قراءة تعبوية لسلوك قوات العدو في عملية الـ " مخيمات الصيفية "

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولاً : الموقف

شن العدو الصهيوني عملية عسكرية في مدن شمال الضفة الغربية ـ نابلس ، جنين ، طول كرم ، قلقيلية ، طوباس ـ أطلق عليها اسم " المخيمات الصيفية " . حيث بدأت هذه العملية فجر 28 08 2024 وانتهت فجر 06 09 2024 ، مستخدماً قدرات برية وجوية في تحقيق أهدافه من هذه العملية ، حيث بلغ استعداد قوات العدو المشاركة في هذه المناورة ما يقارب فرقة ناقص . هذا وقد أسفرت العملية عن تدمير كبير في البنية التحتية في منطقتي الجهد الرئيسي والثانوي للعملية . كما أعلن العدو في نهايتها ـ حسب زعمه ـ أنه قد حييد 36 مقاوماً ارتقوا شهداء ، كما اعتقل 46 موطناً من مناطق العملية ، وصادر 24 قطعة سلاح ، ودمر 3 مختبرات لتصنيع المتفجرات الشعبية ، فضلا ً عما فجره أثناء العملية من عبوات كانت مزروعة في مناطق عمل قواته ، وفي مسارات تقدمها . كما أعلن العدو عن قتل أحد جنوده وإصابة آخرين ، مع التدمير أو الاعطاب الجزئي لبعض آلياته العسكرية المشاركة في هذه العملية. 

ثانياً : هدف العملية

أعلن العدو أن أهدافه من العملية تنصب على ، القضاء على التهديد الذي بدأ يتبلور في مناطق شمال الضفة الغربية ، وتمتد مخاطره إلى الداخل المحتل ، فضلاً عن تهديد ( مغتصباته ) المنتشرة في هذه المنطقة ، وطرق المواصلات التي تربيط بينها ، حيث يتمثل القضاء على هذا التهديد بتحقيق الأهداف الآتية : 

  • القضاء على أكبر عدد ممكن من المقاومين والمطلوبين . 
  • تدمير الأصول المادية للمقاومة ؛ من مختبرات وورش تصنيع وإعداد للعبوات . 
  • جبي ثمن كبير من الحاضنة الشعبية عبر تدمير البنى التحتية والخدمية في مناطق العمليات العسكرية. 
  • إحباط وصد العمليات الخارجة من الضفة الغربية باتجاه الأراضي المحتلة عام 48 . 

ثالثاً : استعداد قوات العدو

تولت المنطقة العسكرية الوسطى للعدو قيادة وتوجيه هذه العملية ؛ كون المناطق المستهدفة تقع تحت مسؤوليتها ، مما يعني أنها ـ المنطقة الوسطى ـ كانت قادرة على تعبئة كامل قدرات المنطقة القتالية في حال تطلب الموقف القتالي الدفع بقوات أكثر من تلك المشاركة في هذه المناورة ، والتي بلغت بين 19 ـ 23 كتيبة عسكرية من مختلف الصنوف والاختصاصات ، مدعومة بجهد هندسي ، وآخر جوي واكب عمل سلاح المشاة ، الذي أنيط به تنفيذ الواجب الرئيسي للعملية . كما شاركت أجهزة أمن ومعلومات العدو ـ الشاباك ، وأمان ـ عمل قوات المناورة للاستفادة مما لدى هذه الأجهزة من مصادر معلومات ؛ تقنية وبشرية ، مطلوبة في قيادة وتوجيه سير العملية لتحقيق أهدافها المرجوة منها ؛ في أسرع وقت ، وأقل الأكلاف .  

رابعاً : جهود العدو

  1. منطقة الجهد الرئيسي

شكلت مدينة جنين ومخيمها وريفها منطقة الجهد الرئيسي للعمليات القتالية أثناء هذه العملية ؛ حيث سعت القوات العاملة في هذه المنطقة إلى تحقيق الأهداف الرئيسية المتصورة للعملية.   

  1. منطقة الجهد الثانوي

شكلت مدن طوباس ونابلس وطول كرم وقلقيلية منطقة الجهد الثانوي لهذه العملية ، حيث كان المطلوب من القوات في هذه المنطقة ، تحييد أهداف بشرية ومادية مُعيّنة سابقة ، مع حرمان المقاومة من إمكانية الاستفادة مما في هذه المدن من قدرات ، قد تهب لتعزيز المقاومين ودعمهم في منطقة الجهد الرئيسي ، بمعني أن هدف العدو كان تثبيت هذه المناطق ومنعها من المشاركة الفاعلة في التصدي للعدو في منطقة الجهد الرئيسي . 

