هآرتس
ترجمة حضارات
يوسي ڤרتر
تحليل: في اليوم الـ700 للحرب، تتبدّى غربة الحكومة عن المخطوفين، عن القتلى، وعن القيم الإنسانية
عشية صعود الاحتجاج إلى القدس، إلى منطقة منزل رئيس الحكومة، أطلق بنيامين نتنياهو إلى الفضاء الحيلة القديمة–الجديدة: “لجنة تحقيق حكومية، بصلاحيات لجنة تحقيق رسمية”. التوقيت غير عابر طبعاً. الهدف تهدئة شيء من الغضب الجارف لدى عائلات المخطوفين والعائلات الثكلى، ولدى أغلبية كبرى في الجمهور تؤيد الخيار الثاني؛ وإشغال الإعلام بقضية ليست الاحتجاج. والدافع شفاف أيضاً: منع إقامة لجنة رسمية من قِبل حكومة أخرى، بعد الانتخابات، تُعيَّن قانوناً من قبل رئيس المحكمة العليا.
السابقة التي يستند إليها نتنياهو هي لجنة ڤينوغراد لفحص أحداث حرب لبنان الثانية (أحداث، لا “إخفاق” كما قيل في تقرير أخبار 12). بافتراض أن نتنياهو جديّ (ومن العسير جداً تخيّله يدلي بشهادته أمام لجنة لا يجلس فيها “لوح الوطنيين”)، فسيتوقف التشابه عند العنوان. رئيس الحكومة إيهود أولمرت، الذي خشي لجنة رسمية، اختار في النهاية البديل الحكومي لكن غايته لم تكن “تغطيةً على الفشل”. وإلا لما وضع على رأسها رئيس المحكمة اللوائية السابق، د. إلياهو ڤينوغراد.
كل حقوقي مبتدئ كان يعرف من هو ڤينوغراد — القاضي الأكثر صرامة ودقة وعبوساً واستقامة، مثالاً وقدوة لزملائه. ليس شخصاً يقدم تسهيلات. وكذلك التركيبة: الحقوقية روت ڤِגبيزون، اللواءان (احتياط) حاييم نادال ومنحِم عِينان، والبروفيسور (للعلوم السياسية) يحزقئيل درور. قمة القمم. حين يعيّن نتنياهو جاليري شبيهاً ولو قليلاً، سنسُرّ بإبلاغ قرائنا. ثمة رهان شبه يقيني: كل من سيُعيَّن سيُضطر لنيل ختم المصادقة من السيدة سارة.
غير أن هذا ليس ضمانةً أيضاً. ها هو مراقب الدولة متنياهو أنجلمن، صنيعة رئيس الحكومة، نسي لمن يدين بمنصبه الرفيع، وأعدّ تقريراً مهماً لاذعاً عن أداء الحكومة المخجل. كانت الردود وحشية — “تقرير المراقب يتناول حواشي بلا أهمية حقيقية” — لكنها من دون قصد كشفت الوجه الحقيقي للمعلِّق الذي تعامل مع معاناة مئات آلاف المواطنين التي كتب عنها المراقب كـ“حاشية”. التقرير أكد ما كان معروفاً: لولا تنظيم “إخوة للسلاح” المُساء إليه ومتطوعون كُثر آخرون نهضوا لسدّ الفراغ السلطوي، لكان الوضع أسوأ بكثير.
اكتملت اليوم 700 يوم حربٍ بدأت مبرّرة وتطورت إلى حربٍ مخادِعة سياسية–ائتلافية–شخصية. 23 شهراً، 900 قتيل من الجيش، آلاف الجرحى والمعاقين، 20 مخطوفاً تحوّلوا إلى “موزِلمن” مكبّلين ومعذّبين في أنفاق غزة، وحكومة سيئة غريبة؛ غريبة عن القيم الإنسانية واليهودية، تندفع كالممسوسة نحو احتلال القطاع بثمن دموي مروّع، فيما تُهمِل وتُخاطر بمن لأجلهم هم هناك.
