معاريف
تكشف صحيفة "الأخبار" اللبنانية عن الخلافات العميقة بين واشنطن والقاهرة والقدس حول مستقبل قطاع غزة، إلى جانب كشفها عن الوثيقة السعودية لـ"اليوم التالي" التي تدعو إلى تقوية السلطة الفلسطينية وتحييد حماس.
نشرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية سلسلة تقارير خلال الأيام الأخيرة ترسم صورةً شاملةً للمفاوضات السياسية المتعلقة بترتيبات "اليوم التالي" في قطاع غزة. ووفقًا للتقرير، تختلف الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل حول كل تفصيل تقريبًا يتعلق بمستقبل القطاع. ولا تزال واشنطن متمسكةً بمطلب نزع سلاح "آليات المقاومة الفلسطينية"، لكنها تمتنع عن وضع جدول زمني ملزم لهذه العملية. وتحرص الإدارة الأمريكية على الغموض المتعمد للحفاظ على المرونة السياسية ومنع الاحتكاك المباشر مع حماس، بهدف إتاحة المجال أمام تقدم تدريجي في إطار التفاهمات بين الطرفين.تشير الصحيفة إلى أن القاهرة تتبنى نهجًا أكثر حذرًا. فمصر تعتبر نفسها الوسيط الإقليمي الرئيسي، لكنها تعارض المشاركة في أي قوة دولية هدفها محاربة حماس. ونقلت صحيفة الأخبار عن مصدر مصري قوله: "القاهرة لن تقبل أن تكون جزءًا من قوة مهمتها تدمير البنية التحتية لـ"المقاومة الفلسطينية" أو القتال نيابةً عن إسرائيل". ويُزعم أن مصر تشترط مشاركتها في تشكيل أمني في غزة بـ"إجماع دولي واضح"، وتفويض محدد، وحظر تام على وجود القوات الإسرائيلية إلى جانب تلك القوة في قطاع غزة.
وفقًا للتقرير، أعربت تركيا وإندونيسيا بالفعل عن استعدادهما المبدئي للانضمام إلى التشكيل، لكنهما وضعتا شرطًا واضحًا: الحصول على ضمانات تمنع المواجهة المباشرة مع إسرائيل وتضمن أن تكون قوة حفظ سلام فقط . في المقابل، أبدت إسرائيل تحفظات شديدة، وصرحت مصادر سياسية للصحيفة بأن القدس غير مستعدة للتخلي عن سيطرتها الأمنية قبل اكتمال مهمة إعادة المخطوفين والقتلى. ونُقل عن القدس قولها إنها ترى في القوة الدولية تهديدًا مزدوجًا: لحرية عملها العسكري، وفرصة "للتغلغل السياسي" الذي سيمنح حماس شرعية.
أفادت "الأخبار" بتزايد الضغوط الأمريكية على الأطراف، وسلسلة زيارات دبلوماسية مكثفة تجري في المنطقة. وصل مبعوثو البيت الأبيض - ستيف ويتكوف، وجاريد كوشنر، ونائب الرئيس جيه. دي. فانس - إلى إسرائيل لعقد اجتماعات على مدى عدة أيام بهدف الترويج للمرحلة الثانية من الاتفاق. وتناول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه المسألة في منشور نشره على موقع "تروث سوشيال"، حيث كتب أن "عددًا من حلفائنا أبدوا استعدادهم للقدوم إلى غزة للقضاء على حماس بقوة هائلة"، لكنه أضاف أنه "لا يرى ضرورة لذلك في هذه المرحلة"، لأنه، حسب قوله، "لا يزال هناك احتمال أن تتصرف حماس على النحو الصحيح - وإن لم تفعل، فستكون النهاية سريعة ووحشية".وفي الوقت نفسه، عقد أمس في تل أبيب لقاء رسميا بين رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، وصفته الصحيفة بأنه "أرفع لقاء بين الجانبين منذ بداية حرب طوفان الأقصى"
نُقل عن مصادر مصرية قولها إن اللقاء عُقد في ظل ضغوط أمريكية مكثفة لتعزيز التنسيق بين القاهرة والقدس استعدادًا للمرحلة المقبلة من تنفيذ خطة ترامب. وأضافت المصادر أن رشاد أكد خلال اللقاء التزام حماس باتفاق وقف إطلاق النار واستعدادها للالتزام ببنوده، إلا أن إسرائيل أوضحت لها أنه لن يكون هناك أي تقدم سياسي قبل إعادة جميع الجثث.
مصر تضغط من أجل إدخال قوة دولية خلال الأيام المقبلة
أفادت الصحيفة أن الخلافات بين العواصم الثلاث لا تزال عميقة. تُلحّ مصر على نشر قوة دولية خلال الأيام المقبلة لتقديم المساعدات الإنسانية وعمليات البحث عن الجثث، بينما تُصرّ إسرائيل على أن حماس قادرة على القيام بهذه المهمة بنفسها، مُتهمةً إياها بمحاولة "كسب الوقت". في الوقت نفسه، تُقدّر واشنطن أن الثلاثين يومًا القادمة ستكون حاسمة للانتقال إلى تسوية مُستقرة في غزة، ومن المُتوقع أيضًا أن يصل وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى إسرائيل لإجراء مزيد من المحادثات.
في مؤتمر صحفي عُقد أمس، أشار فانس وكوشنر وويتكوف إلى أن تنفيذ خطة ترامب "يتقدم بشكل أفضل من المتوقع". وقال فانس إنه "تم إنشاء مركز تنسيق مدني-عسكري لإعادة إعمار غزة"، لكنه أقر بأن إعادة الجثث قد تستغرق وقتًا طويلاً. وأكد فانس وكوشنر مجددًا أن الولايات المتحدة لن ترسل قوات إلى غزة، مؤكدين أن أي قوة مستقبلية ستكون متعددة الجنسيات ولكن دون مشاركة أمريكية مباشرة.
