*حين تنحني الشمس عند رفح، بين بندقية السنوار وجيفارا*

في أزقة حي تل السلطان - رفح، حيث تمتزج رائحة التراب بنبضات المقاومة، وقف يحيى السنوار في مواجهة غير متكافئة مع دبابة الاحتلال، وكأن التاريخ يعيد كتابة نفسه على وقع الثورات التي لا تعرف الخضوع. كانت تلك اللحظة تجسيدًا حيًا لفكر الثائر الحقيقي حيث تتلاقى المبادئ الثورية مع روح الفداء، وكان السنوار كما جيفارا، رجلًا ترك السلطة والملك، واختار درب الكفاح المسلح، ليضع بصمته في سجل الثورات الخالدة.

كما كان جيفارا يجوب أدغال أمريكا اللاتينية، يبحث عن الحرية لكل المضطهدين في العالم، كان السنوار يجوب شوارع غزة الضيقة، أزقتها المليئة بأحلام الأحرار. لم تكن المواجهة بينه وبين الدبابة مجرد معركة؛ بل كانت صراعًا بين فكرين، بين الفكرة التي تجسدت في السنوار، وبين القوة الغاشمة التي جسدتها دبابة الاحتلال. في تلك اللحظة الحاسمة، كانت البندقية التي حملها السنوار هي ذاتها التي حملها جيفارا؛ بندقية لا تُرفع لحب القتال فقط، بل لتغيير الواقع وإعلاء كلمة المظلومين.

وكما ترك جيفارا المنصب السياسي، وابتعد عن حياة الرفاهية ليقاتل من أجل ما يؤمن به، كذلك فعل السنوار، الذي كان بإمكانه أن يجلس في مكاتب القيادة، وأن يتحدث عن الحرب من بعيد، لكنه اختار أن يكون في المقدمة، في قلب المعركة. لم تكن السلطة تعني له شيئًا، فالملك الذي يتوارثه القادة في عيون الآخرين لم يكن له بريق في عيني السنوار، بل كانت الثورة هي ملكه الحقيقي، وكانت الحرية هي عرشه.

في تلك اللحظة، عندما أحاطته نيران الاحتلال، كان يحيى السنوار يشبه جيفارا أكثر من أي وقت مضى. فكما واجه جيفارا جيوشًا عاتية بروح لا تنكسر، واجه السنوار الدبابة والطائرات الحربية بعينين متوقدتين، وكأنه يقول: "هنا سأقف، وهنا سأقاوم، وهذه الأرض التي دُفنت فيها أحلام كثيرة لن تكون قبرًا لنا، بل ستكون منطلقًا لحريتنا".

تل السلطان بالنسبة للسنوار كجبال بوليفيا لجيفارا؛ المكان الذي تتحول فيه الفكرة إلى أسطورة، والميدان من الذي يصبح فيه الشهيد رمزًا لحياة جديدة. وكما كتب جيفارا اسمه بدمه في صفحات الثورات العالمية، كتب يحيى السنوار اسمه بدمه في صفحات المقاومة الفلسطينية، مؤكدًا أن الثورة ليست حالة مؤقتة، بل هي حالة مستمرة، ما دامت الأوطان محتلة والكرامة مهدورة.

لم يكن السنوار فقط قائدًا سياسيا وعسكريًا، بل كان تجسيدًا حيًا لفكرة أن الثورة لا تُقاد من المكاتب، بل من خطوط المواجهة، فالثائر الحق لا يبحث عن السلطة ولا يبتغي الراحة، بل ينظر إلى الملك بعين الثائر الذي يراه مجرد قيد يحول بينه وبين حلمه الحقيقي.

وهكذا، استشهد يحيى السنوار في رفح، حيث تلهث الرياح بحكايات البطولة على شفاه المقاومين، تاركًا خلفه درسًا لا يُنسى، أن الثورة ليست خيارًا، بل هي قدر يحمله الإنسان في قلبه.

وأكاد أجزم أن رمزية استشهاد يحيى السنوار ستشرق يومًا لتفوق رمزية جيفارا، فكما تسري النار في الهشيم، ستتسرب روحه عبر الأزمنة لتلهم الثورات في أقاصي الأرض. ولعلّ اسمه سيظل يُذكر، لا كقائد استشهد فحسب، بل كنورٍ أضاء درب الحرية للمناضلين، حتى أبعد من جيفارا، حيث سيظل صدى صوته الثائر يهتف في قلوب الأحرار عبر العصور.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2025