مذهب الأمني القومي القائم على محورية( أصالة) التهديد

عبدالله أمين

خبير عسكري وأمني

أولأً: بين يدي الموضوع : 

كنا قد تحدثنا فيما مضى عن مدارس ومذاهب الأمن القومي، التي تقوم الدول بناء على ما تتبناه منها، بصوغ نظريتها الخاصة لأمنها القومي، وتشتق منه أهدافأ، وتضع رؤى، وتصوغ ضوابط، وتقر سياسات. وفي حينيه قلنا أن مدارس الأمن القومي أربع لا خامس لها هي: 

  1. المدرسة القائمة على محورية الضرر، وقلنا أن روسيا تصدق على هذه المذهب كمثال.
  2. المدرسة القائمة على محورية التهديد، والكيان المؤقت المحتل لفلسطين المحتلة هو أصدق مثال على هذه المدرسة. 
  3. المدرسة القائمة على البحث عن فرص، أو (خلق) أزمات لتُنتج منها فرص، والعدو الأمريكي خير ما يمكن أن يساق من مثال على هذه المدرسة. 
  4. المدرسة القائمة على محورية الموقع، ويمكن أن يُستدل على هذا المذهب بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما يمكن أن تساق أفغانستان كمثال على هذه المدرسة، ولكن بتحفظ، تفرضة طبيعة البلد ونظامها السياسي الحالي. 

وحيث أننا منذ أربعة أيام في محضر الاشتباك الناري بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والكيان المؤقت الغاصب لفلسطين، وحيث أن منطلق ومبدأ ومحرك قيام العدو بالتعرض على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، منطلقه ما يتبناه هذا الكيان الموقت من نظرية أمن قومي قائمة على محورية التهديد. حيث أن الموقف كذلك؛ نعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لبسط الحديث حول هذه المدرسة، بما يساعد على فهم الموقف الذي نحن في صدده، واقتراح بعضاً من الإجراءات الممكن أن تساعد في مواجهة مثل هؤلاء الأعداء. 

ثانيا: في أصل الموضوع: 

  1. في تعريف المفاهيم والمصطلحات: 

الأمن: الأمن هي الحالة التي تتم فيها عملية التوازن بين الضرر والتهديد. 

التهديد: هو الحالة التي تتم فيها رجحان كفة المخاطر على حساب الضرر. 

مذهب الأمن القومي القائم على محورية التهديد: هو أحد مذاهب الأمن القومي الذي تتبناه الدول لمواجهة التهديدات والمخاطر الناتجة عنها، بحيث تقوم هذه الدولة بمحاولة إحباط هذا التهديد في مهده، قبل تبلوره، وخروجه إلى حيز التنفيذ، عن طريق عملية استباقية، تشنها تحت مختلف الذرائع. 



  1. في المقتضى: 

من صفات وميزات الدولة المستهدفة ــ الدولة التي تتبنى مدرسة محورية التهديد ـــ أنها هشة، ضعيفة، لا يمكن أن تتحمل تهديد خصمها أو عدوها لها، كونه يمتلك قوة (القوة = قدرة + إرادة) يستطيع عند تشغيلها الحاق أذاً جدي بها. هذه الدولة ــ المستهدفة ــ لو كانت قادرة على ستر أو القضاء على مكامن ضررها ، وتقوية نقاط ضفعها؛ كانت ستواجه التهديد عندما يخرج إلى حيز التنفيذ، أو عند وصوله إلى مناطق نفوذها، السياسية أو الجيوسياسية، وما كانت لتبادر للخروج لضربه في عقر داره، مثل هذه الدول في العادة تكون فاقدة للعمق الاستراتيجي الذي يُمكّنها من استيعاب التهديد، والمخاطر الناتجة عنه، وحيث أنها غير ذلك، تبادر بالعمل، ولا تنتظر وصول التهديد إلى عقر دارها. لذلك تقوم هذه الدولة ببناء مسار قوات قادر على جعلها تمتلك القدرة على: 