لكن في القدس اشتعلت سيارة بعدما أُضرِمت حاوية نفايات قربها. “إرهاب!” صرخ الوزراء الذين لا تُخرج منهم بكلمة تهديد مدفعي أي شتيمة بحق مئات الإرهابيين اليهود في المستوطنات الذين يحرقون سيارات وبيوت الفلسطينيين كفعل روتيني (أو مقر الشاباك في بنيامين). “ميليشيات فاشية!” زمجر نتنياهو في فيديو نشره على الشبكة. في علم النفس يُسمّى ذلك “الإسقاط”. فلا وصف أنسب لحكومته من ميليشيا فاشية.
خرج كل القذَر منه في هذا الفيديو. كل الكراهية لعائلات المخطوفين، لمئات آلاف المواطنين الطيبين الذين يتظاهرون كل أسبوع في أنحاء البلاد. مجدداً النصوص البكّاءة البائسة: “يهددون بقتلي، بقتل رئيس الحكومة”، “قالوا سيطوّقون بيتي، بيت رئيس الحكومة، بطوق نار”، “لقد كادوا يحرقون حارسة حتى الموت قرب بيتي”. يا للشفقة.
وكيف تصنّع الشعر على سيارة الاحتياط س. يوآڤ بر–شي المحروقة (الذي حظي بتعويض يفوق الحد عبر حملة تمويل جماهيري فورية فتحها نشطاء الاحتجاج). الرجل الذي يرسل بلا رفّة جفن عشرات الآلاف من الجنود، نظاميين واحتياط، ليُخاطروا بحياتهم، ينهار حزناً أمام سيارة محترقة، ويستغل الفرصة ليفعل ما يجيده أكثر: التحريض، التلويث، والتضحية بنفسه كضحية. بر–شي حفيد الوزير السابق يعقوب نئمان. المجاملات المنافقة المنحازة التي أُغرِقت عليه لم تمنعه من الوصول إلى خيمة الاحتجاج، والتقاط الصور مع حَجّاي وعنات أنغرست وڤيكي كوهين، والتعبير عن دعمه للنضال.
في الشهر المقبل سنصادف سنتين على الإخفاق السياسي–الأمني الأخطر في تاريخ الصهيونية وعلى المجزرة في الغلاف. على الأرجح لن يعود المخطوفون حتى ذلك الحين. قد ينتقل بعض هذه الأسماء، المُحصاة كأحياء، إلى العمود الأسود الحالك. سيُظهر رئيس الحكومة وجه المتألم، لكن في قلبه ستسود الفرحة والرضا: لقد نجا. سنتان. من كان ليصدّق. “علينا أن نواصل القيادة”، قال في جلسة الحكومة هذا الأسبوع. القيادة، لا إعادة المخطوفين.
تحولت النجاة، التمسك بالسلطة، لديه إلى ذُهان. يقامر ليس فقط بأرواح البشر، بل أيضاً بمكانة إسرائيل الاستراتيجية والدولية. تصريحات الضمّ والسيادة لبِتسلئيل سموتريتش تفزّع مصر والأردن، ورئيس الحكومة لا ينبس ببنت شفة. اتفاقات أبراهام مع الإمارات في خطر. رئيس الحكومة لا يقول كلمة. أوروبا فقدناها منذ زمن. حين تتخذ دولٌ خطوات ضدنا، يوبّخ. “رئيس وزراء بلجيكا زعيم ضعيف”، قال هذا الأسبوع. ذات مرة استعمل الشعار الفاشي بحد ذاته “زعيم قوي لشعب قوي”. المشكلة أنه كلما اشتدّ نتنياهو ضعف شعبه. المهم أن لدينا فيچي وزامبيا.
وأيضاً حال إسرائيل في الرأي العام في الولايات المتحدة وفي الكونغرس (كما شخّص بدقة الرئيس دونالد ترامب)، بل وحتى في الحزب الجمهوري، يرثى له. كل ما تلمسه يد “السياسة الخارجية” لديه يفسد، يتداعى. كسائق 9–D ثَمِل هو في مسار تدمير لا يستثني حتى صُنع يديه. أي شيء يمنحه أسبوعاً–أسبوعين إضافيين في الحكم، حلال.
