سورة الاحزاب بين الصادقين والمعوّقين

وليد الهودلي

كاتب وأديب فلسطيني

الاحزاب سورة في القرآن الكريم وللتسمية أهمية عظيمة إذ تكون الملخّص المكثّف السريع الحاسم لمضامين السورة، عندما تجتمع كلّ مكوّنات وجماعات الباطل دفعة واحدة وتظنّ أنّ الغلبة ستكون لها بفضل هذا التحشيد على الفئة القليلة المحاصرة والتي تظنّ بذلك أنّها ستحسم المعركة ، يجتمعون في خطّة واحدة وعلى ذات الهدف ليرموا المؤمنين من قوس واحدة الضربة القاضية. 
بدأت السورة بمخاطبة رسول الله أن يتق الله بعدم طاعة الكافرين والمنافقين، يا الله ما هذا المنطلق والاساس الذي منه سيتم ترتيب الامور، معسكر الكافرين مع المنافقين دائما يد واحدة على المؤمنين، لن تكون هذه الدول العربية المنافقة التي لم تحسم أمرها مع الحق إلا معهم مع معسكر الكفر ، هذه الاية من البداية تخبرنا أنهم كتلة واحدة ضدنا في المعركة فإياك أن تعوّل عليهم أو ترخي أذنك لسماع نصحهم أو طاعتهم بأي أمر كان .
ثم إن السورة تخبرنا بأن هذا الجمع الهائل أمام قدرة الله يوصف بهذه السورة هكذا : (إذ جاءتكم جنود) لأنهم أمام أمر الله مهما حشدوا وتجمّعوا ولو جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ولو جاءوكم بما تزيغ له أبصاركم وتبلغ به قلوبكم الحناجر ولو حتى يظن البعض بالله الظنون ويبتلى المؤمنون ويزلزلوا زلزالا شديدا، وحينها سيظهر المنافقون والذين في قلوبهم مرض ويقولون قولتهم الشنيعة:" ما وعدنا الله ورسوله ألا غرورا" وسيقولون لكم : لا مقام لكم ( ما هو وزنكم أمام هذه الحشود) اختصروا وارجعوا، تنازلوا والقوا سلاحكم وارفعوا الراية البيضاء وانجوا بأرواحكم . هؤلاء الذين هزمت أرواحهم وليس هذا فحسب وإنما يجنّدون ألسنتهم خدمة لعدوّهم ومن بوابة الحرص والقراءة السياسية الموضوعية الواقعية العقلانية القادرة على الحسابات الدقيقة لموازين المعركة. 
هذا الطابور الاخطر على معسكر الحق، لا يكتفون بالفرار بل يحملون راية التثبيط والتخويف والترويع والتي جمعتها سورة الاحزاب بكلمة واحدة:(المعوّقين).
وتقرر السورة مشهدية معسكر الحق عند اشتداد الامر وتجمّع أحزاب الباطل واقتراب الهلاك بحساباته الماديّة فيزدادوا ايمانا وتسليما لله ويقولون: هذا ما وعدنا الله ورسوله. 
في هذه الاوقات الحالكة يظهر الصادقون:" (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا)
ثم تأتي النتيجة الساحقة المقرّرة التي لا رادّ لها :
( وردّ الله الكافرين بغيظهم، لم ينالوا خيرا، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويّا عزيزا) 
الامر كله والقوة جميعا وإحقاق الحق وتقرير مصائر الامور إنما هي بيد القوي العزيز .. 
اطمئنوا أيها المؤمنون ولا تسمعوا مقولات المعوّقين مهما بلغت ألسنتهم الحداد فسيف الحق أمضى وأبلغ بإذن الله. 

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023