وفي السياق ؛ كانت قيادة مناطق العمليات في منطقة المناور على النحو الآتي : 

  1. منطقة طول كرم : قائد لواء كفير العقيد يانيف باروط . 
  2. منطقة جنين : قائد لواء منشيه العقيد أيوب كيوف . 
  3. منطقة الأغوار : قوة تحت لواء الأغوار بقيادة العقيد أفيف أمير . 

خامساً : مناورة العدو

  1. محاور التقدم بالتجاه منطقة العمليات ومنطقة الجهد الرئيسي

المحور الأول معسكر سالم جنوب غرب : زبوبة ، رمانة ، تعنك ، سيلة الحارثية ، اليامون ، كفر دان ، حرش السعادة غرب جنين . 

المحور الثانيمعسكر مقيبلة / الجلمة :  شمال مخيم جنين شارع الناصرة ، الجلمة ، ضاحية صباح الخير ، تقاطع الشارع الالتفافي المؤدي إلى مغتصبة غانم . 

المحور الثالث معسكر الزبابدة : جنوب شرق جنين ، باتجاهين : خربة سبعين السويطات ، قباطية مثلث الشهداء. 

المحور الرابع معسكر دوتان : دوتان ، مفرق عرابة جنوب جنين ، شارع نابلس ، بير الباشا ، مثلث الشهداء . 

  1. الإجراءات التعبوية والقتالية المعادية في مناطق القتال :

تمثلت أبرز إجراءات العدو القتالية أثناء هذه المناورة بالآتي : 

  • حشد وتجمع لقواته على الحواف الأمامية للمناطق السكنية في منطقة العمليات . 
  • بناء مقار قيادة وسيطرة وتحقيق ميدانية في بعض الحارات والأحياء في منطقة العمليات . 
  • تسطيح ساحة المعركة والسيطرة عليها بصرياً ونارياً عبر استخدام الطائرات المسيرة ؛ المجنحة والدرون. 
  • محاصرة المناطق والتجمعات السكنية ، وتقطيع أوصال الجغرافيا ، ومنع التواصل فيما بينها . 
  • اعتلاء المناطق الحاكمة الطبعية ؛ مثل التلال والتباب المشرفة على منطقة العمليات ، أو المباني والعمارات السكنية المرتفعة والمنتشرة في مناطق المناورة ، ونشر القناصة على هذه المناطق والمباني . 
  • الدفع بالجهود الهندسية باستخدام الآليات المجنزية أو المدولبة ، لتمهيد طرق تقدم قوات المناورة ، وتطهيرها من العبوات الناسفة ، أو العوائق الصناعية والطبيعية . 
  • استخدام الطيران المأهول والمسير في تحييد الأهداف البشرية والمادية التي تظهر أمام العدو . 
  • الاستخدام الكثيف للنار والجهود الهندسية في تليين الأهداف ( الصلبة ) قبل احتكاك واشتباك العدو معها . 
  • الدوريات الراجلة والمؤللة ، والتي يتراوح استعدادها بين المجموعة حتى الفصيل ـ من 5 ـ 20 جندي ـ ، وفقاً لما يتطلبه الموقف أو المهمة . 
  • الاعتقال والتحقيق الميداني لتطوير الموقف وتوجيه القوات وتوسيع الوضعيات ، بناء على ما يتم تحصيله من معلومات . 
  • الاستخدام الميداني لبعض العملاء في إرشاد وتوجيه الحركة الميدانية لبعض قوات المناورة ، في بعض الأمكان الحساسة أو الخطرة . 
  • فتح وتحريك خطوط إدامة القوات وإمدادها ميدانياً ، بحيث لا يتطلب تزود آليات العدو أو جنوده بالوقود والطعام قطعاً للتماس أو الخروج منطقة العمليات . 

سادساً : نقاط قوة العدو

  1. المعلومات

لقد تحرك العدو بناء على معلومات ومعطيات صلبة ، وقرائن يعتد بها ، مكنته من تحييد أصول بشرية ومادية مهمة للمقاومة ، كما مكنته من تحقيق مستواً جيد جديد من الأمن لقوات المناورة ؛ البشرية والآلية . 

