نفذ الشابان الفلسطينيان عمران إبراهيم عمران الأطرش 19 عاما من سكان مدينة الخليل، و وليد محمد خليل صبارنة 19 عاما من بلدة بيت أمر شمال الخليلعمليةً مركبةً بدأت بالدهس لتستكمل بالطعن بالقرب من مفترق عتصيون شمال الضفة الغربية، حيث أسفرت العملية عن مقتل مستوطنٍ "اسرائيلي" وإصابة ثلاثةٍ آخرين، فيما استشهد المنفذان على الفور.
لتعكس العملية تحوّلًا في مسار الاشتباك الفلسطيني – "الاسرائيلي"، إذ تُظهر أن وقف إطلاق النار في غزة لم ينجح في تفكيك عوامل التوتر، بل نقل مركز الضغط "الإسرائيلي" إلى الضفة الغربية التي تزداد فيها قابلية الانفجار الأمني
وقد جائت العملية في اليوم 39 لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، واستمرار الانتهاكات "الاسرائيلية" للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، ليصبح تهديد تعدد الجبهات واقعيًا من ناحية فلسطينية بحتة بالنسبة للاحتلال، وقد ظهر والد الشهيد إبراهيم الأطرش أحد منفذي العملية في فيديو مصور معبرًا عن دهشته بفعل ولده الطالب في كلية التمريض مع زميله في جامعة بوليتكنيك فلسطين، ومؤكدًا على صوابية ما فعله ابنه بتعبيره: "هذا شيء بيرفع الرأس".
فيما نشر ضابط المخابرات المختص بمنطقة الخليل صورةً لوالدة الشهيد الأطرش على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تعرضه لعملية ضربٍ ممنهجة تظهر كيفية التفكير "الاسرائيلية" في فرض الأمن وتنفيذ سياسة القبضة الأمنية الحديدية ضد الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده.
حيث يتحرك الاحتلال عبر نشره لصورة والد الشهيد المعذب وفق خطةٍ تكتيكيةٍ يمكن أن ترقى لتكون استراتيجيةً حالية وفق مبدأ (هندسة الجمهور)، ويعد هذا الفعل جزءاً من استراتيجية أمنية شاملة تستهدف إعادة تشكيل البيئة الاجتماعية الفلسطينية نفسها وليس فقط ضبط الأفراد، حيث يظهر عدم اكتفاء الاحتلال بمعاقبة الفرد، بل سعيه لتوسيع دائرة الصدمة لتطال العائلة والمجتمع، على أمل خلق حالة ردع طويلة الأمد.
كما تتخذ المخابرات "الاسرائيلية" من شعار سلاح القنص العالمي: (اقتل واحد ترعب ألف)، ومن الجدير ذكره اعتبار المنطقة الجنوبية التي خرج منها الشهيد الأطرش منطقة إثارة نزعات ضد الاحتلال، حيث يتبارز الشبان الفلسطينيين على تنفيذ العمليات بإثخان أكثر كلما ساروا في الطريق وتقادموا فيه، متخذين من المثل الفلسطيني الشهير (عود يولّع غيره) منهجًا لهم.
لذا، فإن خطر قدوم العمليات من هذه المنطقة خصوصًا ومن مدينة الخليل عمومًا التي كانت تعتبر خزان الاستشهاديين لحركات المقاومة الفلسطينية يمثل تهديدًا للاحتلال لا يمكن التهاون معه بأي شكلٍ من الأشكال، وفقًا للنطرية الأمنية "الاسرائيلية" التي ترى في الخليل باعتبارها أكبر عقدة أمنية في الضفة الغربية.
ليس فقط بسبب كثافة العمليات سابقًا فيها، بل بسبب البنية الاجتماعية المحافظة التي تُنتج جيلاً جديداً من المقاومين باستمرار، حيث يتمثل التخوف بتنفيذ الشباب الفلسطيني للعمليات الفدائية ب (العدوى)، كنظرية التفجير بالعدوى.
وقد أثبتت تجارب الانتفاضات السابقة أن العمل الفدائي في الضفة يخضع غالبًا لمنطق العدوى، حيث يؤدي ظهور نموذج ناجح لتحفيز محاكاة فورية في مناطق مجاورة، ويعتبر ما حدث في مخيمات شمال الضفة منذ العام 2022 وحتى اللحظة من ظهور كتائب عسكرية مقاومة دليلًا دامغًا على ذلك.
فهل ينجح الاحتلال "الاسرائيلي" في ذلك؟
لا شك أن الاحتلال "الاسرائيلي" يعمل على تنفيذ العديد من السياسات المرهبة للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده عمومًا والضفة الغربية حاليًا خصوصًا، لكن القارئ لتاريخ النضال الفلسطيني يرى أن ما من سياسةٍ اتبعها الاحتلال في كسر شوكة الفلسطيني ومحاولة أدلجته إلا وأثبتت فشلها وإن كانت قد نجحت بنسبةٍ معينة، إلا أن نجاحها لا يتعدى النجاح التكتيكي ولا يرقى للنجاح الاستراتيجي.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، حين اتخذ رئيس الوزراء "الاسرائيلي" السابق اسحاق رابين سياسة تكسير العظام خلال انتفاضة الحجارة 1987-1993 لم يكن نجاحها بالقدر الذي يعتقد "الاسرائيلي"، بل كانت ذات تأثير عكسي للشباب الفلسطيني المعبر عن وقود الانتفاضة، حتى قال رابين مقولته الشهيرة: (أتمنى لو أستيقظ فأرى غزة غرقت في البحر!).
لذا، فلا يمكن أن تنجح سياسة الاحتلال "الاسرائيلي" بل ستكون محاولة من محاولاته المتكررة على طريق خمد الشعب الفلسطيني، ووأد قضيته المستمرة منذ أكثر من قرن -منذ بداية الاحتلال البريطاني لفلسطين-، وربما تكون عملية عتصيون بدءاً لسلسة عمليات مقاومة تابعة لإحدى الخلايا العسكرية التابعة لأحد التنظيمات الفلسطينية.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار النماذج السابقة للخلايا الفلسطينية، فإننا سنتطرق للخلية الفلسطينية التابعة لكتائب القسام، والتي أعطت الأمر بتنفيذ عملية النفق التي كان أحد منفذيها عبدالقادر عبدالله القواسمي من مدينة الخليل بداية معركة طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023 – 10 أكتوبر 2025، حيث أسست الخلية منذ عشر سنواتٍ تقريبًا دون قدرة الاحتلال على تفكيكها وفق تقريرٍ للمخابرات "الاسرائيلية".
لذا، فما دام الاحتلال لم يعالج جذور الصراع، فإن كل محاولة لضبط الضفةالغربية بالقوة ستظل نجاحًا تكتيكيًا قصير الأمد، بينما يتعمّق الفشل الاستراتيجي بمرور الوقت، وعليه، فإن الضفة الغربية تتجه نحو مرحلة قد تعيد تشكيل قواعد الاشتباك دون تحديد ذلك بسقفٍ زمنيٍ واضح، ما يجعل أي حديث "إسرائيلي" عن الاستقرار الأمني أقرب إلى الوهم منه إلى الواقع.