل لهدف ذو قيمة عالية لدى المقاومة كنفق استراتيجي على سبيل المثال سببا في كسر أو تعزيز هذه المعادلة الجديدة.