أمّة تدير ظهرها ورجال يسعون

وليد الهودلي

كاتب وأديب فلسطيني

وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى)
قصة قصيرة
وقفت عند هذا الرجل طويلا ،
كان المشهد أنّ هناك صراع محتدم، قوم شداد النفوس غلاظ الطباع ينكرون دعوة المرسلين جملة وتفصيلا، وصل الامر إلى تهديد المرسلين بالرجم والعذاب الاليم . 
لا شك بأن هذا الرجل المؤمن المتديّن كان أمامه خيارات متعددة: أن يلتزم تديّنا ناعما لا علاقة له بالقضية القائمة للأمة على قاعدة يسلم راسي ويبرّر لنفسه: "أنه لا طاقة لنا بهم والموج عالي وما أنا إلا فرد لا حول لي ولا قوّة"
ويرفع يديه يدعو بحب وصدق وإخلاص وافتقار ويقول لنفسه وفق حسابات الربح والخسارة والجدوى: ما الذي سأحقّقه إن رفعت صوتي وأظهرت إيماني أمام هذا الجبروت الطاغي، ستخسر البلد رجلا صالحا، النتيجة في معادلة الصراع لا تستحق أن تزهق روحا، لذلك درء المفاسد خير من جلب المصالح والحفاظ على النفس من ضرورات الدين الاساسية. 
وهناك خاطر يطرحه الشيطان في مثل هذه المحطات: كن مع الاغلبية وانج بنفسك وبإمكانك أن تنصح هؤلاء المرسلين المغامرين بأرواحهم أن يتراجعوا خطوة للوراء ويطرحوا دينا أقلّ خطورة أو لا يشكّل خطورة على هؤلاء فتدفع عن نفسك أذاهم حتى يغيّر الله هذه الاحوال التي لا تصبّ في مصلحة قضيّتك. 
تجاوز هذان الرجل هذين الخيارين ورفعته إرادته الايمانية المتحرّرة من كل آصار وأغلال الدنيا وهوى النفس ورواسب البيئة السلبية التي نشأ فيها، انطلق مؤمنا قويا متحرّرا إلى ساحة النزال بعد أن قرّرر قرارا مصيريا أن ينحاز إلى المرسلين علنا وأن يجهر بإيمانه وأن يكون ناصحا لقومه كما يجب، انحاز إلى قضيّته وهو على أعلى درجة من درجات التضحية. 
قال: (ما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون) ضرب صاروخا على الوتر الحسّاس، طالب بحريته من سلطانهم وأنه متحرّر من طغيانهم وهو بعبوديته لله لا يعبدهم ولا ينصاع لأمرهم. وبهذا يتحوّل عندهم من مواطن صالح إلى متمرّد يتطاول على السلطات. وهنا تناولوه وألقوا القبض عليه ذلك بأن خرج عن آلهتهم التي يعبدونها من دون الله والتي يها يبسطون سلطانهم على شعوبهم المستضعفة. 
أصرّ على موقفه ووجه نداءه للمرسلين: إنّي آمنت بربكم فاسمعون . قرّر أن يبقى على موقفه مهما كان الثمن وأن القضية التي آمن بها تستحق أن يدفع روحه من أجلها. ولم يلتفت إلى حسابات الشيطان ولا الدنيا ولا الانا الضيّقة، ذهب إلى رحابة الفكرة والقضيّة، انتصر في ميدان نفسه وانتصرت الفكرة في قلبه واستوت على سوقها محرّكة للارادة إلى أفضل عطائها .
دخل جنة قيم المرسلين في الارض فاستحق جنة السماء عند رب السماء والارض: (قيل ادخل الجنة) 
دخل الجنة وما زال قلبه معلّق بالقضية التي مات من أجلها، قلبه يشفق على قومه ويتمنى لهم لو يعلمون ما كان له من كرم عند ربّه وذلك من أجلهم ومن أجل صلاحهم الذي كان يرجوه لهم في دنياه. 
( انتهت القصّة) 
هناك كثيرون يسعون من أقصى المدينة نصرة لغزّة ، في لبنان واليمن والعراق ومن كل أنحاء فلسطين .. يرفضون كل الاصنام ويتحرّرون من كل ما يعيقهم عن السعي . أمّة تدير ظهرها ورجال يسعون لم تعقهم حسابات اولئك المثبطون والمرجفون. فمتى كانت حسابات المرجفين هي الرابحة . 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023