  1. فائض في القدرات

تمتعت قوات المناورة المعادية بقدرات قتالية ؛ بشرية ومادية ، مكنتها من تحقيق أهدافها أثناء المناورة ، كما كانت هذه القوات قادرة على الدفع بالمزيد من القدرات للتغلب على ، أو التعامل مع أهداف مُعيّنة ، أو لإجراء عمليات التبديل والتعويض ، لمنح  الجنود قسطاً من الراحة ، قبل معاودة الدفع بهم إلى ساحة المعركة . كما أن قدرات العدو الجوية أتاحت له التعامل مع أهداف من مسافات أمن مناسبة ، دون المخاطرة بالاحتكاك مع مجاميع المقاومة المنتشرة في منطقة العمليات . 

  1. السيطرة على منطقة العمليات :

لقد أتاحت القدرات البرية والجوية التي شغلها العدو في هذه العملية ؛ أتحات له قدرة عالية على السيطرة على منطقة العمليات ، وتقطيع الجغرافيا ، والحد من حرية حركة مجاميع المقاومة العاملية في هذا الحيز العملياتي . 

  1. الجهد الهندسي

لقد مكن الجهد الهندسي العدو من ( تطهير ) بعض مناطق العمليات من جهد المقاومة الهندسي والمتمثل بالعبوات و ( النسفيات ) المعدة مسبقاً ، كما أن هذا الجهد المعادي مكن العدو من كشف ما ستره المقاومون من ممرات عبر استخدام الأغطية القماشية ، مما زاد من فاعلية سيطرة وسائط العدو الجوية في التعامل مع أرض المعركة والأهداف المنتشرة فيها . 

  1. مرونة المناورة

اتسمت مناورة العدو البرية بمرونة عالية ، مكنته من تحريك الجهود ونقلها من مربع إلى آخر ، والتعامل مع أهداف معروفة مسبقاً ، أو مُستنتجة آنياً عبر عمليات التحقيق الميداني ، الأمر الذي مكن العدو من تحييد قدرات بشرية ومادية يعتد بها للمقاومة . 

سابعاً : تحليل الموقف

بناء على ما تقدم ؛ فإن العدو تحرك في منطقة العمليات بناء على تقدير معلوماتي يحتوي كثيراً من المعطيات والقرائن والمؤشرات ، جمعها عبر مختلف مصادر المعلومات البشرية والتقنية ، مما مكنه من المناورة بكفاءة عالية في منطقة العمليات ، محققاً بعضاً من أهدافه المشار لها سباقاً ، كما أنه استفاد في هذه العملية الموسعة مما استخلصه من دورس وعبر من عمليات الاقتحامات والمداهمات ـ الأمن الجاري ـ السابقة ، بحيث وفرت تلك العمليات السابقة ، لجنود العدو وقادته في هذه العملية اللاحقة ما يأتي : 

  1. معرفة بمراكز ثقل المقاومة وتجمع أصولها البشرية والمادية .
  2. معرفة ـ إلى حد ما ـ بأمكان انتشار المقاومة عند أي هجوم أو اقتحام . 
  3. أكسبت جنوده خبرة في التعامل مع الأرض والاستفادة منها على أمثل وجه . 
  4. معرفة نمط وشكل عمل مجاميع المقاومة  ، وردات فعلهم . 

ثامناً التوصيات

  1. مزيداً من دراسة وتحليل هذه العملية ، عبر دمج معلومات المصادر المفتوحة مع معلومات المصادر المغلقة ، ليبنى على الشيء مقتضاه . 
  2. التدقيق جيدأً لمعرفة شكل التهديد المستقبلي والمخاطر الناتجة عنه ، بناء على الدروس المستفادة من هذه العملية ، ليبنى على الشئ مقتضاه . 
  3. تجنب (التبرع) للعدو بأي معلومة أو قرينة تفيده في تطوير طرق عمله المستقبلية . 
  4. التحكم والسيطرة على المواكبة الإعلامية لأي عملية عسكرية تقوم بها المقاومة ، منعاً من سد ثغرات وتكوين تصورات للعدو عما تبنيه المقاومة من قدرات ، أو تنويه من إجراءات . 

كانت هذه قراءة سريعة لسلوك العدو وإجراءاته في عملية " المخيمات الصيفية " ، حيث لم نأتي على الحديث فيها عن دور المقاومة وما قامت به من إجراءات ، أو نفذته من ( مناورات ) ، لعدم إحاطة كاتب هذه السطور أو امتلاكه لمعلومات أو معطيات يمكن البناء عليها . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون . 


جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023