في غضون ذلك، صرّح خليل الحية ، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة ورئيس الوفد الذي يقود المفاوضات، لصحيفة الأخبار، بأن قطاع غزة "ملتزم بالاتفاق" وأن "الحرب انتهت"، كما وعد الوسطاء والأمريكيون.
وأضاف أن حماس تعمل على تحديد مكان جثث القتلى الإسرائيليين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.بحسب صحيفة الأخبار، يخشى المسؤولون الإسرائيليون من تنامي نفوذ حماس السياسي في المرحلة التي يُفترض أن تكون "بعد غد". ووفقًا للتقرير، تُجري حماس سرًا مفاوضات لتشكيل حكومة تكنوقراطية جديدة في غزة، حيث اختير نصف أعضائها بناءً على توصيتها، بينما اختارت السلطة الفلسطينية النصف الآخر بالتنسيق مع مصر. ويُعتبر هذا في إسرائيل بمثابة "تسلل من الباب الخلفي" يسمح للحركة بالحفاظ على نفوذها السياسي دون امتلاك أسلحة علنًا.
تعزيز حركة فتح وإعادة هيكلة مؤسسات السلطة الفلسطينية: كشف الرؤية السعودية "لليوم التالي"
في خضم هذه الوتيرة، تكشف صحيفة الأخبار أيضًا عن الوثيقة السعودية، التي أُرسلت نهاية سبتمبر/أيلول إلى جميع بعثات المملكة حول العالم. تحمل الوثيقة عنوان "رؤية المملكة لتحقيق السلام والاستقرار في قطاع غزة والضفة الغربية"، وتطرح رؤية الرياض لما بعد حماس وأسس تسوية سياسية طويلة الأمد.وفقًا للوثيقة، التي كُتبت "بروح رؤية الأمير محمد بن سلمان " بتاريخ 2 سبتمبر/أيلول 2025، ترى المملكة أن تقوية حركة فتح وإعادة هيكلة مؤسسات السلطة الفلسطينية شرطٌ أساسي لاستعادة الأراضي الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وتؤكد السعودية على أن "التعامل مع حماس ينبغي أن يكون خطوةً أساسيةً في بناء بيئة آمنة تُمكّن من إعادة الإعمار والاستقرار"، لكنها تتحدث عن عملية تدريجية - "تقليص الدور العسكري والإداري لحماس" وليس القضاء عليها تمامًا.وتتضمن الوثيقة ثلاثة أهداف استراتيجية:
- تحييد سلاح حماس تدريجيا من خلال اتفاقيات إقليمية ودولية تضمن الحياد.
توحيد أنظمة الحكم بنقل الإدارة إلى السلطة الفلسطينية بما يعزز الوحدة الوطنية.
تعزيز السلام الإقليمي من خلال تجديد عملية حل الدولتين والالتزام بالقرارات الدولية التي تمنح الفلسطينيين حقهم في دولة مستقلة.
وبالإضافة إلى ذلك، تقترح الرياض سلسلة من الخطوات العملية: التعاون مع السلطة الفلسطينية لصياغة خطة انتقالية متفق عليها لإدارة غزة، والتنسيق مع مصر والأردن لتقليص النفوذ العسكري لحماس، ونشر بعثة دولية تحت إشراف الأمم المتحدة يكون دورها "الحفاظ على السلام وتوفير الحماية للمدنيين".وفي الفصل المتعلق بـ"إصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية"، جاء أن المملكة العربية السعودية تسعى إلى "تمكين السلطة الفلسطينية كممثل شرعي وقادر للشعب الفلسطيني"، واستشهد بخطاب وزير الخارجية فيصل بن فرحان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 26 سبتمبر/أيلول 2025، والذي أكد فيه أن "إصلاح السلطة الفلسطينية هو حجر الزاوية في الوحدة الوطنية وإنشاء حكومة فعالة وشفافة".
تتضمن الوثيقة مقترحات عملية: تعزيز الشفافية وآليات الحكم الرشيد، ومكافحة الفساد، وضمان تمثيل جميع الفصائل الفلسطينية، وتقديم دعم اقتصادي مباشر للسلطة الفلسطينية لتحسين الخدمات المقدمة للسكان. كما تقترح المملكة العربية السعودية عقد مؤتمرات إقليمية وداخلية لتعزيز الحوار الفلسطيني الداخلي، وإنشاء صندوق دولي للتنمية المستدامة بالتعاون مع الأمم المتحدة والدول المانحة.وأشارت "الأخبار" إلى أن الوثيقة السعودية تتوافق بشكل شبه كامل مع مبادئ الخطة التي عرضها نتنياهو على الحكومة في فبراير/شباط 2024، باستثناء نقطتين أساسيتين: الأولى أن السعودية تدعم قيام دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، بينما تعارض إسرائيل ذلك؛ والثانية أن الرياض ترى في عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة شرطاً لإعادة الإعمار، وإسرائيل تعارض عودة السلطة إلى القطاع.وبحسب الصحيفة، فإن نتنياهو والسعودية ينظران إلى "اليوم التالي" بطريقة مماثلة: تحييد حماس، وإغلاق الأونروا واستبدالها بآليات مساعدات دولية، مع دور عربي مركزي في غزة - بالنسبة لنتنياهو من خلال دول "ذات خبرة في مكافحة التطرف"، وبالنسبة للمملكة العربية السعودية بالتعاون مع مصر والأردن.