نتنياهو مقامر ثقيل. يحمّل خطّ ائتمانه على الآخرين. يقامر بأموال المواطنين، بأرواحهم وبمستقبلهم. حين أدرك أنه يستهلك الرصيد في الساحة الدولية، قرر أن يضع كل الجيتونات المتبقية لديه على ترامب. إنه “يعمل عليه” طوال الوقت، بالمعنيين.
وبما أن الرئيس الفاشل النرجسي بلا فلاتر، نستطيع أن نفهم في كل حين ما هي المناورات التي يمرّرها نتنياهو له، أساساً بواسطة مبعوثه لإفشال الصفقات، رون دِرمَر. أحدها يتعلق بعدد المخطوفين الأحياء. مثل ذلك “أقلّ” الذي همست به سارة نتنياهو المهووسة بالانتباه أمام الكاميرات في حينه، يلفظ الرئيس أيضاً أصداءً من هذا النوع بين الحين والآخر. الآخر هو تجييشه لنزعة الانتقام من حماس، مع الدوس على ما يتعلق بتحرير المخطوفين قبل كل شيء. منذ أُطلق عِدان ألكسندر، ذو الجنسية الأميركية، يبدو أن الرئيس الأميركي بالكاد يكترث بالموضوع.
ترامب لم يكن هنا في الجولات السابقة لـ“حسم حماس” أو “النصر المطلق”. اشرح له أنه قبل احتلال مدينة غزة كان لدينا محورا موراغ وفيلادلفيا ورفح، وماذا لا. السؤال لماذا لا يضغط على رئيس الحكومة لفعل الشيء الوحيد المتوقع منه — خلق مسار سياسي، قاعدته بديلٌ حُكمي عن حماس. ربما نتنياهو، الأذكى منه بكثير، لا يزال يغذّي لديه وهم “ريڤييرا غزة”، ويعزف له على أوتار المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة في هذا السياق — والمصالح الشخصية لترامب نفسه.
باستثناء ترامب، الذي حيالَه يتلاشى، ويتذلل ويعلن ولاءً أبدياً، لا شيء يلامس نتنياهو. لا الكراهية للإسرائيليين واليهود التي تبلغ ذُرى جديدة حول العالم، لا المقاطعة المتزايدة التي تضربنا أصلاً بفظاعة في الاقتصاد والأكاديميا، لا الرصيد الذي ينفد لدى شعبه ذاته لمواصلة الحرب، ومن ضمن ذلك جنود الاحتياط الذين استُدعوا هذا الأسبوع إلى جولةٍ ما أدري كم، ليقاتلوا على لا شيء. كل هذا باسم ومن أجل حكومةٍ سينيكية عطشى للدماء، ورئيسها عديم الحيلة.
للإسرائيليين العُقلاء، طالبي الحياة والطبيعية، تبقى آمال قليلة جداً. ينظرون حولهم فيجدون جُزُراً قليلة يتمسكون بها قبل أن يجرفنا تيار الجنون نهائياً. ما زالوا هناك في صورة حُماة سيادة القانون، وفي مقدمتهم المستشارة القانونية للحكومة؛ المحكمة العليا؛ ورئيس الأركان الذي يلعن كل يوم الحكومة التي عيّنته وتحاول قطع رأسه، لكنه يحافظ على موضعه وعلى قيمه قدر استطاعته.
المتفائلون يأملون بأنه في وقت ما، من الأفضل قريباً، سيتعقّل أيضاً رئيس الولايات المتحدة. سيحدث ذلك فقط حين يفهم أن الضرر المتراكم الذي يسببه نتنياهو له أكبر من الفائدة، التي قوامها كما أسلفنا التذلل أمام ملكيته الحمراء. الجولة القريبة في غزة، مع احتلال المدينة أو بدونه، يُفترض أن تكون الأخيرة في التانغو الحالي بين الزعيمين. نتنياهو، عوفر مَكسيموف السياسيين، يسير حتى في كازينو ترامب بعيداً، بعيداً جداً.