  • مواكبة تطور التهديدات المختلفة والمخاطر الناتجة عنها. 
  • امتلاك قدرات، وهياكل عمل، من مختلف الصنوف، قادرة على التعامل مع التهديدات، إن بشكل استباقي هجومي، أو متأخر دفاعي. 
  • مواكبة أي تغير في اتجاهات تطور التهديدات أو المخاطر الناجنة عنها. 
  • إعطاب بشكل كلي أو جزئي لمصادر التهديد في مهدها، حتى لو تطلب ذلك دفع خسائر وأكلاف. 
  • بناء سردية تمكنها من تبرير الإجراء أو الإجراءات الاستباقية التي ستقوم بها. 
  • البحث عن حليف أو حلفاء يساعدونها في تغطية مكامن ضررها، وتقوية نقاط ضعفها، لتقدر على النهوض بمهمة ضرب التهديد في مهده.
  • صناعة عمق استراتيجي يعوضها عن فقدان العمل الاستراتيجي الحقيقي الذي لا تملكه. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأعماق الاستراتيجية ثلاثة أنواع: حقيقي، صناعي، وهمي، وفي هذا تفصيل يطول ليس مكانه هنا.
  • بناء طبقات دفاعية برية وجوية وبحرية، متعددة بحيث تستطيع الدولة من خلال هذه الطبقات، تقليل حجم المخاطر الناتجة عن التهديدات التي تواجهها، أو يمكن أن تعرض لها. 

هذه بعض الإجراءات التي تقوم الوحدات، أو الحركات السياسية، بالعمل بمقتضاها بهدف القضاء على التهديد في مهده، أو الحد من مخاطره.

  1. في إجراءات المواجهة والتدابير:

لمواجهة مثل هذه الدول، أو الكيانات التي تتبنى مثل هذه المذهب في الأمن؛ هناك فرضتي عمل:

الفرضيةالأولى: أن المواجه هو دول ذات سيادة، معروفة الحدود، مشخصة الأصول الاستراتيجية، البشرية والمادية. 

الفرضية الثانية: أن المواجه لمثل هذه الدولة هو كان سياسي غير (دولتي)، كأن يكون حركة مقاومة، أو حزب سياسي مثلاً.

وهنا تتشعب طرق العمل، والإجراءات، الأمر الذي يطول الحديث حوله، لذلك سنكتفي بذكر بعض الإجراءات والضوابط والتدابير الكلية المتصورة لمواجهة مثل هذه الدولة، والتي من أهمها ما يأتي: 

  • يجب أن تكون إجراءات المواجهة من النوع القائم على نظرية الحرب غير المتكافئة. 
  • من أهم موجّهات بناء الجهاز الدفاعي للدولة المواجهة، أن تكون إجراءات دفاعها من النوع المركب، من إجراءات الدفاع " النشط العامل"، و "السلبي الخامل". 
  • امتلاك قدرات بشرية ومادية، قادرة على تعويض أي خلل أو نقص، وملئ الفراغات الناتجة عن أي عملية استباقية تبادر لها الدولة المعتدية على أصول الدولة المعتدى عليها. 
  • يجب إمتلاك قدرات بشرية وفنية قادرة على قراءة تطور الموقف المعادي، مع القدرة على قراءة نوايا العدو، ومعرفة مقاصده الحقيقية، التي تختبئ خلف بعض إجراءاته، وتصريحاته العلنية.
  • بناء منظومات قيادة وسيطرة قادرة على التعامل مع حالة اللا توازن الظرفي التي تنتج عن الضربة الاستباقية، بحيث لا تطول فترة فقدان التوازن التي يمكن أن يفاقم بقائها، أو طول مدتها الموقف ويؤزمه، بما يؤثر على خاتمة مشهد المواجهة الفعلي. 
  • يجب أن تمتلك هذه الدولة، أو الحزب أو الحركة، سرديتها الخاصة، التي تمكنها من تبرير أي عمل استباقي هي تقوم به، أو تفنيد أي عمل مبادر يقوم به خصمها.

نكتفي بهذا القدر من التوجيهات، آخذين بعين الاعتبار أن كل توجيه منها ينبثق عنه سلسلة طويلة من الأعمال والإجراءات، حتى يخرج من حيز الإنشاء إلى حيز الفعل. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023